د. محمد محمد زيادة يكتب: كارثة CSS صديق البيئة

د. محمد محمد زيادة استشاري إدارة الأعمال
د. محمد محمد زيادة استشاري إدارة الأعمال

في الآونةِ الأخيرةِ تصدَّرَ المشهدَ البيئيَّ في مصرَ قضيَّةُ إمكانيَّةِ الاعتمادِ على ما سُمِّيَ مَجازًا بمادةِ الـ CSS  كوَقودٍ بديلٍ صديقٍ للبيئةِ في أفرانِ مصانعِ الأسمنتِ بدلًا منِ استخدامِ الفحم، دونَ أنْ يتعرَّضَ أحدٌ لِمَا قدْ يُشكِّلُهُ هذَا الأمرُ منْ خطرٍ بالغٍ على البيئةِ المِصريَّة، ففي واقعِ الأمرِ هُناكَ العديدُ مِنَ الجوانبِ البيئيةِ والاقتصاديةِ والتِّجاريةِ التي لا بُدَّ وأنْ تُؤخذَ بعينِ الاعتبار.

 فمَا هذِه المادَّةُ وهلْ هي مادةٌ صديقةٌ للبيئةِ بحقٍّ دونَ أيِّ خطرٍ قدْ تُشكِّلُهُ عليها؟

الوَقودُ البديل

الوَقودُ البديلُ هوَ أيُّ نَوْعٍ مِنَ الموادِّ التي يُمكنُ حرقُها لتوليدِ الطاقةِ واستخدامِها كوَقود، بخِلافِ الوَقودِ التقليديِّ كالوَقودِ الأُحفوريِّ بأنواعِه أوِ الموادِّ النوويَّةِ مثلَ اليورانيوم والثوريوم.

وتتعدَّدُ أنواعُ الوَقودِ البديلِ بينَ المُخلَّفاتِ الزراعيَّةِ والوَقودِ المُشتقِّ مِنَ المُخلفات "RDF"، أوِ الإطاراتِ الهالكة TDF""، أوِ الوَقودِ الثَّانوي المُستعاد "SRF".

الوَقودُ الثانويُّ المُستعاد "SRF"

الوَقودُ الثانويُّ المُستعاد "Secondary Recovered Fuel" والذي يُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ "SRF"، هو أحدُ الأنواعِ الواعدةِ للوقودِ البديلِ والذي يُمكنُ أنْ يُمثِّلَ خِيارًا عاليَ الجودةِ كبديلٍ للوَقودِ الأُحفوريِّ في العديدِ مِنَ الصناعات.

يتمُّ إنتاجُ الـ "SRF" بشكلٍ أساسيٍّ عنْ طريقِ مُعالجةِ النُّفاياتِ غيرِ الخَطرة، بِمَا في ذلكَ النُّفاياتُ التِّجاريةُ  والمُخلفاتُ البَلديةُ المختلفةُ كالورق، والكرتون، والخشب، والمَنسوجات، والبلاستيك، وكذلكَ المُخلفاتُ الصناعيةُ ومخلفاتُ الهدمِ والبِناء.

الوَقودِ الثانويِّ CSS

يُطلَقُ على الوَقودِ الثانويِّ المُستعاد "SRF"  في بعضِ البُلدانِ مثلَ إيطاليا اسم "الوَقودُ الصَّلبُ الثانوي" وبالإيطالية "Combustibile Solido Secondario" ويُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ "CSS"، وفي فرنسا يُطلَقُ عليهِ اسم "Combustibles Solides de Recuperation" ويُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ "CSR"، ولكنْ في حقيقةِ الأمرِ كلُّها مُجرَّدُ تَرْجماتٍ مُختلفةٍ للـ "SRF".

