محمد على السيد يكتب..على ورق الدشت

محمد على السيد
محمد على السيد

الدشت هو الورق الرقيق (البيج )الشره للمياه والسوائل المستخدم للكتابة فى الصحف حتى الأن ••رغم جبروت شاشات الكمبيوتر ..فمتعة الكتابة عليه .. لايدركها الا المجربون!!
••
هو هالك أسطوانات الورق الضخمة لطباعة الصحف بعدما تقطعها الماكينات بالمقاس المطلوب للصحيفة او المجلة ••وفكرة أقتصادية عبقرية للكتابة عليها لمواجهة ما نستهلكة من كميات مهولة للعمل والمسودات ومشروعات مقدمات  وعناوين الموضوعات فيوفر تكاليف الانواع الاغلى
••
فى سبعينيات القرن العشرين وأرتباطنا بمهنة الصحافة كان هو السائد فأصبح فى بداياتنا الدراسيةالصحفية حلما ومع بداياتنا العملية كان من مقدسات الكتابة ونخشى إفتقادة فنخزنه فى أدراجنا وجوانب ترابيزة السفرة   و حقائبنا فى كل مكان ووقت 
الصحافة  تلازم دم شرايينك  
••
كم  جاملناسعاة وعمال طباعة وزملاء من مؤسسات أخرى 
برزم مميزة بلونها وحجمها فنكافئ السعاة بما يفوق سعر أفخر  أنواع ورق المكتبات
••
وكم موضوعات ترددنا أوتباطئنا فى كتابتها فجاءتنا رزمة ورق دشت مميزة تطلق شحنات حماس عقولنا وأيدينا نكتب على الفور
وكم  تفاخرنا فى شبابنا المهنى بأنناوهو (الساده )
نكتب عليه فى خطوط منتظمه كأنه مسطر  
من فرط أجادنتنا ورغبتنا فى توصيل كتاباتنا منسقة  للأقسام الفنية لمنع أخطاء تفسد فرحة النشر
••
ومعرفتنا أن أوراق موضوعاتنا تتعرض لمذبحة فى سكرتارية التحرير الفنية بخطوط تنفيذ على جنباتها وأبناط الحروف ورسومات الفنيين وسواد أحبار الطباعة وعرق إلأيادى ودوائر نشع أكواب الشاى والقهوة 
••
لكنا نسلمه  نظيفا مرتبا (ورق مكوى) ونهرب فور حتى لا نشاهد بداية المجزرة
••
لا أنسى يوما كنت منسجما بكتابة موضوع تعبت فى جمع مادته ميدانيا ورتبتها ووضعت خطة كتابته  و بروفات مقدمته وأختيار قلم فلوماستر للكتابة ورزمة ورق دشت جديدة 
منفصلا لا أرى ••لا أسمع ••لا  أفهم إلا ما أكتبه 
تدفقت  الكلمات أرص الاوراق المكتوبة  على يسارى مرقمه على وجههها   إلا الورقه الاخيرة على ظهرها للعودة لأخر ما كتبت أربطه بالجديد أحافظ على إنسياب وموسيقى الكلمات 
••
وتملكت ناصيته وكتبت  فقرة جديدة على الورق الذى أمامى ••وتوقفت التقط أنفاسى وأرتب أفكارى وأشحن بطارياتى  
وأكافء نفسى بساندوتش جبنة وبسطرمه )لحم ملبس بالدهن)  ينشط عقلى بالجلسرين بنصيحة طبيه
 مع  كوب شاى لمزاجى الشخصى
••  
جائنى  عامل بوفية من التلاميذ الباحثين عن لقمة عيش فى أجازة الصيف ••وفى روقانى أجزلت له البقشيش فأنحنى لشكرى بغشومية ويرفع رأسه ويده فجأه 
لم  يكن يفهم ولم أتوقع وجود طبقة مياة تغطى سطح الصينية الكبيرة
   طارت فى الهواء لتحط ببراءه على كل أوراقى 
تتشربتها بشراهه وتشوه حبر الفلوماستر وتنفخ الكلمات
••   
هبط  علينا سهم الله . ثم تملكتنى نوبة ضحك مذهول 
••
موتى  وسمى إعادة تبييض كتاباتى 
ولو أجلتها   لوقت اخر لن تتم 
••
أكملت على باقى الورق الجاف وتسلمها سكرتير التحرير ليعطيها لمن يجمع كلماتها  على الكمبيوتر 
صابرا على فك لوغارتماتها 
••
حرمت  بعدها عن محاسبة عمال البوفيه 
الا بعد تأمين اوراقى فى الدرج 
وألا أعطيهم بقشيش (خبطتين فى الورق توجع )
••
وتطورت أمزجة بعضنا للورق الفلوسكاب الأبيض والملون (على حسابنا طبعا) لرفاهية يدفع ثمنها الغاوى 
••
 حتى غزانا الكمبيوتر ••ليمتص رحيق الكتابة إلا قليلا
••منا من يصرون على ورق الدشت
••
تاريخيا يحمل الدشت ذكريات جيلى وكتاباته وأفكاره وخواطره وهمومه 
نعثرعلية  صدفة فى البحث عن شئ أخر أوترتيب مكتبة أونبش كومة جرائد أو إستكشاف أتربة دوسية عتيق  لنتذكر أننا وضعناها فى مكان أمن سنعود اليه بعد قليل يمتد لسنوات  
••.
أجمل ما فيها جبروتها على ذهنك وقد بزغت فكرة مدهشة للنشر أو للزمن 
فأسوء عادات المهنة هو الحماس المتربط بالنشر•• فتكتب  فى أضيق وقت أكبر الموضوعات 
واذا شككت فى نشره تكاسلت عن كتابة أجمل الموضوعات
••
لكن  هناك أفكار متجبرة ••تفرض نضوجها عليك بعد الحاح ••ثم تنموا رويدا وتختفى  ••لتتقاطر على ذهنك جمل و كلمات ثم تهبط مثمرة ( طاب واستوى على الشجر )فى الوقت والمكان  الذى تشاء..
تحت الدش •• فى مواصلة ••مهرولا لطبيب طفلك ••أجتماع تحرير المجلة ••مؤتمر ••مصيف 
••
 أخطرها من يفرض سلطانه وأنت  تكتب  موضوعا مستعجلا هاما 
تشق ذهنك ••تنذرك بإحساس تدركة بالخبرة••
 أن لم تقطفها الان ستنساها للأبد !!
وفى أفضل الظروف تفقد طزاجة تدفقها وحيوية معانيها وسلاسة تطويع كلماتها
 فتتخلص منها بكتابتها لتتمكن من عملك العاجل  
••
وكثيرا ما أضطرتنا أفكار أن نكتبها ليصفو ذهننا لعمل أو للأسرة أوحتى الجلوس عاقلا بين الناس دون التشويح بيدك أو الكتابة على كف حبيبتك  فتتصورك تداعبها وتكتشف الحقيقة و(توريك الوش التانى )
••
وأخطر ما فيها ••هطولها بكامل نضوجها ••
فيصعب إعادة صياغتها حتى بفارق الزمن وخبرة الكتابة رغم هوس الصحفيين بإعادة صياغة أعمالهم  ليطفئوا قلقهم المحموم بأن يكونوا  الافضل 
فتتعجب من كتابة جملة أوفقرة لتسرح فى نرجسيةطارئه (إيه ده ياواد يابو حميد والله بتعرف تكتب)

