بداية

بطولاتهم من صلب اليقين

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

..مع حلول يوم الخامس والعشرين من يناير كل عام تهب علينا نسمات العزة والكرامة الوطنية، رمز النجدة الأبدية للوطن؛ حينما نستعيد معًا ذكرى عزيزة غالية، على قلب ووجدان كل مصري، في عيدهم واجب علينا أن نحتفي بهم، وأن نقدر لهم البطولة والشجاعة والتضحية كي نعيش في أمن وآمان واستقرار، إنهم رجال الشرطة الشرفاء الأمناء على هذا الوطن؛ فتاريخهم الوطني تحت أيدي الناس في كل مكان وعصر وزمان، ومدونات التاريخ شاهدة على ذكرى تعالت معها، صيحات المطالبـة بالحرية والاستقلال الوطني؛ وهل ينسى التاريخ ذلك اليوم من العام 1952؛ حيث كانت هناك طليعة من أبناء مصر الشرفاء، على موعد مع المجد، الذي قام بتخليد بطولاتهم في الذاكرة الوطنية تتحاكى وتتفاخر بهم الأجيال المصرية، وهل هناك دليل في الدفاع عن الوطن والمقاومة وعدم الاستسلام والتضحية بالنفس؛ ليصبح بعدها هذا اليوم عيدًا للشرطة تخليدًا لذكرى معركة الإسماعيلية، فقد أثبت رجال الشرطة في ذلك اليوم أن الدفاع عن الأوطان، ليس مرهونًا بامتلاك العدة والعتاد وإنما هو مرهون، بمدى إيمان وعقيدة الرجال، الراسخة داخـل نفوسـهم».
رجال عاهدوا الله ألا يخشون إلا سواه، حب خلود الذكر أكثر من الحياة، في عقيدتهم الراسخة أن الروح لا يأخذها إلا خالقها، وأن السيرة أطول من العمر.
فلسفة التاريخ غير أنها تطلعنا على أحوال الماضي ترشدنا إلى حوادث تتكرر في الحاضر أحيانًا، وفي الحالتين تظل البطولة واحدة أوضح من ضوء الشمس، نعم الشرطة في عيدها الحادي والسبعون وعلى مر تاريخها الناصع البياض هزمت الإرهاب وأحبطت مخططات التخريب، البطولات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويكفيني منها للتدليل على ذلك تلك المؤامرتين التي كشف فيها العيون الساهرة مخطط الإرهابيين من العصابة الإخوانية، الأولى جرت أحداثها في العام 1965، والثانية في العام 2017، رغم أننا لا نحتاج لتأكيدات لإثبات أن هؤلاء الرجال يحملون على عاتقهم المسؤولية كاملة لأمن بلادنا، ويحتملون فى سبيل ذلك ما يحتملون من المشقة والتحديات ولولاهم لما عشنا في أمن واستقرار– فـ طلوع النهار لا يحتاج لدليل – نعم أبناء اليوم يسيرون على خطى آبائهم.
كانت من أخطر القضايا الإرهابية وقتها، استنادًا إلى حجم التحقيق فيها وتشعبه؛ كشفها رجال الأمن خلال شهر أغسطس سنة 1965، مؤامرة دبرتها جماعة إخوان الشياطين؛ فقد بدأ أول خيط في هذه القضية الخطيرة يتكشف قبلها بثلاثة أشهر، وذلك بملاحظة حركة غير عادية لتهريب وتخزين الأسلحة في القاهرة وفي عدد من القرى، لم يكن التقدير وقتها أن تتكشف العملية عن الحقائق المذهلة التي تكشفت عنها العملية؛ فـ عندما تم القبض على بعض الذين تأكد أن في حوزتهم أسلحة ومفرقعات وبدأ استجوابهم، راحت خلايا التنظيم السري تظهر واحدة بعد واحدة لتكشف عن شبكة واسعة وضعت خططًا تكاد لا تصدق للوهلة الأولى لغرابتها وبعدها عن التصور – ولكن ماذا ننتظر من جماعة تساوت في إرهابها مع عصابات المافيا