الفائدةُ المُتوقَّعةُ للاعتمادِ على "SRF/"CSS بشكلٍ عامٍّ في مِصر

يَختلفُ سعرُ الطنِّ من الـ "SRF/CSS" حسْبِ مدَى جودتِه وبلدِ المَنشأِ ولكنَّهُ في كلِّ الأحوالِ يُعتبرُ أفضلَ سعرًا إذا مَا قُورِنَ ببدائلِ الوَقودِ الأُخرى وعلى رأسِها "الفحم" الذي يتمُّ الاعتمادُ عليهِ على نِطاقٍ واسعٍ في صناعةِ الأسمنت المِصريةِ ويتمُّ استيرادُهُ مِنَ الخارج، لذا فإنَّ الـSRF" " -حتَّى عندَ استيرادِه- يُمكنُ أنْ يُساعِدَ بشكلٍ كبيرٍ في توفيرِ النقدِ الأجنبي، وتَعزيزِ الفُرصِ التنافُسيَّةِ للأسمنت المِصريِّ بالأسواقِ العالميَّة.

أمَّا مِنَ الناحيةِ البيئيَّة، فيُعتبرُ الاعتمادُ على الوَقودِ الثانويِّ المُستعادِ طَفْرةً بيئيةً تَعملُ على خفضِ البَصمةِ الكربونيَّة، فضلًا عَنِ الفائدةِ البيئيةِ المُحقَّقةِ مِنَ التخلُّصِ مِنَ المُخلَّفاتِ بإعادةِ تدويرِها لإنتاج "SRF" إذا ما تمَّ تَوطينُ صناعتِه في مصر.

المُعوِّقاتُ والفُرصُ على المُستوى المَحلي

رُبَّما يَعلمُ بعضُ المُتابعِينَ للشأنِ البيئيِّ وكذلكَ المُستثمرونَ في قطاعِ الأسمنت المِصريِّ قرارَ وزيرِ البيئةِ رَقْم (49) لسنةِ 2021 والذي ألزمَ مصانعَ الأسمنت المُستخدِمَةَ للفحمِ بإدماجِ الـ "RDF" في مَزيجِ الطاقةِ لديها، لِيُمثِّلَ بذلكَ أُولى الخُطواتِ على طريقِ التحوُّلِ بشكلٍ تدريجيٍّ إلى الوَقودِ البديل، إلَّا إنَّ القرارَ لمْ يَخْلُ منْ بعضِ المشاكلِ الفنيَّة، فلمْ يُفرِّقِ القرارُ بينَ مصانعِ الأسمنت الرَّماديِّ ومَصانعِ الأسمنت الأَبيض، حيثُ يَستحيلُ استخدامُ الـRDF" " كوَقودٍ بديلٍ في صناعةِ الأسمنت الأبيضِ لتأثيرِهِ على درجةِ نَصاعةِ المُنتَجِ النهائي، فضلًا عنْ أنَّ هذَا القرارَ لمْ يضعْ آليةً واضحةً لضمانِ تطبيقِه على أرضِ الواقع.

لذَا قدْ يَكونُ الوَقودُ الثانويُّ المُستعاد SRF/CSS"" بديلًا جيِّدًا للفحمِ كوَقودٍ بديلٍ خاصَّةً في الصناعاتِ والمَجالاتِ الأكثرِ استهلاكًا للطاقة.

ومعَ بَدءِ تَكرارِ مُصطلح "الوقودِ الثانويِّ المُستعاد" مُؤخَّرًا "SRF/CSS"، فلا شكَّ أنَّ غِيابَ الإطارِ القانونيِّ لتنظيمِ عمليةِ إنتاجِهِ واستيرادِهِ فضلًا عنْ عدمِ تبنِّي تعريفٍ صريحٍ واشتراطاتٍ واضحة، كلُّ هذَا سيُقَوِّضُ منْ إمكانيَّةِ الاعتمادِ عليهِ كوَقودٍ بديلٍ أكثرَ صداقةً للبيئة.

