طاهر قابيل يكتب: حلم الثراء السريع والحضارة الصينية

طاهر قابيل
طاهر قابيل

«أصبح البحث عن الآثار حلما يراود الكثيرين ويسيطرعلى تفكيرهم ويعتقدون أن فيه النجاة من شبح الفقر للثراء السريع غيرمهتمين بأنه عدوان  على تاريخنا الذى يقف أمامه العالم مندهشا ومحترما لجدودنا»

منذ أيام جاءنى اتصال تليفونى أكثر من مرة ..  أخيرا استجبت له وذلك لأنى لا أرد على أى أرقام لست احتفظ بها بعد أن شاهدت اسمه على «الترو كولر» .. أخذ محدثى على الطرف الآخر يتكلم معى باحترام وأدب مؤكدا أنه يتصل بى لأنه يعرفنى بأنى شخص محترم وذو خلق  وأنه يعرفنى من سائق اشتغل معى وقال لى على اسمه .. اعتقدت أنه أحد السائقين بالأخبار رافقنى فى إحدى المهام أو قام بتوصيلى فى مهمة أو إلى منزلى .. لم أتعب مخى للتفكير كثيرا وبطيب خاطر سألته ماذا يريد وما الخدمة التى يطلبها منى وإن كنت أستطيع فعلها .. فقال لى  إنه فلاح من «بنى سويف» أو «المنيا» وأنه أثناء حفره بالأرض عثر على كنز من  القطع الأثرية من الذهب الخالص ويقدر ثمنها بما يزيد عن مليونى جنيه ويريد منى خدمة بأن أساعده فى بيعها والحصول على النصيب الأكبر من البيع .. وفوجئ محدثى برفضى.. فاستمر فى إغرائى بالملايين وقال لى حد بيرفض ثروة .. واستمر فى الإلحاح مصورا لى مدى ما سأصل إليه إن وافقته وشاركته فى بيعها .. ورغم فشله فى إغرائى لم يسكت إلا عندما أغلقت الخط فى وجهه .. وجلست أفكر فيما قاله وأتذكر فى الماضى أنه جاءنى اتصال وتحدث لى الطرف الآخر بالعثور على آثار ويبغى مشاركتى فى بيعها .. تساءلت كيف حصل محدثى الجديد على اسمى  ومن قال له على ذلك وبعد فشلى فى الوصول لمن أخبره تذكرت ال»ترو كولر « وظهور اسم محدثى أمامى .. وأن النصابين يستفيدون من تلك التكنولوجيا الحديثة لمعرفة صاحب أى رقم تليفون والحديث معه على أننا معرفة قديمة آه بيننا وسيط يعرفنى وذلك حتى يتمكن من نصب شباكه وإقناعى «بالنصباية» بالإغراء وتحقيق المكسب السريع.

الخناجر المسمومة
على مدى السنوات الماضية كُثر النصابون الذين يوهمون البسطاء والسذج بالتنقيب عن الآثار والحصول على ثروات بالملايين ..فهؤلاء «خناجر مسمومة» فى جسد حضارتنا بعد أن أصبح البحث عن الآثار حلما يراود الكثيرين ويسيطر على تفكيرهم ويعتقدون أن فيه النجاة من شبح الفقر للثراء السريع غير مهتمين بأن هذا عدوان على تاريخنا الذى يقف أمامه العالم مندهشا ومحترمًا لجدودنا المصريين القدماء.. فما نملكه لا يُقدر بثمن فالآثار ملك للدولة وإرث للبشرية وسرقتها وتجارتها حرام شرعاً ومن يفعل ذلك آثم لدينه ووطنه.

يلهث البعض خلف الأوهام بالتنقيب بحثًا عن «الكنز المزعوم» ويتركز نشاطهم وجريمتهم  فى محافظات الصعيد بأسيوط والمنيا وبنى سويف والأقصر وقنا وسوهاج وكلها محافظات كانت تحتضن تاريخنا وآثارنا.. وأيضا فى «القاهرة والجيزة» بمناطق «الجمالية وحلوان والمطرية وعين شمس ومصر القديمة والخليفة والمقطم والزيتون والمرج والبدرشين والصف».. وبالإسكندرية والشرقية والدقهلية والسويس والمنوفية .

