عاجل

الاحتلال الإسرائيلى يعلن بناء جدار عنصرى جديد حول غزة

بناء جدار عنصرى جديد حول غزة
بناء جدار عنصرى جديد حول غزة

إيثار حمدى

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى بناء جدار عنصرى جديد حول غزة، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إنه تم البدء بالفعل فى المشروع الذى أطلقت عليه «الممر الآمن» فى مستوطنات غلاف غزة، ووصفه بأنه  ضخم بطول 4.6 كم على طريق 34 وعلى أجزاء من طريق 232 ضمن ما يسمى بغلاف غزة، ونقلت عن أواسط عسكرية عبرية أن الهدف منه يرمى إلى إخفاء مفترقات من الطرق فى منطقة الغلاف، والسماح باستمرارية حركة المستوطنين فى أوقات الطوارئ دون مخاوف من نيران غزة، وحماية الدبابات الإسرائيلية من الصواريخ المضادة.

من جانبه، علق المستشار فواز عطية، قاضى المحكمة العليا «النقض» الفلسطينية بأن الجدار الجديد يزيد ويؤجج الصراع بين الحق والباطل، مؤكدًا أن الجدران والأسلاك الشائكة الإلكترونية والمنصات العالية والخنادق المائية لا تحمى أى محتل، مُضيفًا فى تصريحات لـ«آخر ساعة» أن الحقوق المسلوبة ثمنها باهظ للمحتل، فإن كان يرغب فى الحياة بأمن واستقرار فلابد من شراء راحته النفسية بإعادة الحقوق لأصحابها، لأنه استعمل شتى السبل والوسائل منذ 74 سنة، ولم تفلح خططه لأن قضية فلسطين قضية وطنية بامتياز لكل عربى ومسلم مخلص أمين.

جدار «منحرف»
وقال إن بناء جدار حول مستوطنات غلاف غزة حجة واهية ترمى إلى وأد حق تقرير مصير الشعب الفلسطينى، وبات من المؤكد أن الكيان لا يكترث لحقوق الآخرين، ولا يبدى احتراما لقواعد الشرعية الدولية، فلو عدنا للوراء قليلا وعلى وجه التحديد إلى شهر ديسمبر 2003، نتذكر ما طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية فى لاهاى، بشأن إعطاء رأيها الاستشارى حول العواقب القانونية لبناء إسرائيل للجدار فى فلسطين.
وصاغت المحكمة فى يوليو 2004 رأيها، ويمكن تلخيصه بواقعتين الأولى: التوقف مباشرة عن بناء الجدار، وإلغاء التدابير المتخذة التى تحد أو تعرقل بشكل غير قانونى من ممارسة سكان الضفة الغربية حقوقهم، والثانية: إلزام إسرائيل بإصلاح كل الأضرار التى سببتها لأهل فلسطين.

وأوضح عطية، قبل صدور رأى المحكمة المذكورة، قدم «كوفى عنان» الأمين العام للأمم المتحدة حينها فى سبتمبر 2003  تقريره بشأن طبيعة جدار الفصل العنصرى من حيث مساره وبنيته وآثاره التى تلحق الأضرار بالفلسطينيين، على الحدود مع الأراضى داخل الخط الأخضر، مثل مدينتى طولكرم وقلقيلية وأجزاء من القدس، كما أشار إلى أن قدرا كبيرا من الجدار، كما هو مخطط له أو كما تم إنجازه بالفعل ينحرف عن الخط الأخضر (خط الهدنة لعام 1949)، ويضم مستوطنات تقع ضمن أراضى الضفة الغربية، ودوّن فى تقريره العواقب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية على سكان فلسطين، بحيث سيخلق الجدار جيوبا فلسطينية فى وضع إنسانى صعب وقاسٍ، نتيجة فصلهم عن أراضيهم الزراعية، والصعوبات المتمثلة فى وجه وصولهم إلى الأسواق والخدمات الضرورية.
وقال قاضى المحكمة العليا الفلسطينية، إن تقرير الأمين العام المذكور، ورأى محكمة العدل الدولية لم يأتِ من فراغ كيف لا، وطول الجدار الفاصل بلغ 700 كلم بارتفاع 9 أمتار، وشتان بين الرواية الإسرائيلية بأن هدفه حماية أمن الكيان الإسرائيلى ومواطنيه، وبين رواية الفلسطينيين بأنه لضم وسرقة المزيد من الأراضى ومنع التوسع العمرانى.

