يوميات الأخبار

أكتوبر الذهبى

أسامة شلش
أسامة شلش

فى يوبيله الذهبى الذى يحل هذا العام تحية لجيش العبور ورجاله الذين كسروا شوكة إسرائيل

لازالت ملحمة عبور الجيش المصرى فى أكتوبر ١٩٧٣ لم تبح بكل أسرارها، الواقع والأحداث تؤكد أن هناك من الخبايا والبطولات لم تكشف ولم ترى النور تحكى بطولة وعظمة شعب.

العبور الذى أكد خبراء العسكرية العالمية استحالته صار معجزة بكل المقاييس سبقته خطة خداع استراتيجى أكد فيها المصريون قدرتهم على التخطيط والإخفاء وتحقيق مفاجأة العدو فتحقق الانتصار.

سعدت كمصرى عاش تلك الفترة الخالدة فى تاريخ مصر شابا وماسبقها من سنوات النكسة والاستنزاف قبل لحظة بدء العمليات ظهر السادس من اكتوبر أن يتم تخصيص هذا العام ٢٠٢٣ كله بشهوره وأيامه وهو العام الذى نحتفل فيه باليوبيل الذهبى لتلك الملحمة، حقيقة لااعلم على وجة التحديد كيف ستكون الاحتفالات اليومية، أو أين ستقام؟ ولكنى هيأت نفسى وقررت حضور اى ندوة والاستماع إلى كل الحوارات المسموعة أو المرئية أو المكتوبة مع من بقى من الأبطال الذين خاضوا المعارك بالنار والدم وأن أحصل على أى تحليلات جديدة أو الرجوع إلى أى أرشيف عن الحرب لاستعادة الذكريات.

لدى بمكتبتى الخاصة مجموعة ضخمة من الكتب جمعتها على مدى كل تلك السنوات سواء التى حوت وجهة النظر المصرية أو الإسرائيلية أو حتى من كان محايدا بينها مذكرات لجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى الحرب أو موشيه ديان وزير حربها أو شارون أو ديفيد اليعازر وبينها كتاب التقصير الذى قدم نتائج التحقيقات والتى قدمتها لجنة إجرانات حول ما حدث فى الحرب وأسباب الخسائر الكبيرة فى المعدات والأفراد، الجميل أن تلك الكتب قدمتها الهيئة العامة للاستعلامات فى السبعينيات من القرن الماضى ووزعتها مجانا على الناس ولازلت أدعو إلى إعادة طبعها وما أحوجنا ونحن نحتفل باليوبيل الذهبى لذلك، تضمنت الكتب اعترافات بخط يد قادة إسرائيل كما يقول المثل، لو قراتم مذكرات مائير سترون كيف بكت وصرخت تدعو أمريكا لإنقاذ إسرائيل، ومذكرات شارون وكيف وصف معارك ثغرته الفاشلة التى طنطنت لها اسرائيل وماهو الثمن الفادح الذى دفعة .

أتمنى وأحلم أن نجد هذا العام القصة التى تمجد لحظة العبور الملحمية صحيح أن هناك أفلاما حكت عن الحرب ولكنها لم تصل لحد التعبير الصادق عن قوة المعارك أو إعجازها، أتمنى أن نطرح التسحيلات الحية التى تم تصويرها مع الأبطال الحقيقيين وكان ذلك فى الاحتفال باليوبيل الفضى لانها قصة بطولة كسر فيها الجيش المصرى نظرية الامن الاسرائيلى وحطم جيشها الذى لا يقهر.

اليوبيل الذهبى فرصة لنحكى للأجيال ماذا قدم الآباء والأجيال ولازالت كلمة الرئيس السيسى فى إحدى ندوات القوات المسلحة ترن فى اذنى وهو يقول اكتوبر كان معجزة ولكن الجيش الذى عملها مرة قادر على تحقيقها كل مرة.

عروستى الراقصة

كلنا عاش الحب الأول، ولى مع هذا الحب أو هكذا تخيلت ذكرى لازال صديقى محمد درويش مدير تحرير الأخبار حاليا يتندر بها .

كنا فى بداية عملنا كمحررين عام ١٩٧٧ فى قسم التحقيقات الصحفية وكنت قد عينت وكان درويش يتقاضى مكافأة، راتبى كان لايتعدى الـ٢٣ جنيها مرتب خريج الجامعة فى ذلك الوقت، ومكافأة درويش لا تتعدى الـ عشرة جنيهات.

كانت علاقة الحب الأول قد جمعتنى بابنة عم أحد أصدقائى وجاء عيد ميلادها وبحثت عن هدية أقدمها لها فى تلك المناسبة على قدر طاقتى، ونصحنى درويش أيام الصفاء للنزول معى لوسط البلد، شارع وراء شارع حتى استقرت أرجلنا أمام محل بشارع الشواربى وكان أشهر شارع فى القاهرة، شاهدت فى الفاترينة عروسة راقصة تلف بشكل جميل وتصدر أصواتا رائعة وكنت قد تسلمت راتبى وسألت عن السعر وكان ١٥ جنيها، ودون تردد مددت يدى لجيبى وأخرجت المبلغ وطلبت من البائع لفها فى علبة تليق بمن احب ،انصرفنا وسألت درويش مارأيك؟ ولم يعلق الا بضحكة وهو يقول عارف انا مكافأتى كام؟


تذكرت تلك الواقعة التى مر عليها أكثر من ٤٥ عاما وأنا أستمع لصديق لى يضرب كفا بكف لأن ابنه خطب إحدى الفتيات، وجاء عيد ميلادها فإذا بالابن وقد أعد عدته لشراء هدية لها، هدية حدد ألا يقل ثمنها عن ٥ آلاف جنيه وأتى ليطالب الوالد «بالمساهمة» نظر إليه الأب وهو يقول مش كتير يا ابنى؟ ليرد زماننا غير زمانكم يا بابا.

