حسام سيد يكتب : ما أخبرنا به نيتشه عن ميسى

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

ميسى لا ينقصه شيء من العظمة، لكن كان ينقصه لحظة التحقق السينمائى، فى السينما الشخصية هى قوس يبدأ من نقطة بعينها، الشخصية فيها مجرد إمكانية، احتمال لم يولد بعد ولم يبشر بجماله أو شره، وحكاية الفيلم هى الحبكة أو المأزق الذى يختبر الشخصية و يُجبرها على أن تنهل من كل مُمكناتها وتغترف حضورًا للعالم.

ويكتمل قوس الشخصية عندما تصل لأقصى نُقطة تحقق مُمكنة، عندما يصل البطل للحظة التى ولد من أجلها بالأساس، التى يوقن عندها أن كل ما سبقها كان تمهيد وإعداد قدرى لها، فى تلك اللحظة يكتمل القوس، وتتحقق الشخصية وتلبى قدرها كاملًا، وتوقن أنها قد عاشت بالفعل، أجمل نسخ العيش المتاحة.


وفى مشاهدة تلك الشخصية وتتبع ذلك القوس منذ الميلاد حتى الاكتمال يكمن السحر كاملًا، السحر الذى يجعل الملايين يتعلقون بشخصية سينمائية أو روائية متخيلة أو لاعب أجنبى لا يعرفنا، أو قصة نجاح بدأت من احتمال بعيد لا يؤيده سند من واقع.

وتحققت، أنها تمنحنا الغواية، أو لعنة الأمل، أن ربما الآمال تتحقق مرة فى الألف، والعالم قد يكون سمحًا أحيانًا ليسمح لشخصية حقيقية بلحظة تحقق كاملة، علامة نهائية، وصول القوس لمُنتهاه، دون بتر قدرى أو تراجيدي.


غواية أن نكمل السعى أو نتفحص الامكانية بداخلنا، الاحتمال الذى لم يولد منه واقعًا بعد، الممكنات التى لم تجد بعد لها طريقًا للحضور من دواخلنا للعالم.


وغواية السعى وصولًا للحظة سينمائية نُعانق فيها نقطة القوس الأخرى، الضفة البعيدة، اللحظة التى تبرر وجودنا وتخبرنا لماذا كان كل ما سبق ضروريًا، اللحظة التى يسميها نيتشه العود الأبدى، لحظة بعدها يمكنك أن توافق عن طيب خاطر بعد الموت أن تُكرر حياتك ثانية بحذافيرها فى تكرار أبدى لتصل للنهاية تلك كل مرة.


وفى لقاء سُئل محمد صلاح، ماذا لو كان كل ما مر به حلم سيستيقظ منه وهو بعد فى بداية رحلته؟ 
يُجيب سائله مبتسمًا أنه سيعيد كل شيء من جديد، تلك لحظة حب المصير أو الأمورا فارتى كما أسماها نيتشه، حب الشخصيات التى تمنحنا بتحققها غواية الأمل، الأمل فى عيش حياة ننال فيها علامة التحقق الكاملة، نعانق لحظة مثالية تبرر وجودنا، لحظة وصول مصيرنا لحالة افتتان تدفعنا لتكراره مرارًا.


وحسب نيتشه، تلك اللحظات النادرة، التى تحققها شخصيات نادرة وتنال بها علامة كاملة، هى ما تمنح الملايين الغواية للقيام بالرحلة ذاتها، فى قصتهم الخاصة، للوصول بالقوس لاكتماله. حتى لو كانت الحقائق كلها تقول العكس، حتى لو كانت الحقائق فى قصة ميسى بدأت بطفل ناقص النمو لا ينبئ واقعه عن أى أمل.

ويراهن نيتشه على الإرادة دومًا فى مقابل الحقائق. ينبذ فلاسفة الحسابات والأنساق المحكمة ويقف وراء البطل الديونيسى الإغريقى، الذى يتقبل مصيره ويحمل قدره على أكتافه ويغتوى بجمال لا يراه سواه.


لشخص مثلى ليس مجنونُا بالرياضة، ليلة نهائى كأس العالم كانت لحظة سينمائية وفلسفية ثرية، لحظة نيتشويه بالمعنى الجمالى، لحظة ثرية بتأملات تجاوز بساطة الرياضة ذاتها.


اقرأ ايضًا | مانشستر يونايتد يمدد عقود 4 لاعبين