دروس من عام مضي وتطلعات عام قادم

مهند عدلي
مهند عدلي

مهند عدلي

مع بداية عام جديد نأمله سعيداً .. ونرجوه مديداً .. خاصة أنه يأتي كختام لعام ثقيل بأحداثه و اكثر ثقلا بتداعياته ... من الحرب الروسية الاوكرانية والارتفاعات المستمرة في اسعار الطاقة الى ازمات الغذاء عالميا ... ومع سياسات التشدد النقدي برفع أسعار الفائدة من البنك الفيدرالي الامريكي وما استتبع كل ذلك من اثار ومردودات شديدة التأثير سلبا علي اقتصاديات الدول النامية بل وحتي الاقتصاديات الاوربية العريقة وان كانت الأخيرة بحكم ثرائها وموائماتها المالية اكثر قدرة علي التحمل والتفاعل الايجابي مع تداعيات الازمة خاصة في قطاع الطاقة باعتباره الملف الاكثر سخونة بالنسبة لها.
مع هذه الخارطة غير السعيدة يودع البعض عام 2022 غير مأسوف عليه مع آمال و تشاؤمات من عام جديد علي الابواب يحمل الكثير من الشكوك و القليل من التفاؤل. 
وبصراحة فأنا من المتهمين دائما بالتفاؤل ربما يرجع ذلك في جزء منه لطبيعة الامور بان كل ازمة لابد لها من حل في النهاية وجزء اخر يرجع لقراءة الواقع بعين مختلفة بعيدا عن التقليل او التهويل.
ومن هذه النظرة فإن عام ٢٠٢٣ من المتوقع ان يشهد نهاية للحرب الروسية الاوكرانية سواء باتفاق صريح او ضمني وهو ما يعني انتهاء الاسباب الرئيسية لازمة الطاقة والغذاء، وصولاً إلي وقف مغذيات اسباب الازمة الرئيسية بما يجعل التعافي ممكن .. وان كانت سرعة خطوات التعافي سوف تعتمد علي مجريات اخري انتجتها تداعيات الحرب ومنها موقف سياسات العقوبات وحدودها وهي تنتهي بنهاية الحرب ام انها ستظل ممتدة لفترات تالية ..؟! وموقف استراتيجية تصدير الحبوب الروسية والاوكرانية في مرحلة ما بعد الحرب ... فهذه الخطوات التالية لها اثار اشد علي الاقتصاد العالمي وبالتالي علي السياسات المحتملة للفيدرالي الامريكي خاصة وانه قد اعلن صراحة ان كل الاحتمالات مفتوحة وقائمة.
 اما علي المستوي الداخلي فقد افرز العام الماضي ثلاثة دروس اقتصادية قاسية كل منها ذات وجهين الاول ان الاستثمارات الساخنة لا يمكن الاعتماد عليها لبناء تنمية حقيقة وفي المقابل لابديل عن الاستثمار الجاد المستدام محليا واقيميا واجنبيا ... والثاني ان الطاقة هي مستقبل القوة الاقتصادية مما يؤكد علي سلامة توجه الدولة نحو توسيع استثمارات التنقيب والتنمية لحقول غاز شرق المتوسط واكتشافات البترول في صحاري مصر و مياهها الاقتصادية اما الثالث فهو الامن الغذائي ... فتوقف امدادات الحبوب اثناء الحرب الروسية والاوكرانية واتباع كبري الدول المنتجة للحبوب و المحاصيل الزراعية و المنتجات الغذائية للسياسات الاحترازية سواء بالحظر الكامل او الجزئي لصادراتها الغذائية هو من الدروس شديدة الاهمية التي تستلزم تبني استراتيجية غذائية اعتمادية خلال السنوات القادمة.
و يأتي قبل و بعد هذه الدروس الثلاثة الدرس الأهم و هو أن تأثرنا الشديد بالأزمات العالمية علي غرار كورونا ثم أزمة اللوجيستيات و الطاقة و مؤخراً الأزمة الروسية الأوكرانية سيظل شبح يهدد اقتصادنا طالما كانت فاتورة الاستيراد أعلي من عوائد التصدير فتحقيق التوازن – كحد أدني – وصولاً لرفع معدلات التصدير بالقدر الكافي يجب أن يكون هو الهدف الاستراتيجي علي المدي المتوسط و البعيد و من المفهوم أن تحقيق هذا الهدف يرتبط بمدي الاستفادة من نتائج الدروس الثلاثة السابقة عبر توسيع قاعدة الاستثمار المباشر صناعياً و زراعياً و لوجيستياً بما يحقق وفورات في السلع و المنتجات و الخدمات ذات القابلية للتصدير بما يحمي من تأثير صدمات الأزمة العالمية و الإقليمية و يضعها دائما في الحد الأدني الذي يمكن السيطرة عليها. 
وما بين دروس عام مضي وتطلعات عام قادم ... كل عام وانتم بخير.