تهديد للدولة الفلسطينية
وبعيدا عن الجوانب السياسية والمواقف المتباينة بين الأطراف المتنازعة، والمؤيدة لكل طرف، فندت المحكمة جميع المزاعم الصادرة عن الكيان المتعلقة حول الصلاحية فى إصدار رأيها والأسانيد القانونية فى ذلك، وبالتالى يجب أن نقف على تصرفات الكيان الإسرائيلى من مسألة بناء جدار ثانٍ حول قطاع غزة، فى ظل ولادة حكومة يمينية متطرفة بكل المقاييس، منوهين فى هذا المقام إلى أن هذا الإجراء وليد سلسلة إجراءات تنذر بمواجهة قادمة ستريق الدماء، من أجل السير قدما نحو مشروع إسرائيل الكبرى.

واستطرد، قواعد الاشتباك اتسعت وتجاوزت الحق الفلسطينى منذ أول يوم حطت الحكومة الإسرائيلية ركابها، وطالت وخرقت الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الإسرائيلى والأردنى، وبدأت تمس بمكانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية فى القدس الشريف، ولا أدل على ذلك إلا ما وعد به بن غفير الوزير فى الحكومة المتطرفة الحالية، الذى أكد على أن برنامجه المزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى والمزيد بإطلاق العنان لقطعان المستوطنين فى اقتحامه ولساعات طويلة بما يشمل جميع أيام الأسبوع.

 بناء جدار فاصل وإضافى حول غلاف غزة هدفه وأد قيام دولة فلسطينية، لأن مسار الجدار يقع على الأراضى الفلسطينية التى كانت تتسم بأراضٍ زراعية خصبة، ومن المؤكد أن بناء ذلك الجدار ضد رغبة سكان أهل غزة، لأنه سيخلق حالة تسمى بسياسة فرض الأمر الواقع، ليتم تسجيل الحقوق العينية العقارية لتلك الأراضى ضمن طرق غير شرعية فى الدوائر الرسمية، إما تسجيلها باسم صندوق النقد اليهودى «كيرن كييمت» أو أن تسجل باسم المستوطنين القاطنين ضمن غلاف غزة، وفى كلتا الحالتين استيلاء ومصادرة دون وجه حق.
يهدف رأى محكمة العدل الدولية إلى معالجة جوهر السؤال المطروح من قبل الجمعية العامة فى حينه، فقد أشارت المحكمة بصورة لا لبس أو غموض فيها إلى أن التشييد بحد ذاته يشكل انتهاكا للقانون الدولى، قوام ذلك الانتهاك يدور فى فلك ما يسمى استقلال إسرائيل والنزاع المسلح بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، نتيجة اتفاقات الهدنة لعام 1949 التى كان من بين نتائجها رسم الخط الأخضر.

عمل غير مشروع
ومن هذا المنطلق، يمكن بل يجب أن يُبنى على رأى محكمة العدل الدولية أحكام كثيرة، ويجب أن يكون الرأى المذكور من ضمن الوسائل القانونية لمنع إقامة الجدار حول غلاف غزة، لأن ذلك الواقع، وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 بتاريخ 24 أكتوبر سنة 1970، لا يكسب الاحتلال أية أراضٍ جديدة له، لأنه عمل غير مشروع، وهو انتهاك لمبدأ حق تقرير الشعوب لمصيرها على أرضها المسلوبة، فضلا عن ذلك تصرف الكيان ببناء الجدار فيه مخالفة وإهدار لقواعد وأحكام القانون الدولى الإنسانى، لا سيما المعاهدات المتعلقة بقانون الحرب، وأهمها اتفاقية «جنيف الرابعة» لسنة 1949، التى تعنى بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب وممتلكاتهم م(33)، مما يتعين التمسك برأى المحكمة فى أن الهدف الحقيقى لبناء الجدار هو الضم والاستيلاء على الأراضى الزراعية الخصبة حول الغلاف، التى تعود ملكيتها للفلسطينيين، ولا أدل على ذلك إلى ما قررته المحكمة فى رأيها حول المستوطنات غير الشرعية فى الضفة الغربية، إذ أشارت إلى أن المسار المتعرج للجدار قد تم رسمه بطريقة ضمت تلك المنطقة الواقعة بين الخط الأخضر والجدار (المنطقة المسماة بالمنطقة المغلقة)، بما جعل معظم المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية (بما فى ذلك القدس) ضمن حدودها عنوة.

