أمجد مصطفى يكتب : السجادة عمرها 7000 سنة

أمجد مصطفى
أمجد مصطفى

مصر هي دولة الفن، من هنا تعلم العالم معنى كلمة السلطنة في الغناء، ومن هنا بدأت الأجساد تتمايل طربًا، بجمل موسيقية تقشعر لها الأبدان، مصر هي قبلة الغناء العربي، هي دولة الملحنين والمطربين، هي رائد التجديد ومنبع المجددين في الموسيقى والغناء، لم تمر فترة زمنية إلا ويخرج منها أستاذ أو أستاذة يرفع الجميع له أو لها القبعة، هنا ولد رائد وفارس التجديد سيد درويش، وهنا ولد محمد القصبجي وعبدالوهاب والسنباطي، الذين توارثوا الموسيقى والغناء عن الشيخ المسلوب، وسلامة حجازي ومحمد عثمان وكامل الخلعي، هنا أرض الكنانة والمكانة.
مصر هي الشريان الذي قام بتغذية العالم العربي بكل حرف وجملة موسيقية، هنا القاهرة التي منحت الجميع شهادة الاعتماد، والارتباط بالجمهور، هنا الإذاعة المصرية التي حملت عبر أثيرها مهمة تقديم الأصوات والنغم الشرقي الأصيل، ومهما دول منافسة، تحاول المنافسة فتاريخنا حاضر، مصر هي قدماء المصريين الذين تركوا إبداعهم على جدران المعابد لكي يتعلم منها العالم، تركوا نماذج للآلات الوترية والإيقاع والنفخ، تلك الآلات التي عمل من جاءوا بعدهم على تطويرها، هنا بلد الهارب والربابة والناي والعفاطة والمقرونة والطبلة والسمسمية وغيرهم من الآلات التي أشتق منها الغرب آلاتهم، هنا بلد الترانيم القبطية في الكنائس، والتواشيح والمديح والسيرة الشعبية في الموالد الشعبية، حتى هنا بلد الملحنين الشيخ المسلوب، سلامة حجازي وسيد درويش وعبدالوهاب ورياض السنباطي وزكريا أحمد والقصبجي وعطية شرارة ومحمد الموجي وبليغ حمدي، هنا بلد علي إسماعيل، هنا بلد الريادة، ودولة الإبداع والمبدعين، حتى أن عمر بعض فنانينا أطول من أعمار دولة بأكملها، وربما تأثير إبداعهم أكثر من دول كثيرة.
مصر بلد منيرة المهدية وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وليلى مراد ونجاة وسعاد حسني، ومن هنا انطلقت فايزة ووردة وعائلة الأطرش فريد وأسمهان وشادية ومئات من المطربين عبر التاريخ.
مصر الفن والفنانين، أقدم دولة عرفها التاريخ، وعرفت الفنون بكافة أشكالها، مصر التي سطرت أهم سيناريوهات العرب في السينما والدراما، وأهم من كتبت النوتة الموسيقية، وأهم من قدمت عازفين وملحنين وشعراء، هنا بلد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد ناجي وحسين السيد ومرسي جميل عزيز وفتحي قورة والأبنودي وسيد حجاب وفؤاد حداد، مصر الطرب الأصيل والنغم المشبع بالموهبة، مصر تواصل الأجيال وشموخ الجبال وكبرياء الإنسان، مصر أقدم لوحة فنية وأقدم فنان.
هنا بلد خضرة محمد خضر وجمالات شيحة ومتقال ومحمد طه ورائد الفن الشعبي زكريا الحجاوي.
هناك عازفون لولا وجودهم ما برزت أسماء كثيرة في عالم الطرب، الصوت الجيد يحتاج إلى عازفين كبار لمصاحبته، واللحن الثري بالتأكيد يحتاج إلى العازف الماهر لكي ينفذه ويجعله شيء ملموس تستمتع به الجماهير، ومصر عبر تاريخها قدمت آلاف العازفين، ولأن المساحة والوقت وأمور كثيرة سوف تجعلنا غير قادرين على رصد الجميع، نحاول أن نقدم بعض الموسقيين الأوائل الذين أثروا حياتنا الموسيقية، وكان لهم الأثر البالغ فيما وصلنا إليه من إبداع غنائي وموسيقي.
هذا أنور منسي يغازل أوتار كمانه، وهذا شقيقه عبد الفتاح يداعب أوتار القانون، وبجوارهم أحمد الحفناوي، ويجلس على مقربة منه عم محمد عبده صالح، وهذا عفت يشجينا بالناي، وأحمد فؤاد حسن يمنح “الماسية” الإشارة لدخول عالم النغم إلى كبار مبدعينا على الآلات الموسيقية.
