مونديال 2022 فصل لم يكتبه جاليانو

حسين السيد يكتب : قراءة فى ليلة التتويج فى وداع «الحريف» القديم

لاعب كرة القدم ميسي
لاعب كرة القدم ميسي

لم يكن مونديال قطر 2022 اعتياديًا، ليس لأنه شهد عددًا معينًا من الأهداف، ولا لأن فرقًا لم تكن مرشحة للمضي قدمًا، مضت إلى أبعد حد، ولا لأن لغة الأرقام تقول شيئًا أو تعيده، بل لأنه حمل الرقصة الأخيرة، للكثير من "الحريفة" القدامى، أسدل الستار على أبطال جيل، وأذن لغيرهم بالظهور، في تسلسل درامي نادر، وفي مشهد ختامي، لم يتصوره البعض ممكن الحدوث، إلا في عالم الأدب، وعلى شاشات السينما.. 
هنا يودع عددٌ من الكتاب الشباب «حريف» جيلهم الأبرز، يكتبون عن سنوات عاشوها معه، عن رحلته، كأنه بطل أسطورى قديم، عن وصوله فى النهاية، عن الأحلام ممكنة التحقق رغم كل شيء، وعن الباب الذى قد ينفتح تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال، وطموح الملائكة، كما بشر «نجيب محفوظ». 

قبل بداية العام عُرض فيلم (يد الرب) للمخرج الإيطالى باولو سورينتينو مستعرضا على خلفية أحداثه هوس أهالى نابولى بحضور مارادونا إلى مدينتهم الجنوبية وناديهم متوسط الإمكانيات، ثم اندلعت الحرب بين الروس والأوكران.

وتقافزت الأسعار وانتشرت الأزمات الاقتصادية، واستشهدت الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاص الإسرائيليين، فازت الفرنسية آنى أرنو بجائزة نوبل للآداب وتسائل العالم هل حقا تستحق؟ عاد لولا دا سيلفا لحكم البرازيل بعد سنين من الابتعاد والسجن، واندلعت المظاهرات فى طهران. 


وعُقدت البطولة لأول مرة فى الشتاء، ولكنها بدت أكثر سخونة من غيرها، مفعمة بالمشاعر والدموع، توقع كثيرون أن تكون كذلك، فهى البطولة الأخيرة لبطلى الخمس عشرة سنة الماضية، ومشهد النهاية لسباقهما الممتد، ميسى ورونالدو فى النزال الأخير. ثمة صراع حضارات وحروب ثقافات دارت هناك أيضا، بعض المنتخبات الأوروبية.

وعلى رأسها المنتخب الألمانى سعوا لاستغلال الحدث للتعبير عن أفكار ثقافتهم المخالفة لمعتقدات العالم الذى تقام فيه البطولة، وفى المقابل صممت قطر المنظمة بأموال باهظة حد الجنون على كبح جماحهم، خرج الألمان من الدور الأول وانهزمت البلد المضيفة فى مبارياتها الثلاثة واشتعلت صراعات أخرى فى الأدوار التالية.


وانتفض المنتخب المغربى ووصل إلى المركز الرابع فى مفاجأة مذهلة ومبهجة، حتى أنهى الفرنسيون حلمهم بمساعدة التحكيم، احتفل اللاعبون المغاربة مع أمهاتهم فى قلب الملعب، سيدات بملامح مألوفة لنا وابتسامات بريئة طيبة يرقصن ويضحكن فى أكبر حدث كروى عالمى.

وانهزم رونالدو وانصرف غارقا فى دموعه، خاض نيمار ورفاقه البرازيليون المنافسة وكأنها مسابقة رمضانية، خطفوا الآهات ثم أُقصوا خارج البطولة فى غفلة منهم، ورفرفت أعلام فلسطين فى أيادى جمهور تونس ولاعبى المغرب.


وفى النهاية وصلت الأرجنتين وفرنسا إلى الجولة الأخيرة، ميسى فى مواجهة مبابى، ميسى الذى فشل فى شبابه أن يقدم شيئا ذا قيمة لمنتخب بلاده وطاردته انتقادات جماهيره، يعود فى أول بطولة بعد رحيل مارادونا نحو السماء.

ويعود بوجه جديد، حيث بدا متحمسا ومنفعلا كما لم يكن من قبل، وكأن شيئا من روح مارادونا قد مسه، يصرخ فى المنافسين والحكام ويندفع حتى تخور قواه، وفى المقابل مبابى، بسرعته وشبابه وموهبته، يسعى إلى كأسه الثانية على التوالى، وخلفه كتيبة من اللاعبين أشداء البنية. 


وكان ميسى الوجه الأبرز فى مباريات الأرجنتين السابقة، ولكن فى المباراة النهائية تقدم دى ماريا وأمسك بدفة القيادة، دى ماريا رجل المباريات النهائية دائما، بجسده الضئيل وموهبته الفاتنة، رجل الظل خلف البطل، راوغ وسدد كشاعر رومانسى.

وأحرز هدفا وصنع الآخر، وبكى كثيرا، بكى فرحا بعد إحرازه الهدف ثم بكى حزنا عندما فاجأ مبابى الجميع وأحرز هدفين متتاليين فى الدقائق الأخيرة، مباراة مجنونة ودرامية، الكل متوتر ويقضم أظافره، تأرجحت الكرة طويلا وتبعتها القلوب ثم اختارت الأحق، اختارت الأرجنتين.

وأصطاد الحارس مارتينيز الكأس بقفازه الذهبى، وأهداه إلى بلاده بعد اشتياق امتد إلى ستة وثلاثين عاما، خسرت فيهم الأرجنتين نهائيين وخرج لاعبون استحقوا التتويج دون ألقاب، على رأسهم باتيستوتا الذى انهمر فى البكاء فى ستوديو تحليل المباراة كطفل وجد ضالته بعد سنين.

وربما تخيل أنه هو نفسه على منصة التتويج، يحمل الكأس وبجواره أورتيجا وفيرون، لقد ضاع منه الحلم سابقا والآن يراه يتحقق بأقدام جيل جديد، حمل ميسى الكأس فى لحظة بدا للكثيرين أنها لن تأتى أبدا، وقف بالفانلة المخططة طوليا بالأبيض والسماوى.

ومن فوقها عباءة قطرية ورفع الكأس عاليا مع رفاقه، جلس دى ماريا على أرضية الملعب وتحدث هاتفيا إلى والده، أشار إلى الميدالية الذهبية وقال «إنها هنا يا أبى، إنها حقيقية، لقد أدارت لى ظهرها كثيرا ولكنى استمررت فى المحاولة ولم أستسلم، كما علمتمونى دائما، أحبكم كثيرا.»وآه لو تعرف ما فاتك يا دييجو.


اقرأ ايضًا | في ذكرى حصوله على «نوبل».. لهذا السبب لم يسافر نجيب محفوظ لتسلم الجائزة | فيديو