درس وعبرة
وحول النتائج المترتبة على بناء الجدار قال قاضى المحكمة العليا الفلسطينية، إنه سيؤدى إلى ترحيل أو نقل السكان فى تلك المستوطنات إلى داخل أراضيها وتطبيق القانون الإسرائيلى عليهم، وهذا الأمر مخالف لحكم المادة 49/6 من اتفاقية جنيف الرابعة التى نصت على أنه: «يجب على القوة المحتلة ألا تقوم بترحيل أو نقل عدد من سكانها المدنيين إلى داخل الأراضى التى تحتلها»، مما يعتبر المستوطنات التى تم إنشاؤها حول غلاف انتهاكا للقانون الدولى، باعتبار مسار الجدار وحجمه حتما سيؤثر على التغيرات فى الوضع الديموغرافى للفلسطينيين القاطنين فى قطاع غزة، ويزيد من الضغط السكانى لشعب يعيش على رقعة محددة لا امتداد ولا توسع جغرافيا فيها، ما يساهم بشكل واضح فى حق تقرير المصير، وما يشكل خرقا للالتزام المترتب على الكيان الإسرائيلى باحترام ذلك الحق، وذلك سيصب فى استمرارية انتهاك القانون الدولى الإنسانى، باعتباره جريمة مستمرة لا تتقادم بمرور الزمن، لأن الجدار، أعيد وأكرر، سيؤدى إلى تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها.

واختتم حديثه مشيرًا إلى أن الدروس والعبر خلال 74 عاما، جعلت من جميع الأجيال الفلسطينية مبدعة فى مقارعة الاحتلال وإرباكه، ومع تطور الحضارة التكنولوجية ازداد الإبداع، نعم على حكومة الاحتلال أن تعيد تفكيرها بشأن الاتفاقيات الثنائية ومحاولة التطبيع مع بعض الحكومات، بل على الجمهور الإسرائيلى أن يعيد تفكيره بطريقة انتخاب ممثليه، لأن التطرف والغلو والتشدد لا يؤتى بثمار الاستقرار لأى طرف كان.

علامة الخوف
من جانبه، قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ الإسرائيليات وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إن الجدار الجديد سيؤثر بشكل سلبى على البدو الذين يعيشون فى المنطقة، وهو يدل بشكل كبير على أن هناك استعدادات لخوض جولة جديدة من المواجهة مع غزة خاصة بعد التصعيد الذى حدث فى المسجد الأقصى الفترة الماضية، وستتدخل فصائل المقاومة سريعا إذا استمرت الانتهاكات فى الأقصى، وقال إن سياسة الجدران الإسرائيلية أثبتت فشلها الذريع، لأنه بالطبع يتم تجاوزها عن طريق الأنفاق، وبالطبع أصبح لدى الفلسطينيين خبرة كبيرة فى كل ما يخص الأنفاق والتعامل معها، ومن ناحية أخرى فقد سبق اختراقها بأشكال شتى منها طائرة شراعية، وبالتالى فكرة الاستقواء بالجدران مهما كانت محصنة ومزودة بكاميرات مراقبة فاشلة لأنه ليس من الصعب اختراقها.

ويوضح أستاذ الإسرائيليات أنه بالفعل يوجد حول كل مستوطنة جدار، ولكننا نتوقع أن الجدار الجديد سيضم مجموعة من البؤر الاستيطانية ويستقطع حتى الأراضى التى تقع بين المستوطنات، فهم لن يكتفوا بالطرق المخصصة للمستوطنين ولكنهم سيضعون سورا يجمع المستوطنات، وبالتالى يلتهم المزيد من الأراضى الفلسطينية من خلال الفواصل والفراغات فيما بينها، وهو أمر فى غاية الخطورة.
واختتم بأن بناء الجدران بالطبع ليس إلا دليلا على الخوف، الذى يعتبر جزءا كبيرا من الشخصية الإسرائيلية، نظرا للحالة النفسية عندهم، فهم لديهم دائما هاجس بأن هناك أحدا متربصا بهم وينوى لهم على أى عملية انتحارية، وهذا الهاجس يتم استغلاله إعلاميا بشكل غير حقيقى، فيقال إنهم مدنيون ويتم ملاحقتهم ويعيشون فى حالة رعب طوال الوقت.

أقرأ أيضأ :خبير: تصعيد من الجانب الإسرائيلي في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة | فيديو