يوميات الأخبار

‏حياتى وحياتك

نزار السيسى
نزار السيسى

إن المرء يشعر بكل شيء فى أعماقه يشعر بمن توقف عن حبه ويشعر أيضًا بمن ينتظر منه كلمة

بعض المقولات القديمة التى نقرأها أو تمرّ أمامنا صدفةً أو بعد بحث تغيّر فينا الكثير فى هذه الحياة!

أغلب ما جاء فى تلك المقولات كان عبارة عن نزفٍ وحكمة ووعيٍ وإدراك بعد جولات وصولات من التجارب والمواقف والأحداث..‏هى خلاصة اختمار عمر كامل، وأيامٍ متقلّبات بكلّ ما فيها من مشاهد وأمور مختلفة!

قد لا تتشابه حيواتنا، وقد لا تتشابه أيامنا، ولكنّ الدهر كفيل بجعلنا حكماء فى بعض مراحل هذه الدنيا، ولكى نعين الآتين بعدنا على عدم الوقوع فيما وقعنا فيه!
‏قيل قديمًا:»ما كلُّ ما يُعرفُ يُقال، وما كلُّ ما يُقال حَضُر أهله، وما كلُّ ما حضُرَ أهلهُ حان وقته»..‏

علّمتنى هذه المقولة أن الكلام له شروط، ويحتاج إلى ذكاء المتحدث والمتكلم،وأننا حتى لو شعرنا بطاقة على الحديث والشكاية والتعبير والتفريغ عما يختلج الذات الإنسانية من شعور وأحاسيس وتخبّطات،إلا أننا يجب أن نحسب ألف حساب،وأن نفكّر ألف مرة قبل أن نندم فى اللحظة التى لا ينفع فيها الندم!

‏يقول دوستويفسكي» إن هناك أشياء نقولها لجميع الناس، وأشياء نقولها لبعض الناس، وأشياء لا نقولها لأحد»..

نعم تمامًا..! الأمر كذلك! فهناك أشياء نتشاركها مع الجميع، يكمن جوهرها فى حضور وتواجد الجميع، وسرّ سعادتها فى أن تكون جزءًا فى يد كل واحد منا لا تكتمل إلا بالآخر!

‏الأمر أشبه بالطرفةِ المضحكة والفرحة العارمة، مثل لحظات السعادة والسرور! جمالها فى أن يتقاسمها الجميع، وهنالك أشياء نختص بها الصفوة من الخُلّص من الناس فليس البعض النادر النفيس مثل الكل، وليس أولو القلب والروح مثل العامة …

‏إذ أنهم وبهم تسكن الروح مطمئنة من غدرات الحياة ولطمات الخيانة، ونختصّ بهم ونخصّهم بما يفور فى لواعج الفؤاد، وما يشوب القلب من أمورٍ لا يعرف عنها إلا الله! وتلك خاصة يختص الله بها من حولك من الناس!
‏وعلى الرغم من كل هذا..

هناك أشياء لا يمكن أن تُقال! فحين يُمنى القلب بخيبةٍ عظمى ووجعٍ فظيع فإنك تتفرّد بتلك العذابات الأليمة لنفسك لا تشارك بها أحدًا ولا تشرك فيها أحدًا، أعنى تلك اللحظات التى ينهار فيها بنيان الثقة ويتساوى بالأرض!

‏حينها لن تجد أحدًا يستحق أن تشاركه آلامك! فتهرب من الخلق إلى الخالق، ومن ضيق البسيطة إلى رحاب سمائها ومن وجع الحياة إلى فرج المولى سبحانه.

‏أذكر جملة للروائية الجميلة العميقه (أحلام مستغانمي) تتحدّث فيها عن الوجع والتفرّد فيه، وأنّه لدينا فائضٌ من الأحزان وعجز فى الأفراح فى ميزانية الأقدار، لذلك نتقاسم الأفراح لقلّتها، ونتفرّد بالأحزان لكثرتها..!