بعد كل هذا الإبداع، ويخرج البعض ويتحدث عن سحب السجادة من تحت أقدمنا لصالح بعض الدول، أو دولة بعينها، وهنا لابد أن نعي أمر هام، ألا وهو “من حق أي مطرب أن يغني في أي مكان وفي أي دولة طالما هذا المكان يعاملة معاملة محترمة تليق بالدولة التي ينتمي إليها وبفن هذا المطرب، وطالما هو كفنان لا يسيء لبلده أولا ثم لجمهوره ثانيا، فما الأزمة أن نرى أي مطرب مصري أو عربي يغني في أي بلد آخر”.
وكما كانت مصر الرائدة ومازال في يدها مقاليد الأمور، فلا نخاف من أي كيان، وبالتالي من حق أي دولة أن تنظم ما تشاء من المهرجانات، طالما أنها لا تسيء لأي دولة، نحن لا نعيش في العالم بمفردنا، هناك عالم من حولنا من حق أهله أن يصنعوا المستحيل لوطنهم، ودخول المنافسة، كما علينا أن نفعل المستحيل لبلدنا لكي نظل في المقدمة، وبالتالي يجب ألا نخشى من إقامة مهرجان هنا أو حفل هناك.
لذلك لا أحب أن أسمع أو أقرأ أوأشاهد، من يردد تلك الجملة السخيفة التي تقول “أن هذه الدولة سوف تسحب السجادة من مصر”، فهل يعي من يردد تلك الجملة عمر هذه السجادة التي يتحدث عنها، عمرها 7 آلاف سنة، وكل يوم يمضي، وكلما مر عليها الزمن، تزداد هذه السجادة قيمة وبريق، مثلها مثل أي شيء غالي ونفيس.
أرجو أن نهتم فقط نحن كدولة بحجم مصر بمواصلة تصدير الفن الجاد للعالم العربي ونثق في تاريخنا وإبداعنا.
ورغم كل ما يقال، يظل الفن المصري يفرض نفسه في كل مكان وزمان، بدليل أن 90% من أعضاء الفرق الموسيقية المشاركة في الحفلات الرئيسية من العازفين المصريين، أنظر إلى الصفوف الأولى سوف تجد الدكتور حسن شرارة والدكتور رضا رجب ويحيى الموجي وعازفي الكمان، وسلام القصبجي على العود، وغيرهم على الإيقاع والقانون والناي، والقادة أمثال أمير عبد المجيد وهاني فرحات، إلا يؤكد هذا أن السجادة مازالت مصرية، هذا إلى جانب نجوم كبار بحجم أنغام وشيرين وعمر دياب وتامر حسني وبهاء سلطان ومي فاروق وريهام عبد الحكيم وأحمد عفت من أبناء الأوبرا المصرية، ومن فترة لأخرى تسافر بعض فرق الأوبرا أو تخت شرقي.
نحن أصحاب أول دار أوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط، نحن أيضا الذين أنتجنا “أوبرا عايدة”، حتى تواكب افتتاح قناة السويس، وقدمت “أوبرا عايدة” لأول مرة عام 1871 على مسرح دار الأوبرا القديمة “الخديوية”، بعد افتتاح القناة بعام تقريبا.. وهل يعي من يردد مقولة السجادة أننا نقدم هذا الفن ولدينا أوبرا عمرها أكثر من 150 سنة، مصر هي رتيبة الحفني وحسن كامي وجابر البلتاجي وإيمان مصطفى من نجوم الغناء الأوبرالي، مصر هي رمزي يسى البيانسيت العالمي، وجمال عبد الرحيم المؤلف الموسيقي ألفريد، والمايسترو أحمد الصعيدي .
هل بعد كل هذا نتحدث عن سجادة، نعم لابد إلا نستغرق أنفسنا في الحديث عن الماضي، لكن من ليس لديه ماضي ليس له حاضر أو مستقبل، وعلينا أن ننظر للماضي وعيننا على المستقبل، ونطور، ونسعى إلى الأفضل في “مهرجان الموسيقى العربية” كان لدينا هذا العام بخلاف نجومنا المصريين، أصالة وصابر الرباعي وديانا حداد وراغب علامة وكارول سماحة ومروان خوري، وسبق وظهرت في فعالياته ماجدة الرومي أكثر من دورة متلاحقة.
وهذا المهرجان هو أول من قدم الراحلة ذكرى، وكذلك لطفي بو شناق وحياة الإدريسي وفؤاد زبادي، وهو آخر مهرجان غنت فيه سعاد محمد ووديع الصافي، وأنا هنا أتحدث عن العرب فقط، ولم أتطرق إلى المصريين.
في النهاية، لا تخافوا على مصر، “إحنا 7 آلاف سنة إبداع”، شاهدوا ما تركه قدماء المصريين على جدران المعابد وأنت تعي قيمة بلدك، وهذا بإعتراف الأشقاء العرب أنفسهم، نغمة السجادة والبساط تتردد كلما كانت هناك مناسبة أو مهرجان، رغم أن أي شخص لو فكر للحظة قبل أن يتحدث في أمر السجادة، لتراجع وقال “تحيا مصر” المبدعة الملهمة الرائدة.