حكايات «درب السيل» فى سانت كاترين

أحد مخرات السيول فى جنوب سيناء
أحد مخرات السيول فى جنوب سيناء

تتصف طبيعة الأمطار التي تتعرض لها مصر بالأمطار الومضية، التي يُمكن أن تأتي بكميات كبيرة في فترات محدودة للغاية، وتعد شبه جزيرة سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر من أكثر المناطق المُعرضة للسيول، بسبب طبيعتها الجغرافية التي تمتد بين الجبال والوديان، وتأتي على رأسها منطقة سانت كاترين التي تقع على ارتفاع 1600 متر من سطح البحر.
ويُجدد موسم الشتاء ذكريات سكان المنطقة مع السيول ،
رغم التغير المناخي وآثاره على حوادث الطقس المتطرف يحفظ البدو عن ظهر قلب طبيعة البيئة التي يعيشون بها، يتنبّئون بالأمطار قبل هطولها ولا يُخطئون معرفة مسارات السيول التي يُسمونها «درب السيل»، كما يُخبرنا أحمد صالح خبير النباتات الطبية بسانت كاترين، موضحًا أن المنطقة تضم عددًا كبيرًا من الوديان النشطة التي تشهد جريان السيول، من بينها وادي الأربعين ووديان الطرفة وفيران.

اقرأ أيضا| الحكومة توافق على قواعد وشروط تملك واضعي اليد على أراضِ بسيناء لمدة عام

يتابع: يزيد ارتفاع جبل كاترين عن 2500 متر من سطح البحر، ما يزيد من حدة السيول التي نشهدها حال هطول الأمطار بكميات كبيرة، والتي تتخذ مساراتها بالوديان حتى تصل إلى أبو رديس وتنتهي إلى البحر الأحمر، نحن لا نبني بيوتنا بمخرات السيول فغالبًا ما تكون في مناطق مرتفعة، إلا أن السيول تؤثر في الطرق والبنية التحتية والزراعات بشكل كبير، كثير من مزارع البرتقال والزيتون والسدر تأثرت في سنواتٍ سابقة، وهذا ما حدّته بشكل ملحوظ سدود الحماية التي تشيدها الدولة، من بينها السدود الركامية التي أُقيمت لحماية وادي فيران ووديان سهب وغيرها، والتي ساهمت في استفادتنا من حصاد مياه الأمطار وتغذية الخزانات الجوفية لاستخدامها في الزراعة واستخداماتنا اليومية.

موسم النباتات العطرية

ويوضح أحمد صالح، الذي ينتمي لقبيلة الجبالية أن غالبية البدو هنا يعتمدون في دخلهم على السياحة، سواء في تنظيم الرحلات أو مرافقة الأفواج السياحية وبيع المنتجات المحلية المختلفة، فالتنوع البيولوجي النباتي بسانت كاترين يعتمد بشكل كبير على الأمطار، أغلب النباتات الطبية والعطرية تُعد من النباتات البرية التي اعتمد عليها أجدادنا منذ القِدم، والتي تنتعش بشكل كبير في مواسم الأمطار بينما تخف خلال فترات الجفاف، كما أن البدو الذين يعملون في الرعي يعتمدون أيضًا على النباتات الحولية في الوديان والجبال. لدينا ثراء هائل في هذه النباتات التي تصل إلى 472 نوعًا من بينها 42 نوعا مُهددا بالانقراض.

الوديان تجذب السياحة

فيما لا يرى صالح عوض مكانًا على وجه الأرض أجمل من كاترين، بكل ما تحمله هذه المنطقة من قداسةٍ وجمال، لتبدو بكامل حُلّتها بعد سقوط الأمطار وخلال مواسم الثلوج. صالح الذي يعمل كدليل بدوي يُرافق الأفواج السياحية، يكرّس غالبية وقته لتوثيق وتصوير الطبيعة الخلابة للمنطقة، والترويج لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. يصف مواسم الأمطار بالخير الذي يعمّ على السكان، حيث تتحوّل الوديان إلى مناطق جذب سياحي مُحببة للزوار.

فتُشكّل السيول بحيرات جبلية بفعل الصخور التي تحتجزها المياه، أو أعمال الحماية الممثلة في السدود والبحيرات الصناعية كما يصف، فضلاً عن البرك والشلالات الطبيعية التي تنتج عن اختلاف وتباين ارتفاعات الصخور والتربة. هناك العديد من المواقع الساحرة من بينها وادي التلعة ووادي الأربعين التي تجذب محبي الهايكينج. إلا أنني أحرص على متابعة الأحوال الجوية باستمرار للحفاظ على سلامة الزوار، فعند هطول الأمطار نكون في مناطق آمنة بعيدة عن مجرى السيول.

بئر فى المنزل

وفي واحدٍ من أكثر الوديان نشاطًا في استقبال السيول يعيش نصّار موسى، الذي ينتمي لقبيلة القرارشة، ويعملُ ضمن حراس محمية سانت كاترين كونه من السكان المحليين أصحاب الدراية بالمنطقة. حيث يُعد وادي فيران من مصبات السيول التي تبدأ من كاترين وتسيل في الوديان المختلفة لتصل إليه. إلا أن الوادي الذي كان يضمّ واحةً للنخيل مرّ بسنواتٍ عجاف أدّت إلى جفافها، مع قلة المياه والضغط الكثيف على الآبار الجوفية واستنزافها، قبل تنمية عملية حصاد مياه الأمطار التي أعادت المياه إلى الآبار كما يقول نصّار، متابعًا: تناقصت المياه تدريجيًا على مدار 10 سنوات، حتى انعدمت تمامًا في الآبار، بينما كانت السيول تُدمر الطرق ولا نستفيد من مياهها، إلا أن السدود التي أُقيمت هنا امتلأت على إثرها الآبار خلال العامين الماضيين، لديّ بئر في ساحة منزلي عمقه 60 مترًا أستخدمه للزراعة ولتأمين احتياجاتنا من الشرب.