••

أسوء ما فى ورق الدشت أن لونه الفاتح يصبح بالزمن أسود ••فتظهر الكلمات بصعوبة ••لولا أستخدامنا القديم لأقلام حبر جافة بلون أزرق أو أسود
 ونضغط بعصبية على الكلمات كانه نقش جدران معابد فرعونية تعاند الزمن 
فتظهر بالكاد كلماتنا وقد ضاع منها حرف أوكلمة توهمنا  أنها الأبدع الأخلد ..
فى طبيعة ••فطرنا الله عليها ••رغم دعاوى تواضعنا بعبثيته الكلمات التى لا يقرأها أحد ولا يتأثر بها أحد لنواجه حقيقة
 (أن الزمار يموت وصباعة بيكتب )
*

مع الالفية الثالثة جائونى بكمبيوتر يفزع عشرتى لأدوات الكتابة ••أقتنيها من كل مكان ••مهما أبتعد••
 أجرب فى كل كتابه•• نوع القلم ولونه وحجم سنه على كل أنواع الورق 
حتى يروقنى فأواصل الكتابة عليه 
والله اعلم بمزاج المرة القادمة
••
لم أنزعج يوما من بقعة حبر على أغلى ملابسى 
لم  أتوقف يوما عن طلبى من كل زميل مسافر للخارج ••بنوع قلم أو ورق ••رغم قلة أستخدامها حاليا 
لكنى ما أزال أسجل كلماتى وملاحظاتى وتداعياتى على أى أوراق أمامى ••يعرف العارفين بى ••من شخبطاتها  تطور يومى•• أصون فى درجى العديد من انواع الورق حتى  الدشت 
فلا أعرف بمزاج الكتابةالقادمة الا أمل متعة لحظة النرجسية عندما تفاجأ بمستواها فتدلع نفسك (والله بتعرف تكتب يا واد يا أبو حميد )