بل هي أخطر منها لأنها تتدثر برداء الدين – اكتشف الأمن خططًا واسعة للقيام بنسف بعض المنشآت الكبيرة بينها بعض المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة ومبنى التليفونات، وكانت هناك خطط لإلقاء بعض القنابل الحارقة في عدد من دور السينما والمسارح وفي بعض الشوارع؛ المضحك إلى حد البكاء أنه عندما سأل المحقق أحد المتهمين في هذه المؤامرة: «ماذا كنتم تهدفون من كل هذا التخريب الذين تنوون إحداثه»؟، وكان الرد من الإرهابي: «حتى يقوم مجتمع الإسلام»!، وسكت المتهم حين قال له المحقق: «هل يمكن أن يقوم مجتمع الإسلام بنسف المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء والمطارات وإلقاء القنابل وسفك الدماء»؟!
وضبط رجال الأمن وقتها عشرات من الصناديق تمتلئ بزجاجات مملوءة بالمواد المتفجرة، الأغرب أن المصاحف لم تسلم من عبث الإرهابيين فاتخذوا من صفحاتها مخبأ لخططهم الشيطانية بين دفتيه، مئات من القنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف، أجهزة تسجيل وراديو مشحونة بالمتفجرات ومواد ناسفة، مخابئ الأسلحة في منازل الإرهابيين في عدة محافظات، وهل هناك أخطر من ترسانة الأسلحة التي كشفها رجال الأمن مدفونة في مقبرة أسرة مرشد الضلال الهضيبي؟!، جنون يؤكد عراقتهم في الإجرام.
ولأن التاريخ لا يعيد نفسه كما يظن البعض وإنما من الجائز أن تتكرر حوادثه؛ رجال الأمن الوطني في سنة 2017، يكشفون «سرداب تحت الأرض» بمزرعة الإمام الغزالى فى البحيرة لتصنيع المتفجرات؛ كشفت المعلومات الأمنية وقتها أن عصابة البنا حفرت سردابًا تحت الأرض بقرية الإمام الغزالى فى مركز الدلنجات واستخدامه كمعمل لتصنيع المواد المتفجرة بواسطة العناصر الشبابية للجماعة خريجى كليات العلوم، وذلك لتفادى الملاحقات الأمنية، وفى سبيل ذلك عملت على تفخيخ مداخل ومخارج المزرعة التى يوجد بها السرداب لمنع الأمن من الاقتراب إليها، وتم تفتيش المزرعة حيث اشتبهت قوات الأمن في كمية كبيرة من الرمال بجوار المبنى، وتبين وجود مخبأ أسفلها عبارة عن سرداب سري بعمق 4 أمتار تبلغ مساحته 2م مربع عُثر بداخله على «جهازين يستخدم في تصنيع مادة RDX شديدة الانفجار، جهازين لتجهيز الحمض المستخدم في تصنيع المتفجرات، جركن سعة 50 كيلوجرامًا من ذات المادة «في صورة سائلة» وجوال يزن 50 كيلوجرامًا عجينة من تلك المادة «معدة للاستخدام»، 500 جرام من مادة SOLT-R الناسفة».
إنها الشرطة المصرية، يقين قديم ودائم وأبدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رجالها شرفاء وأمناء على هذا الوطن، في عيدهم نتوجه لهم بالشكر والعرفان وهم لا ينتظرونه، في عيدهم نهديهم وردة حب، في عيدهم نتوجه بقلوبنا وأيدينا للدعاء لهم أن يحفظهم الله لحفظ أمن مصرنا الحبيبة.
صدق رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال: «من اصطنع إليكم معروفًا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته، فادعو له، حتى تعلموا أنكم قد شكرتم، فإن الله شاكر يحب الشاكرين» (صدق الرسول الكريم).

[email protected]