فاقتسموا ما تحملونه من فرحٍ من دون أن تسرفوا، وتحدّثوا عن نعم الله، واحتضنوا انكساراتكم فقد تبنى فى داخلكم بنيانًا حصينًا يقوّيكم على القادم من الأيام!
(أنت فى عيونهم... وهم فى عيونك)

هناك حزنٌ يأتيك فى ربيع عمرك يجعلك تكبر عشرة أعوام، دمعة تجعلك تبصر معادن من حولك، آلامٌ تغيّر فيك الكثير ولكنها لا تزيدك إلا ثباتًا على خطاك، وتعمّقًا بذاتك التى أهملتها طويلًا، وتجعلك ترمّم علاقتك بالله، تصقل من شخصيتك حتى تكون كجبل شامخ، فشكرًا لحزن زادنى وعيًا.

هناك نص يقول : «إن المرء يشعر بكل شيء فى أعماقه يشعر بمن توقف عن حبه ويشعر أيضًا بمن ينتظر منه كلمة» و أعتقد أن الشخص ممكن أن تصل إليه الإجابة من غير أن يسأل والسبب أنه يشعر بأعماقه، دائمًا كان الشعور الداخلى يجيب ويعلم ويجرح ويطيب وكأنه بمثابةِ الإجابات التى ننتظرها».

هناك رسائل تأتى تُعطيك دلالات واضحة ومتكررة بقرب ضعف العلاقة وللأسف نتجاهلها بحُجة أنهم مستحيل أن يفعلوا ذلك إلى أن يقع الفأس.. لا حاجة لنا بمن يضعوننا قوائم احتياط فالعالم ملىء بمن يشبهنا فلا وقت للإحباط وادعاء المسكنة.

أحاسيس يحسها صادقوا النفوس فقط، النفوس الأبية، التى تنام دون مهدئات، نفوس لا يغير فطرتها الزمن ولا الظروف، على رادار الصفاء هذا يمكن استقطاب كل الموجات الصديقة والعدوة والتفريق ما بينهما بنسبة رقمية. لايستوحيها سوى أهل تلك النفوس الصفية..ومنها ما هو قادم.

المستثنى

‏‏عندما يؤذيك إنسان كنت تحسبه لن يفعل لو أذاك أهل الأرض جميعًا ستتغير كل شىء داخلك وللأبد .. المستثنى ضربته توصلك أقصى درجات الألم والخذلان، وماكنت ستحارب به العالم أصبح حربك مع نفسك التى لاتريد أن يعرف عنها أحد.

وقع الخذلان على النفس مُر، لأنه نابع من مدى محبتنا وثقتنا بالطرف الآخر، فكلما كان الشخص قريبا كان الألم والخيبة أكبر،ووقعُه أعظم،ومع ذلك لاتتوقف أنت عن منح أولئك الذين خذلوك فرصا جديدة،وهم بدورهم لايتوقّفون عن خذلانك.

كيف نبحث عن سلامنا الداخلى وأرواحنا أرهقتها ضعف العلاقات ؟ كيف نريد من أذهاننا أن تصفو و أقوى الصدمات لا تأتى إلا من قريب ؟ نثرنا ثقتنا فى دروب محبينا ولقينا سيلا من الخيانات،  ليس تشائماً ولكنها دعوة لتعظيم العقل والمستقبل والصفاء الداخلى مهما كانت الخسارات

العشمان فيه

‏أبذل كل جهدك لتقنع عقلك أنك لست بتلك المكانة المهمة فى حياة بعض الناس، لا تجعله يعتقد بتميزه فى نظر الآخرين ولا يفكر بأهمية ذلك، أعتبر أنك فى رحلة طويلة تحتاج منك معرفة أنك لا تشكل ضرورة قصوى فى حياة أحد لأنهم مشغولون عنك وليس بك، وإذا عاندك عقلك ذكره كم تأذى قلبك من العشم والظنون.

أنت لست محور الحياة، ومركز الثقل فى حياة كل الناس، عند بعضهم.. أنت مهم، لأنك مفيد لهم، فسل نفسك؛ ما هى درجة أهميتك وتأثيرك عند هذا أو ذاك، وهنا يمكنك -إذا كنت صادقًا مع نفسك - أن تعرف قيمتك الفعلية عند الآخرين، كل الآخرين.

