أسامة عجاج يكتب عن السباق على سوريا «توقعات بانفراجة قريبة.. اجتماعات دولية واتصالات إقليمية»

لقاء بشار الأسد مع عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات 2022
لقاء بشار الأسد مع عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات 2022

يعيش المشهد السورى حالة من التعقيد والتشابك بين ما هو أزمات داخلية وتدخلات خارجية اقليمية ودولية منذ مارس ٢٠١١ تاريخ اندلاع الانتفاضة الشعبية كآخر دولة التحقت بقطار الربيع العربى خاصة وان النظام نجح فى البقاء على الرغم من كل ما جرى مما فرض على جهات كانت معارضة للرئيس الاسد بالتعامل معه كأمر واقع ، والارقام (لا تكذب ولا تتجمل) فنتيجة المعارك والمواجهات بين المعارضة المسلحة وقوات الجيش السورى اصبح أكثر من 40% من السوريين قد أصبحوا خارج بلدهم.

فهناك قرابة ٧ ملايين لاجئ خارج سوريا واقل منهم بقليل نازح داخل البلاد وقرابة ٢ مليون نازح يعيشون فى مخيمات عشوائية او نظامية للنازحين مع انخفاض ملحوظ فى عدد العائدين الى البلاد من الخارج ووصل الرقم الى ٢٥ الف فقط حوالى ٢٤ الى مناطق خارج النظام مع تهاوى الاقتصاد الداخلي.

والفشل فى إدارة الملف الداخلى اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً واستمرار انحدار مستوى الحياة العامة للسوريين. كل هذه الكوارث المُتعمقة فى البنية السورية ففى تقرير صدر مؤخرا منذ اسابيع اشار الى قرابة ٩٠ بالمائة من السوريين تحت خط الفقر واكثر من ١٢ مليون يعانون بشكل او بآخر يعانون بشكل او بآخر من صعوبات فى تأمين الغذاء.


وإضافة إلى ذلك أنّ مناطق واسعة من الدولة السورية خارج السيطرة الرسمية لدمشق، ووجود 5 جيوش مختلفة، وعلى الصعيد الاقتصادى فان سوريا تتأثر بالضرورة من تداعيات ازمة الحرب مع اوكرانيا التى ضربت عموم الأسواق العالمية والدول، أو نتيجة تراجع قيمة المساعدات والمنح المقدمة دولياً للبرامج والمشروعات الأممية المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين المتضررين.

وفضلاً عن تراجع قيمة الحوالات الخارجية المرسلة من قبل السوريين إلى أقربائهم فى الداخل، وتحديداً تلك المرسلة من المهاجرين واللاجئين فى الدول الأوروبية. وعانت سوريا خلال العام الماضى من أزمتين خانقتين فى المشتقات النفطية، الأولى كانت خلال شهرى مارس وأبريل، والثانية فى أواخر العام.

وتبرر الحكومة تلك الأزمات بتداعيات الحصار الغربى المفروض على البلاد، وما تسبّبه من ارتفاع فى تكاليف الاستيراد وصعوبة توفير المواد والقطع الأجنبي، واستمرار احتلال القوات الأمريكية لحقول النفط والقمح فى المنطقة الشرقية.

ومع تراجع سعر العملة الوطنية مع استمرار تعمق الأزمات المعيشية لجهة الارتفاع المستمر فى أسعار السلع والخدمات، وفقدان بعضها من الأسواق المحلية.مع محدودية الانفتاح الاقتصادى العربي، الذى كان منتظراً أن تتحسّن مؤشراته فى أعقاب بعض الخطوات السياسية البارزة.


اللجنة الدستورية محلك سر
وعلى صعيد العلاقات بين الحكومة والمعارضة السورية التى تجمعهما مباحثات اللجنة الدستورية فهى تراوح مكانها منذ آخر جولة لها فى يونيه الماضى والذى تتعرض لمشاكل لوجيستية تتعلق برغبة دمشق وروسيا على تغيير مكان عقد الاجتماعات من جنيف الى أى مكان آخر بعد ان تخلت سويسرا عن حيادها وانضمت الى الاتحاد الاوروبى فى فرض العقوبات على سوريا وروسيا بعد الحرب الروسية الاكروانية.

