كلمات عابرة

مَن أزعج الساكنَ فى أضلعى؟!

حمدى حامد
حمدى حامد

خمسون عامًا لم يخذلنى ذاك الساكن فى أضلعى.. كم استنفرته فى ممارسة رياضة، أو عمل شاق، أو حتى فى تحمُّل بلاء، فكان على قدر المسئولية! تتسارع دقاته لتتجاوب مع المهمة المطلوبة وسرعان ما تعود لوتيرتها الهادئة.. وبدورى لم أقابل وفاءه بالجحود، لم أحمِّله ما لا يطيق، فلم أكن يومًا مدخنًا ولا شرهًا ولا من ذوى السمنة، أحرص على تناول الأطعمة الصحية وأبتعد عن السمين والكوليسترول، ورغم تلك الإجراءات «الاحترازية» فإنَّ إرادة الله فوق كل إرادة.. فقد خذلنى القلب الوفى بعد عِشرة طويلة، ولعل له عذرًا.. داهمته جلطة لم ينتبه لها طبيب العيادة فى جهة العمل رغم وضوحها فى رسم القلب، فتضاعفت آلامه فى صمت إلى حد لم يعد بالإمكان تحمله.. وانتهى الأمر بضرورة عمل قسطرة وتركيب دعامات..

 داخل غرفة تعج بالأجهزة وأصواتها التى لا تكُف عن الطنين وشاشاتها ذات المؤشرات الصاعدة والنازلة كان الطبيب البارع جورج خلف جندى وفريقه الطبى والفنى والتمريضى بمستشفى الشفاء كخلية النحل كلٌّ يؤدى دورًا محددًا.. د.فؤاد الوصابى، د.عبد العليم، د.شادى، د.أحمد، د.محمود.. لا تسعفنى الذاكرة بالأسماء لكن الوجوه لا تفارقها.. العمل يجرى بدقة متناهية وبراعة تنبئ أن مهنة الطب فى بلادى مازالت بخير وأن (الطبيب الإنسان) كائن لم ينقرض.. فمازالت مصر ولَّادة، وهناك مئات النُسخ من مجدى يعقوب وإن اختلفت الأسماء والأعمار.. فوجئ الساكن فى أضلعى بمن يتسلل داخل شرايينه كحية تسعى، وهو الذى ظلَّ ينعم بسلام لم يعكره زائر أو متطفل من قبل.. خراطيم وأسلاك وصبغات وتصوير وشاشات.. ما يشبه «السلك» يعسعس داخل طُرقاته كلِصّ يبحث عن غنيمة.. تفريعات كجذور الأشجار تظهر على الشاشة المجاورة فيتعامل معها الأطباء فى الحال.. كان واهنًا.. مستسلمًا.. يتساءل: يا إلهي! مَن الذى تجرأ واقتحم خلوتى وأزعجنى؟! هل قصَّرت فى شىء؟! وما هؤلاء الضيوف الذين استقروا فى شرايينى بلا استئذان وأخذوا مواقعهم لإقامة طويلة؟! طمأنته بأنها «دعامات صديقة» تساعد على تدفق الدم وإصلاح ما أفسده الدهر، وأن هذا فى صالحه وصالحى.. ووعدته بأن أظل على العهد معه - كما كنت - حتى يقضى الله أمرًا.. حينها سكن راضيًا، فوجدتنى أردد كلمات شاعر الأطلال إبراهيم ناجى: رفرف القلب بجنبى كالذبيح ... وأنا أهتف يا قلب اتئِدْ.. شكرًا د.جورج وفريقه الرائع.. وشكرًا لكل يد تزرع الأمل وتقلع الألم..