نهى عبد الرسول تكتب: قصائد

أرشيفية
أرشيفية

بيوتٌ مهجورة وتلالٌ من الطوبِ الأبيضِ ملقاةٌ على جانِبَى الطريق.. بنيتُ بيوتًا من طابقٍ واحدٍ ولم أسكنها وصارتْ كلُّها مهجورةً وأسكنُ الطرقاتِ والأزِقَّةَ ورفوفَ المكتباتِ العامةَ وأسكنُ مقطورةً. 


وتأخذُنى لوجهَةٍ مجهولَةٍ
وقبلَ أن أنفُضَ عناءَ السَّفرِ
أعودُ لأجمعَ الطوبَ الأبيضَ من الطرقاتِ
وأبنى بيتًا جديدًا لا أسكنه.
لا أجدُ الراحةَ فى أيِّ مكانٍ
ولا أبحثُ عنها
وَمْضاتُ الماضى تَمُرُّ بخيالي
شريطًا طويلًا منَ الذِّكرياتِ.
رِباط لَيِّن لَنْ يَخنِقَ مِعصَمَنَا
يَجمعُنا وَيَعزِلُنا عَنِ العالمِ
يُفرِحُنا وَيُبكينَا
ثُمَّ يكادُ يُفرِّقُنا.
بُيُوتٌ مَهجُورةٌ مِنْ طابقٍ واحِدٍ
لَنْ أَسكُنَها يَومًا
وَلَنْ تَظفرَ بِتفاصِيلِ حَيَاتي
وَلَنْ أَظفرَ يَومًا
بِسعادَةِ السَّكنِ فِيهَا.
تجوال

١
سلَّةٌ تحوِى أغراضًا متفرِّقةً
«برطمان» شُوكولاتةَ سائلةٍ، زجاجةً صغيرةً من الماءِ
وأغراضًا أخرى لا أستطيعُ أن أتبيَّنَ ما هي
تحتَ مِقعدِ جلدٍ أسودَ
بمشَّايةٍ لكبارِ السن
تجلسُ صاحبتُها على المقعدِ المقابلِ فى الترام
تحسب خطواتها بدقة
تتأهَّبُ للحركة 
أذكرُ جدَّتي، كانت تحتفظُ بأشياء متفرِّقةٍ
تحت مِقعدِها الذى لم تعتَدْ أن تبرحَهُ
حتى حينَ حدثَ زلزالُ ٩٢
يومها المِقعدُ تقريبًا هو من برِحَها
هاتفَتْ أمِّى قائلةً:
«انجديني، الكرسى يرقصُ تحتي»
أمى أيضًا صارت تحتفظُ بأغراضِها اليوميَّةِ
حول مقعدِها المفضَّل
زجاجةُ الماءِ
وأوراقٌ وأرقام تليفونات
وصورٌ عائلية وأدويةٌ وطعام. 
 ربما المقعدُ الوثيرُ 
بالإضافة إلى المطبخ،
هو الزاويةُ الوحيدة التى تخصُّها.
هل ستمنحُ الآن هذه السيدةُ المسنَّةُ معنًى إلى يومى الفارغِ
وتَقْبَلُ يدى الممتدَّةَ إليها؟

٢
فى يوم ركضْتُ مع امرأةٍ عجوزٍ
شعرتُ بأننى انضممْتُ إلى نهايةِ سباقٍ للرَّكضِ
بدأَ من مسافةٍ بعيدةٍ
شعرتُ بأننى دخيلةٌ 
ركضْتُ معها كى أُخبرَ السائقَ بأن ينتظرها
وهى لم تكُنْ بحاجةٍ إليّ
لاحظْتُ لاحقا أن السَّائقَ كانَ ينظرُ فى المرآةِ الجانبيَّةِ للحافلَة
وكان يراها.
أتسوَّلُ معنًى لوجودي
أختلقُ سباقًا غيرَ موجودٍ
لألتحقَ بِهِ
لأجدَ سببًا وجيهًا للرَّكضِ
بلا هدفٍ ودونَ توقُّف.

٣
كانت تلكَ الصُّورةُ تراودُنى منذُ سنواتٍ
ونحنُ فى سيَّارةٍ على طريقٍ تحيطُهُ الصَّحراءُ.
كنتُ أرى نفسى أجرى لأهربَ من السَّماءِ المنخفضةِ
وبأنَّها ستدركُنى فى النِّهاية.
فى مرة ركضت إليك
افترضت بأنك فى حاجة إلي
وبأننى وحدى قادرة
أن أعيدك إلى الحياة.
صِرتُ أتطفَّلُ على سباقاتِ الآخرينَ
أتسلَّلُ إلى مساراتِهِم ورحلاتِهِمِ الخاصةِ
أتركُ بقعتى خاليةً، باردةً
وأجوَّلُ بعيدًا 
كروحِ النَّائم.  

اقرأ ايضًا | جيوكوندا بيلي يكتب: كيف توجهت إلى المستشفى وأعلنوا موت ابني سان خوسيه 1978