كلام * السياحة

محمد البهنساوي يكتب: السياحة.. وإعدام قانون مهم !!

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

« طوق نجاة للاستثمارات السياحية قاطبة ».. هكذا أجمع خبراء السياحة ومستثمريها وجميع العاملين بها على وصف القانون رقم 8 لسنة 2022، الخاص بالتراخيص السياحية، وكم كان الترحيب الشديد بالقانون لأنه المنقذ وطوق نجاة نادى به القطاع السياحي لعقود طويلة.. وبفضل الدعم الرئاسي والمساندة الحكومية غير المسبوقة للسياحة صدر القانون.. ولم يكن صدوره عشوائيا . وإنما جاء بناء على دراسات وتقارير وبعد أخذ رأي القطاع السياحي بأكمله.. وصدر القانون يوم 6 مارس العام الماضي ليعد هذا اليوم وبحق عيدا للسياحة.. «صناعة الأمل». 

وحتى لا نسهب في أسباب الترحيب بهذا القانون، نرصد بإيجاز النقلة النوعية للمقصد السياحي المصري التي تبدأ بهذا القانون، فقد أنهى عصر العشوائية في إصدار الترخيص ووحدها تحت مظلة وزارة السياحة والآثار المسئولة عن هذا القطاع.. كما نظم بشكل حضاري وعلمي عمليات التفتيش على المنشآت الفندقية والسياحية.. تفتيش عميق وقوي لا يفرط في حقوق الدولة واشتراطاتها لعمل تلك المنشآت.. وفي نفس الوقت يقضي على آفة ظلت لعقود بأن يتم التفتيش بـ«المزاج».. «مزاج» كل جهة تفتش.. وكذلك مزاج القائم بالتفتيش، والذي كان يفتش كما قلنا بمزاجه ويصدر القرارات والتقارير على مزاجه أيضا، وعلى المتضرر أن «يخبط رأسه في أقرب حيط» !! 

كما أن القانون أنهى عصر التستر وراء لافتة المحليات لمشروعات سياحية بالفعل لجأت لحمل تراخيص المحليات هربا أولاً من الوفاء بحقوق الدولة.. وثانيًا من الاشتراطات المشددة التي وضعتها وزارة السياحة والآثار الترخيص للمنشآت.. ليحقق وحدة الشروط وكذلك الحقوق والواجبات لكل من يقدم خدمة سياحية، وهذا كان أملاً صعب المنال في السابق، لتصبح هناك جهة واحدة هى الوزارة المسؤولة عن القطاع لإنهاء التراخيص، وكذلك التفتيش من خلالها بالتنسيق معها، وكذلك توحيد جهات وآليات التظلم والعقاب والمحاسبة، كما اشترط القانون موافقة الوزارة المختصة بالقطاع قبل فرض أية رسوم أو إصدار أية قرارات من أي جهة تتعلق بالنشاط السياحي.

وماذا بعد؟!! 

إلى هنا والكلام ولا أروع عن أهمية القانون وتأثيره الإيجابي على صناعة السياحة.. لكن.. وألف آه من كلمة لكن.. وكما يقول المثل «يا فرحة ما تمت».. فرغم مرور ما يقرب من عام على صدور القانون وحتى الآن لا أحد يعلم أين ذهب أو بصريح العبارة: أين اختفى القانون.. وهل تعلم الدولة عن عملية الاختفاء أو الإخفاء تلك؟.. وهل ستسكت عليها.. يقيني أن الدولة لن تصمت على وأد إنجاز قوي حققته.. ولن تسمح بتفريغ هذا الإنجاز من مضمونه.. فالحكاية باختصار أن القانون نص عند نشره بالجريدة الرسمية وتحديدا يوم 6 مارس 2022، على أن يتم إصدار لائحته التنفيذية خلال 6 أشهر.. وكما هو معروف فاللائحة التنفيذية هى روح القانون وبدونها يصبح القانون والعدم سواء كما لو كنا حكمنا بإعدامه.. فها هو عام تقريبا يمضي وليس 6 أشهر والقانون دخل دهاليز وضع لائحته التنفيذية دون بارقة أمل في صدور قريب لها.

وهناك ما هو أخطر من التأخير في صدور اللائحة التنفيذية.. فقد علمنا أن مجلس الوزراء أرسل القانون ومقترح اللائحة التنفيذية إلى كافة الوزارات المختصة لوضع تصوراتها وتعليقاتها على اللائحة التنفيذية.. وهنا مدخل الشيطان الذي يتسلل من التفاصيل.. فكما نعلم جميعا أن اللائحة التنفيذية لأي قانون أهم من القانون نفسه.. فهي التي تحدد هل سيسير هذا القانون لما هو مخطط له أو يسير عكس الاتجاه فتكون سلبياته أشد خطراً.. لا أحد على الإطلاق يرفض أن تقول كل جهة رأيها وتعليقها علي دورها باللائحة التنفيذية.. لكن لندرك أن الوزير المختص في كل جهة لن يقوم بنفسه أبداً بوضع تلك التعليقات وإنما يختص بها مسئولو وزارته والذين كانوا في السابق مطلقوا اليد في تعاملهم بالاشتراطات والترخيص والتفتيش على القطاع السياحي.. ومن أجل سلبيات هذا الوضع تم وضع القانون.. فهل من المتصور أن يقوم كل هؤلاء المسئولين بالتفريط هكذا في كل مكاسب كانوا يرونها صلاحيات ومزايا لهم من أجل عيون السياحة - رغم أن الحقيقة أنه من أجل عيون مصر - فلابد من يد قوية تمنع أي هجمة مرتدة على القانون المهم وتفريغه من مضمونه.

وحتى نعلم أهمية ما سبق وأشرت إليه، نتوقف عند نقاط مهمة، أولها أن اللائحة التنفيذية يرتبط بها تحديد الرسوم لكل جهة - واخدين بالكم !! - وكذلك آليات التفتيش وشكل الاشتراطات المطلوبة وعقوبات المخالفات، كما يرتبط بها وضع خريطة تطوير القطاع السياحي وتفعيل الأمانة العامة واللجنة الدائمة ودورهما مهم للغاية وكله متوقف ومعطل، حتى تشكيل اللجنة الوزارية السياحية «محلك سر» انتظارا لتلك اللائحة والتي تختص بإزالة العقبات أمام تطوير المقاصد السياحية.

أدرك تماما مدى اهتمام الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بقطاع السياحة تنفيذا للرؤية العامة للدولة.. وأعلم ما يقدمه رئيس الوزراء من دعم ومساندة للقطاع ولن ننسى جملته الشهيرة في شرم الشيخ للمستثمرين السياحيين «اطلبوا لبن العصفور هنجيه علشان تنجحوا».. الآن يا دولة رئيس الوزراء القطاع لا يطلب لبن العصفور.. يناشدكم فقط سرعة التدخل أولا للإسراع بتفعيل القانون المنقذ وإصدار لائحته التنفيذية، وثانيا تدخل سيادتكم أيضا حتى لا يتم تفريغ القانون من مضمونه ونصبح كما يقول المثل «ياريتك يا أبوزيد ما غزيت».. وكلنا ثقة في التدخل الفوري لتحقيق هدف وأمل الحكومة من هذا القانون المهم والمنقذ.