بمجرد أن تبقى حريصاً على مستقبلك و حياتك وسعادتك فإذاً أنت تسير جيداً، لا تجعل من تقبل الآخرين ورضاهم هدفاً لك،  مهما بذلت من جهد لتُرضيهم لن ينفع معهم،  فاختصر الوقت والجهد وعش لنفسك

المسىء

‏الدمار النفسى الذى يصعب زواله ويترك أثره فى الإنسان طوال حياته هو السكوت عن الإساءة المتكررة أيًا كان السبب، سواء كان لبقاء ود مُستهلِك أو الحفاظ على حياة على الهاوية خوفًا أن تهوى أكثر، وعندما ترفض الإساءة وتكسر الأغلال تنتفض القرود الطائرة فيحاولون تركيعك تارة بالنصح وتارة بالتهديد والوعيد وكأنك عبد آبق من سيده . فكم من قلوب تفجرت ألماً وحزناً لطول صمتها و صبرها،  وكم من عيون ابيضت من الدمع والأسى من ظلم قريب،  لا أعلم ما الذى يجبر الإنسان على التعدى،  من لا تريده أخبره بذلك ولا تخطئ بحقه،  ومن ضمنت معزته لا تقابله بالتجاوز فسوف تأتيك لحظات مرضٍ أو هرم ولن تجد إلا ماقدمت

فى النهاية لن يبقى معك إلا أنت فانتبه لك.

العصفورة

الشخص الذى ينقل لك الأخبار التى تُسيء لك وتزعلك ثم ينتظر بكل سعادة وشغف ردة فعلك، حتى يشمت فيك هذا لن يمر عليك بحياتك أخبث منه.
هذا هو النمام ذو الوجهين يقابل كل من يعاملهم بوجه،فهو كالحرباء يتلون بحسب الموقف الذى يريده،وقد لاينجو من عذاب القبر فى الحديث»وكان الآخر يمشى بالنميمة».

فكن صادقًا ولاتنطق إلا بمايرضى ربك عز وجل. قال ابن مسعود يخاطب لسانه:(يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم).
عجيبة قدرة الإنسان فى استخدام كل غبائه ليصدق أمله الكذاب، رغم العلامات الواضحة وضوح الشمس، عجيب أنه يُجمل السيئات ليواصل ركضه خلف سراب ظنه أجمل أحلامه هو ولاءات أو أهداف شخصية، عجيب كيف يهمش كل إحساس يخبره بالعكس فقط لكى لايصدُق، وبعدها يظن ماحصل مفاجأة صادمة، الإشارات كانت واضحة لكنك انغمست لحد العمى.

النهاية

الدنيا دوارة وكل ساقٍ بما سقى، كل شىء قابل للتغير حتى من استثنيت الآن، يأتى أناس ويذهب آخرون، القريب قد يصبح أبعدهم والغريب قد يكون أقربهم، وماكنت لا تعيش بدونه سيكون بلا تأثير، لاتقف خلف الحنين وتنتظر، ومن أخذ الظروف فرصة شرع له الباب، كن عزيزا ومستندا على نفسك بإيمانك بربك فسند الناس يميل.

هناك عبارة تقول «لن تنضج حتى يهدم أمام عينيك كل ما كنت تؤمن به»، وهذا حقيقى.. لا تستطيع فهم الحياة إلا أن تأخذ درسًا يعلمك أن الثقة ما تٌعطى لأى أحد، وألا تأمن لدرجة تسليم نفسك وعقلك، وتتعلم أن الانبهار عماء مؤقت، الدرس الذى تُهدم به الوعود وتخون به الذكريات يفتح عيونك للحياة.

الله سبحانه وتعالى هو السند الحقيقى وغيره أوهام، فلا يقدر شخص إنقاذك إذا اشتد الهم وضعُف البدن، لن ترى السعادة وأنت بعيد عن الله، لا يغرنك اجتماعهم حولك فعند الظروف لا ترى أحداً، فلا تنتظرهم يرأفون بحالك أو يعطفون عليك ولا تخف مادمت متمسكاً بحبل الله فهو سوف يتولى شئونك.

مستشار بمجلس الوحدة الاقتصادية