واضافة الى صعوبة حصول الوفد الروسى على تأشيرات لدخول سويسرا اصلا بعد وبحث المبعوث الدولى الخاص الى سوريا غيربيدرسون كل هذه القضايا فى زيارته خلال الشهر الماضى الى دمشق فى محاولة لازالة تلك العقبات واستئناف المفاوضات والغريب فى الامر ان العام الماضى شهد سباقا ملحوظا على سوريا التى اصبحت محل بحث متصل واتصالات فى العديد من العواصم خاصة.

وان الجميع اصبح يتعامل مع الحكومة السورية من منظور الامر الواقع بعد ان استطاعت الصمود طوال السنوات ال ١٢ الماضية كما فشلت كافة الجهود المبذولة طوال تلك الفترة فى الوصول الى معادلة تضمن الامن والاستقرار فى البلاد بعد فشل خطط تغيير النظام ونتوقف عند بعض مظاهر هذا النشاط المحموم:


عربيا: لعل العام الماضى كان الاكثر من حيث التواصل بين عواصم عربية ودمشق آخرها منذ ايام الزيارة التى قام بها الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الامارات الى دمشق يرافقه وفد امنى واقتصادى رفيع حيث اكد من هناك دعم بلاده لوحدة سوريا وتعزيز العلاقات الثنائية من خلال التعاون على كافة الاصعدة.

وتبدو الإمارات هى أكثر الدول فى السير فى هذا الاتجاه حيث التقى رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد الرئيس بشار الاسد فى ابو ظبى فى مارس من العام الماضى وقد سبق ذلك ان افتتحت ابو ظبى سفارتها فى دمشق نهاية عام ٢٠١٨ ثم زيارة وزيرى خارجية الجزائر وعمان لدمشق وتعيين البحرين سفيراً لها فوق العادة فى دمشق. إضافة إلى تأييد عدد ليس بالقليل من الدول العربية لاستعادة سوريا مقعدها فى الجامعة العربية وحضورها القمة العربية.

إلا أن مواقف بعض الدول المفاجئة حال دون تحقيق تحول نوعى فى مسيرة العلاقات السورية ـ العربية، كان يمكن أن يصبح سمة العام الحالى وقد كان طلب سوريا سحب قضية مشاركتها فى قمة الجزائر وراء فتح الطريق امام انعقاد القمة التطوّر اللافت فى هذا السياق أيضاً.

وما تردد إعلامياً عن زيارة أجراها مدير الاستخبارات العامة السورية للرياض أخيراً، ولقائه عدداً من المسؤولين السعوديين. فى استعادة على ما يبدو لحوار كان قد بدأ عام ٢٠١٥ مع زيارة رئيس مكتب الأمن الوطنى السورى للرياض على مملوك الذى زار عواصم عربية آخرى.

وقد كانت الرسالة التى وصلت من العديد من الدول العربية عبر مدير المخابرات اللواء حسام لوقا بان عودة سوريا الى الصف العربى ومشاركتها فى عملية اعادة الاعمار مرتبط بتغيير طبيعة العلاقات مع ايران التى ترفع شعار ان أى حديث حول سوريا عربيا ينبغى ان يكون عبر طهران وليس عن دورها.


حوار سورى تركى برعاية روسية

وعلى المستوى الإقليمى والدولى نجد اننا نتحدث عن علاقات متشعبة مع ايران وتركيا على المستوى الاقليمى وروسيا على المستوى الدولى ومعها امريكا وتبدو موسكو بحكم علاقاتها مع دمشق هى المتحكمة فى علاقات الاخيرة مع انقرة وطهران خاصة.

وان الدول الثلاثة هى الضامنة لصيغة استانا التى تحولت إلى منصة لصياغة التفاهمات والاتفاقات بين البلدان الثلاث، بعد فشل محاولة الانقلاب الأميركية على رئيس تركيا رجب طيب إردوغان عام 2016، حيث نجحت موسكو فى الاونة الاخيرة فى وضع العلاقات السورية التركية على طريق التطبيع وآخر مظاهرها اللقاء الثلاثى.

والذى استضافته موسكو بين وزراء الدفاع الثلاثة والذى اظهر وفقا لبيان موسكو الطبيعة البناءة للحوار وضرورة استمراره لزيادة الاستقرار فى سوريا حيث بدأ التحضير لهذا اللقاء فى الاشهر الاخيرة فى ظل توافر ارادة سياسية لدى قادة الدول الثلاثة للسير قدما فى تطبيع العلاقات.