ضحكت وقلت لصديقى صحيح زماننا غير زمانهم يبدو أننا عشنا فى زمن «أبو بلاش» اللى ما يعرفوش الأبناء الآن وتذكرت عروستى أم ١٥ جنيها كم تساوى الآن؟ هل تقرب من الـ٥ آلاف جنيه؟

العملاق الذى علمنا

عاصرت زمن العمالقة فى أخبار اليوم وتعاملت مع أساتذة صنعوا مجدها وبدأوه وكبروا وكبرت معهم، عاصرت فى بداياتى أستاذى الراحل موسى صبرى الذى تمر هذه الأيام ذكرى وفاته الـ٣٢ فقد غادرنا عام ١٩٩٢، كان أستاذ الخبر الصحفى بامتياز، اختلف معه كثيرون واتفق آخرون أيضا كثيرون ولكنه كان ظاهرة صحفية فذة فى بلاط صاحبة الجلالة.

أحلى ما فى الأستاذ أنه كان صحفيا حتى النخاع، حتى ولو كنت تناصبة العداء أو عدم الحب لكنة بأستاذيته كان يقدر الخبر ويحترمه خاصة لو كان انفرادا أو فكرة للتحقيق.

كان أستاذنا الراحل أحمد علام رئيس القسم الرياضى بآخر ساعة فى زمن رئاسة العملاق الأديب رشدى صالح لها وكان ممن لا يحبون الأستاذ موسى كان اللأستاذ موسى يختلف معه فى آرائه، وذات صباح كنا نجلس فى مكتب أستاذنا عثمان لطفى سكرتير عام التحرير وكان مكتبه أمام مكتب الأستاذ موسى، كان يجلس معنا الأستاذ فاروق الشاذلى كبير المحررين العسكريين، وإذا بأحمد علام يقول للأستاذ عثمان يا أبو عفان عندى فكرة تزود توزيع آخر ساعة للضعف، نعمل ملحق رياضى يوزع معها، ورد الحاج عثمان ازاى قاله «نضرب» الأندية فى بعض ونجيب بعض أشهر اللاعبين نكتبهم فى الملحق، قام الحاج عثمان ودخل مكتب الأستاذ موسى وكان رئيس مجلس الإدارة ليعرض عليه الفكرة وبعد ربع ساعة عاد ليقول لعلام «تعالى يا واد» هكذا كان يناديه الأستاذ موسى عايزك وأسرع الأستاذ عثمان وهو يحمل مسطرته وأوراقه لمكتب الأستاذ موسى وبعد نصف ساعة خرجا بالماكيت التجريبى للملحق وحددا من سيشارك بالكتابة من اللاعبيين وكانوا هم الأشهر فى تلك الفترة فاروق جعفر وحسن شحاتة والخطيب وطاهر الشيخ مع إعداد موضوعات حراقة تلهب حماس كل الاندية. كانت آخر ساعة وقتها يصل توزيعها لـ ٩٠ ألف نسخة أسبوعيا وزاد التوزيع بعد الملحق لـ١٨٠ ألفا، كانت المجلة تباع بـ٥٠ قرشا بملحقها وكان الطلب عليها يتزايد لدرجة أن البائعين كانوا يبيعون المجلة ب٥٠ قرشا والملحق ب٥٠ قرشا أخرى.

رحم الله الأساتذة الذين تعلمنا منهم حب بعضنا البعض وحب دارنا التى نعشقها.

أم كلثوم التى لامثيل لها

لازال صوتها يدوى فى الأفق، ورغم رحيل الجسد منذ أكثر من ٤٨ عاما إلا أنها تعيش معنا حتى الآن بصوتها متربعة على مملكة الغناء العربى وستظل أم كلثوم الساحرة هى الزعيمة بروائعها الخالدة العاطفية والوطنية.

أسعدنى أن تتناول إحدى المجلات الأمريكية الشهيرة «رولنجستون» سيرة سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى اختيارات أجرتها بين عشرات النقاد العالميين المختصين بالغناء، احتلت أم كلثوم صاحبة انت عمرى وهذه ليلتى ورباعيات الخيام وطوف وشوف، المركز الـ ٦١ فى قائمة أحسن وأفضل ٢٠٠ مغنٍ ومغنية أفرزهم التاريخ، أم كلثوم احتلت تلك المرتبة كما ورد فى التقرير الذى نشرته الزميلة الاهرام باعتبارها الوحيدة فى الشرق الاوسط والمنطقة العربية كلها التى يحدث صوتها التأثير متقدمة على نجوم العالم ومن بينهم مايكل جاكسون وبوب مارلى وجورج مايكل وايمى واينهاوس.

لم يكتف التقرير بذلك ولكنة اكد ان أم كلثوم ليس لها نظير حقيقى بين المطربين العرب،وأنها عبر عقود كثيرة من عمرها مثلت روح العالم العربى وحققت بصوتها نطاقا عاطفيا مذهلا فى اغانيها وكان تاثيرها بين المطربين العرب لا يحصى فقد امتد عشقها لكل الوطن رجالا ونساءا ،وانطلق صوتها للعالمية حتى ان بيونسية استخدمت اغنية انت عمرى فى تصميمها لجولتها عام ٢٠١٦، وتضمن التقرير أن صوت أم كلثوم حشد الملايين وجمعهم.

القائمة ضمت مطربين لعصور مختلفة وهم المطربون الذين شكلوا التاريخ وصنعوا الموسيقى الشعبية للجماهير.

ما أحلى أولادك يا مصر ورحم الله سيدة الغناء التى لازالت تحيا بيننا بصوتها وإبداعاتها.