«معمودية المسيح»

عيد الغطاس المجيد.. «معمودية المسيح»

الأرشيدياكون الأكليريكى يونان مرقص القمص
الأرشيدياكون الأكليريكى يونان مرقص القمص

بقلم: الأرشيدياكون الأكليريكى يونان مرقص القمص

معمودية السيد المسيح له المجد: أن الكلمة  اليونانية التى ترجمت معمودية أصلها اليونانى صبغة أو غطاس – وهذا يفيد أن المعمودية كانت بالتغطيس حيث كانت هذه عادة اليهود وهكذا يجب أن تكون عادة لكل المسيحيين .

ولم يكن المسيح فى حاجة إلى العماد كغيره لسموه وقداسته ، لكنه اعتمد ليتمم كل بر..  وأنه قد فعل ذلك كنائب عنا ، لذلك فى البداية أمتنع يوحنا أن يعمد المسيح وهذا برهاناً صريحاً للاهوت المسيح ، رغم أن يوحنا كان قريباً للمسيح حسب الجسد إلا أنه رأى فيه ما لم يره غيره من بر وقداسة ، وإن نزول الروح القدس على يسوع فى شكل حمامة وعلى التلاميذ كألسنة من نار ، فالحمامة تمثل الوداعة واللطف والمحبة التى اتصفت بها المسيح فى خدمته وبها قدم ذاته للجميع . أما الألسن النارية التى حلت على تلاميذه فأنها تدل على أن وظيفة الرسل كانت لتأدية الشهادة بغيرة وحماس وكان لابد من تطهيرها ليليقوا برسالة الفداء .

وهنا نرى فى المعمودية الثالوث القدوس عاملاً ، فالآب يتكلم والابن يعتمد والروح نازلاً مثل حمامة  ولقد قال الآب " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " انه ابن الله المتجسد ولا أحد استطاع أن يصفه وصفاً كاملاً، لانه بذاته يفوق كل وصف ، حتى البشيرين لم يستطع أى واحد منهم أن يصفه وصفاً كاملاً ، لانه فوق إدراك العقل البشرى..

لم يكن عماد السيد المسيح هو السبب فى نزول الروح القدس عليه ، بل أن الروح القدس عليه بصفة روحية مستمرة منذ البشارة بميلاده العجيب ، ولكن لمانزل إلى الماء المنظور المادى أراد الثالوث القدوس أن يعلن ذاته بصفة منظورة حتى يرشد العقول البشرية لتلتفت إلى مخلص العالم .

والتأملات الروحية فى هذا العيد المبارك يقول الكتاب " وفى تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز فى برية اليهودية "( متى 1:3 ).

ماذا كان يكرز يوحنا – لقد تكلم القديس يوحنا المعمدان عن الخطية ووجوب التوبة وأن التوبة لا تنفع باللسان بل بالثمار والأعمال الصالحة ، ثم تكلم عن يسوع المسيح وانه لا يستطيع أن يعمد  إلا بالماء ولكن يسوع سوف يعمد بالروح القدس ونار . ثم تكلم عن الروح القدس وأنه لا أحد يعطيه إلا يسوع وأنه لايمكن الاكتفاء بعمل المسيح عنا بل علينا أن نتقبل عمل الروح القدس فينا ، ثم تكلم عن الأبدية وان هناك مكاناً للصالحين وآخر للأشرار وانه لابد أن نتوب عن كل خطايانا ولا نترك واحدة منها ، لأن هذا يهين قداسة الله ، ألا ترى أنها عظة مليئة تحتاج اليها كل نفس .

أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست أهلا أن أحل حذاءه هو " سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( متى 11:3 ).

بعد أن شهد الآب بصوت مسموع ليسوع فى ظهور فى الجسد أنه إبنه الحبيب الذى سر به  ، كان فى ترتيبه  أن يعمد على يد يوحنا المعمدان ، وذلك لمقاصد أزلية .

وهنا نرى العمل الذى قام به المعمدان لم يتتحقق بطريقة عشوائية  ، ولكنه جاء جزءاً من خطة الله الخلاصية .. سبق فنظرها الأنبياء من بعيد وتحدثوا عنها أذ يقول الكتاب " كما هو مكتوب فى سفر إشعياء النبى القائل : صوت صارخ فى البارية اعدوا طريق الرب " فإن يوحنا كان مجرد صوت " الذى يعد الطريق لكلمة " فيوحنا صوت يدوى فى البرية لقبول الحق خلال السبل أو الطرق المستقيمة ، أنه ينادى النفوس اليائسة التى تشبة الوديان المنخفضة التى تمئلئ بالرجاء ، والنفوس الشامخة كالجبل والأكمة : شعب اسرائيل ويهوذا الذى تعجرف ، فالدعوة موجهة للجميع بالتوبة العملية والسلوك .. فتصير المعوجات مستقيمة والشعياب طرقاً سهلة . دعوة أيضاً لترك كل طريق معوج أو ملتوى فانه لن يبصر أحد الخلاص وهو فى شره وإعوجاع حياته .

خروج الجموع الكثيرة للمعمودية لم يكن فى ذاته يفرح قلب المعمدان ولايحسبه نجاحاً للخدمة ، انما كان يلزم أن تربيط المعمودية بالتوبة العملية النابعة عن الإيمان والحق ، وفى المسيحية يرتبط العماد بالإيمان العملى ، وإن قدمت أطفال فتتعهد الأشبين بتربيه الطفل فى الإيمان السليم .