وكان الجانب التركى اكثر وضوحا فى ذلك المجال إذ كرّر إردوغان فى غير مناسبة سياسية، وأمام وسائل الإعلام، رغبته فى لقاء الرئيس الأسد، فيما كانت الأنباء تتحدّث عن لقاءات تجمع مسؤولى الأمن فى كلا البلدين كما تتحدث العديد من التقارير عن لقاء جمع رئيس سوريا بشار الاسد ووزير خارجية تركيا مولود اوغلو ومعهما مديرا المخابرات فى البلدين فى اللاذقية.


وقد طرحت دمشق مجموعة من المطالب قبل الدخول فى مرحلة تطبيع العلاقات بين البلدين، أولها إخراج أنقرة قواتها من الأراضى السورى وخاصةً ان أنقرة التى تهيمن على أغلب قوى المعارضة السورية، وتحتل أكثر من ٩% من مجمل الأراضى السورية.

وقد وعدت انقرة فى اجتماعات موسكو بالانسحاب منها فى اسرع وقت كما وعدت بوقف دعمها المجموعات والفصائل المسلحة ويبدو واضحا ان هناك مصلحة لتركيا فى تطبيع العلاقات من بينها محاولة غلق ملف اللاجئين السوريين فى تركيا وعددهم ٤ مليون سورى وذلك بتشجيعهم على العودة كما ان البلدان لهما مصلحة فى التعاون فى تطويق الجماعات المسلحة خارج سيطرة البلدان.

والتى لم تشملها أى اجراءات دستورية وتبقى قضية قوات سوريا الديمقراطية الكردية والتى كان لها دور فى تحرير بعض مناطقها من تنظيم داعش والتى تعتبرها تركيا جماعة ارهابية عموما فكل المؤشرات تذهب باتجاه لقاء قريب لوزراء الخارجية لفتح الطريق امام قمة ثلاثية بين قادة الدول الثلاثة.

وتتحدث بعض المصادر بان الامارات قد تستضيف لقاء وزراء الخارجية الثلاثة خلال الايام القادمة استنادا الى الاتصال الذى تم بين عبدالله بن زايد ومولد اوغلو وزيارة الاول الى دمشق.


ورغم التناقض فى المواقف بين ايران وواشنطن فان البلدين ينظران بريبة الى هذا التطور الايجابى فى العلاقات بين تركيا وسوريا وتضخم الدور الروسى السياسى خاصة مع عودة التشدد الامريكى تجاه سوريا بفرض مزيد من العقوبات على شخصيات وكيانات سورية وعرقلة أى تطبيع بين دمشق والدول العربية آخرها تعليق الخارجية على زيارة وزير خارجية الامارات ووصل الامر الى عرقلة بعض المشاريع العربية كاعادة تشغيل خط الغاز العربى.

ورغم ان الهدف منه كان توفير الطاقة للبنان ولكنه سيمر بالضرورة على سوريا وربط شركات الكهرباء بين سوريا والاردن ولبنان رغم ترحيبها به فى البداية باعتبارها خصما من النفوذ الايرانى فى سوريا وتغير الموقف كجزء من توابع الحرب فى اوكرانيا ومحاصرة أى دور دبلوماسى او سياسى لروسيا

اما مايخص ايران فهناك مصالح لها فى التقارب منها محاولة التعاون فى مجال حصار الاكراد التى تتهمهم بالمسئولية عن اندلاع الاحتجاجات فى المدن الايرانية ولكنها فى كل الاحوال تخشى ان تشهد سوريا أى تطورات لا تكون جزءا منها خاصة.

وانها تحاول تغيير التركيبة السكانية وتوطين الايرانيين فى مناطق بعينها وتقدم مطالب للحكومة السورية غير مقبولة باعتبارها هى صاحبة الفضل الاكبر فى قدرة النظام السورى على الاستمرار والبقاء.


وبعد فإن الأيام القادمة، ستشهد تطورات مهمة على صعيد الوضع السورى فى ظل كل ذلك التشابك الاقليمى والتدخلات الدولية.

اقرأ أيضًا | بعد صواريخ «زيركون» الروسية.. الحرب الأوكرانية تشعل سباق التسلح فى العالم