الجانبُ التِّجاري لـ SRF/CSS"" قدْ يَقضِي على صداقتِه للبيئة

كمَا سبقَ لذِكرِنا أنَّ استخدامَ الوَقودِ الثانويِّ المُستعادِ بمُسمِّياتِه المُختلِفة ""SRF/CSS سيُؤدِّي إلى توفيرِ العُملةِ الصعبةِ التي تُستخدَمُ حاليًّا في استيرادِ الفحم، وكذلكَ سيُساهِمُ في خَفضِ البَصمةِ الكربونيَّة، وهوَ مَا يَبدُو جيِّدًا للغَايةِ غيرَ أنَّ هُناكَ جانبًا خَفيًّا لا بُدَّ وأنْ يُوضَعَ بِتَبعاتِه في الحُسبان، حيثُ تقومُ الدُّولُ المُصدِّرةُ لهذِه المُخلَّفات (أوِ الشركاتُ المُصدرةُ لها بهذهِ الدُّول) بمَنحِ المُستورِدِينَ العديدَ مِنَ المَزايا مُقابلَ التخلُّصِ منْ هذهِ المُخلَّفات، وهوَ مَا يَعني إمكانيَّةَ اعتمادِ مُستوردي هذِه المُخلَّفات "CSS" على تلكِ المَزايا كعائدٍ اقتصاديٍّ دونَ الاهتمامِ بمَا سَيَؤولُ إليهِ مصيرُ هذهِ المُخلَّفاتِ داخلَ مصر، وإذَا مَا كانَ سيَتمُّ استخدامُها كوَقودٍ بديلٍ منْ عَدمِه، وهوَ مَا يَعني أنَّ الأمرَ قدْ يتحوَّلُ بينَ عَشيَّةٍ وضُحاها منِ استيرادِ مُخلَّفاتٍ لاستخدامِها كوَقودٍ بديلٍ صديقٍ للبيئةِ إلى استيرادِ هذِه المُخلَّفاتِ للتخلُّصِ مِنها في مِصر.

لذا يقعُ على عاتقِ الجِهاتِ المَعنيَّةِ بمِصرَ مسؤوليَّةٌ كبيرةٌ لِتَنظيمِ عمليةِ إدخالِ الـ SRF"/"CSS إلى قطاعِ الصناعةِ المِصري، ووضعُ إطارٍ واضحٍ وأهدافٌ مُستقبليَّة -قابلةٌ للقِياس- وذلكَ للتخلِّي بشكلٍ تدريجيٍّ عنِ الفحمِ وتوطينِ صناعةِ الوقودِ الثانويِّ المُستعادِ كجُزءٍ أصيلٍ منْ سِياسةِ الطاقة، فلا بُدَّ منْ قَصرِ استيرادِ هذهِ المادةِ على المصانعِ المُستخدِمةِ للفحمِ كوقودٍ بديلٍ على أنْ يُصرَّحَ فقطْ بالكميَّاتِ التي تتوافقُ معَ احتياجاتِها الفعليَّةِ وطاقتِها الإنتاجية، كمَا يجبُ أنْ تُخصَمَ هذهِ الكميَّاتُ مِنَ الحصَّةِ الخاصَّةِ بتلكَ المصانعِ منْ مزيجِ الطاقةِ المُصرَّحِ لهَا بِه، لِنَضمنَ بذلكَ أنْ يَقتصرَ استيرادُ هذهِ المادةِ على استخدامِها للغَرضِ المُستورَدةِ منْ أجلِه وهوَ استخدامُها كوَقودٍ بديلٍ للوَقودِ الأُحفوري.

هذَا وأَتمنَّى أنْ يَكونَ هذَا المَقالُ إنذارًا مُبكِّرًا للتحرُّكِ بجِديَّةٍ وصَرامةٍ واتخاذِ التدابيرِ والإجراءاتِ والقَراراتِ اللازِمَة، قبلَ أنْ تَتحوَّلَ الحُلولُ الصَّديقةُ للبِيئةِ إلى كوارثَ بيئيَّةٍ لا تُحمَدُ عُقباهَا.