منذ أيام كنت أجلس بأحد  المقاهى وسمعت حديثا بين اثنين .. يقول أحدهما إلى الآخر إنه اكتشف أسفل منزله بإحدى قرى الوجه البحرى «كنزا أثريا» .. وأن جيرانه الذين كانوا لا يملكون شيئا  حولوا بيتهم الفقير الى عمارة مرتفعة وأن سبب ذلك عثورهم على آثار أسفل منزلهم.. ويتفق الاثنان على الذهاب وشراء أدوات التنقيب ويأخذان بالحفر مع بعض الأصدقاء ليفاجأوا بالمياه الجوفية تنطلق من الأرض يحاولون شفطها بماكينة وشراء ملابس للغطس وتستمر المياه فى التدفق كلما وصلوا إلى عمق أكبر  ولأنه سمع من أقاربه وجيرانه أن جده  كان يقول لهم إن أسفل منزله كنزا يحرسه الجان واستخراجه يحتاج دجالا سفليا.. ويستكمل الشاب الحفر فى وجود الدجال وتستمر الأيام ولا يجد الكنز بعد أن صرف أكثر من ربع مليون  جنيه ..ومن  قصص البحث غير الشرعى  التى سمعت عنها وغالبا ما يسقط هؤلاء الأفراد وهذه العصابات فى يد الشرطة ..فقد استطاع «سويفى» بمعاونة عاطل  استخراج بعض القطع الأثرية من أسفل منزله وتم القبض عليهما قبل بيعها لأحد التجار وكانت عبارة عن 4 أوانٍ من البازلت الأسود لأحشاء الموتى وتابوت من الحجر الجيرى المذهب والملون ورأس تماثيل لسيدة وأحد الملوك وحيوان  .. وتذكر شاب «أقصرى» أن أحد الشيوخ جاء لوالده يعرض عليه الحفر أسفل منزله اعتقاداً منه بوجود آثار .. فقام بإبلاغ أصدقائه ليشاركوه فى العثور على الكنز  وبعد أسابيع من الحفر بدأ يظهر لهم تمثال كبير لونه ذهبى فبدأت عيونهم تلمع من شدة جماله  حاول الشاب التوقف والاكتفاء بالثروة التى حصل عليها ولكن الدجال رفض ووسوس لهما الشيطان باستكمال الحفر للفوز بباقى الكنوز وتلقى الشرطة القبض على الشابين السويفى والأقصرى ومن عاونهما  .. وفى البدرشين همس الشيطان وصديق أحد الشباب بأن يبحثا عن الآثار أسفل منزله فاستعان بآخرين للحفر مستعينا بأحد الدجالين الذى أوهمهم بوجود الكنز كما قام مزارع بالعياط بالتنقيب فى أحد المنازل وعثر على تابوت وبعض القطع الأثرية وساعده أشقاؤه الثلاثة  وتم ضبط جميع المتهمين وبحوزتهم الآثار التى عثروا عليها بطريقة غير شرعية كما كشف انهيار منزل قديم ووجود شخصين أسفل أنقاضه عن بحث غير شرعى عن الآثار و حادث انقلاب سيارة عن أحد تجار تهريب الآثار وثرواتنا الى الخارج عن طريق الوسطاء عديمى الضمير فى الموانئ.

صحيفة الشعب
منذ أن تضع قدميك فى إحدى المقاطعات بالصين يأخذك مضيفك الى أحد «الأماكن التاريخية» الصينية مع شرح تفصيلى لهذه الثروة ولا يتركك إلا بعد أن تذهب منك الدهشة والإعجاب وتبدأ فى تدوين المعلومات ..وفى إحدى مهامى الصحفية بدعوة من  صحيفة «الشعب الصينية» ذات الانتشار الأوسع الذى يصل الى 3 ملايين نسخة يوميا بالإضافة الى مواقعها الالكترونية باللغات الصينية والإنجليزية والعربية والمجهزة لبث القنوات التليفزيونية ومركز للمعلومات وقياس الرأى مزود بأحدث الوسائل التكنولوجية.

وجريدة الشعب إحدى المؤسسات الإعلامية التى تحرص على مدى سنوات علي دعوة رؤساء ومديرى التحرير بالصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإخبارية والقنوات التليفزيونية لحضور مؤتمر «الحزام والطريق» تحت رعاية الرئيس الصينى «شى جين بينج» بمشاركة فعالة من «حزب الشعب الصينى» ..زرت «سور الصين العظيم « إحدى عجائب الدنيا و»المدينة المحرمة» و»المتاحف والحدائق التاريخية» التى تحكى حكايات الإمبراطورية الصينية على مدى آلاف السنين ..مع تقديم ما وصل اليه «المارد الأصفر « من تقدم   وحضارة وتنمية صناعية وتجارية واجتماعية يلمسها الزائر ويعيشها المواطنون.. وفى إحدى الزيارات نظم لى زيارة لحديقة تضم «أحجارا» من بركان ضرب المقاطعة منذ عشرات السنين وأخذونى إلى مكان للحفر بحثا عن الآثار الصينية غطوها بألواح من الزجاج ترى اسفله كل شىء  وبجوارها الآثار المكُتشفة والمسُتخرجة من المكان ..وأشعر خلال جولتى أنا وكل الزائرين بأننا شاركنا فى عمليات الاكتشاف  والحفر واستخراج الكنوز الأثرية .

خلال مشاركتى بالمؤتمر قاموا بتنظيم زيارات للموانئ ومحطات القطارات «السريعة» التى تنطلق منها كالطلقة ورؤية التقدم فى نقل البضائع من «شرق آسيا» الى  «أوربا وآسيا وأفريقيا» مرورا بالبحر الأحمر ومن كنزنا التاريخى وشريان الحياة «قناة السويس».. فالصين «قارة فى شكل دولة» يسكنها مليار و400 مليون مواطن وتملك حضارة وتاريخا وتقدما إنسانيا وصناعيا وتكنولوجيا تحافظ  عليه وتعتز بآثارها وتاريخها الذى تقدمه لطلابها فى مدارسها وجامعاتها.

سرايا الجبلاية
هى  إحدى المحافظات الثلاث التى تجمع «القاهرة الكبرى».. عاصمتها مدينة بنها التى يعود تاريخها الى الملك «سنفرو» والد «الملك خوفو» وكان اسمها «اتريب» التى اختفت تحت الزراعات والمبانى ولم يتبق منها سوى أجزاء قليلة ترتفع عن الأرض على شكل «تلال» بها حمامات أثرية بُنيت بالطوب الأحمر المكسو بطبقات من «الجير والرمل والحمرة» وتضم حجرات لتسخين المياه .. كما عُثر فى محافظة القليوبية على «تابوت» المشرف على الحريم الملكى من الحجر الجيرى وكشفت الحفائر عن جبانة لليهود بعرب العليقات عبارة عن صخرة منحوتة استمر استعمالها خلال العصرين اليونانى والرومانى ..وبالمحافظة «قناطر وكوبرى محمد علي» وبقايا معبد لرمسيس الثانى وحصن  للهكسوس .. و»حجر  من  الجرانيت» كانت النساء والفتيات يستخدمنه للتبارك والاستحمام فوقه للإنجاب والزواج  وهناك ايضا مقبرة «تاخوتى» زوجة الملك «بسمتيك الثانى» .. وقد بنى  محمد على باشا قصرا فى شبرا الخيمة استمر بناؤه 13 عاما وهو عبارة عن مساحة مستطيلة من طابق واحد جمع فى عمارته وفنونه بين العالمين «الغربى والإسلامى» ويعتمد فى جوهره على الحديقة الشاسعة المحاطة بسور ضخم وبها عدة مبان كل منها يحمل صفات معمارية خاصة..

وبه حوض ماء كبير مبطن بالرخام تتوسطه «نافورة» محمولة على تماثيل لتماسيح يخرج الماء من أفواهها‏ وبعد بداية انشائه بسنوات أضيفت إلى حديقته «سرايا الجبلاية» وتم استدعاء للرسوم والزخارف فنانين من «فرنسا وإيطاليا واليونان».. و من الروائع بقصر محمد على باشا  «برج الساقية» الذى بُنى على ارتفاع كبير ليحقق بفارق المنسوب قوة اندفاع لمياه النيل بما يكفى لتشغيل «نافورة الفسقية» ويتم سحبها عبر نفق ليصب بعد مروره بالساقية فى 4 أحواض يتم تنقيتها لتخرج مرة أخرى عبر قنوات للرى.. وبالمحافظة آثارمصرية وتشتهر بالصناعات الحرفية كالسجاد اليدوى والغزل والنسيج والجريد.. وأدعو لإقامة متحف يجمع الآثار المكدسة بالمخازن ويسجل تاريخها للأجيال القادمة.