ورقة شجرة «شاي» تحمل العديد من المعاني .. مشروب الشتاء الأول

ورقة شجرة شاى
ورقة شجرة شاى

أعدت الملف: علا نافع

ورقة شجرة شاى تحمل العديد من المعانى.. اكتشفها الإنسان منذ فجر التاريخ.. ولم يكن يعلم وقتها أنها ستتحكم فى مزاجه، وأنها ستصبح المشروب العالمى الأول والمفضل.. انتشر تناولها بين الدول المختلفة، واتفقوا جميعهم على شربها داخل الماء المغلى، لكنهم اختلفوا حول نوع ورقة الشاى المفضلة وحول نكهتها وزراعتها وطرق تسويتها وطقوس تقديمها، فأصبح لكل شعب مزاج وإتيكيت خاص به، مرتبط بحضارته وبتاريخ معرفته بهذا المشروب الساحر الذى يعتمد عليه الغنى والفقير فى ضبط المزاج خصوصا فى الليالى الباردة، حيث يعد الشاى مشروب الشتاء الأول لدى العديد من شعوب العالم ومن بينهم المصريون، فتجدهم يتناولونه فى الصباح والمساء وبعد كل وجبة.. فى البيت أو العمل أو حتى على المقاهى الشعبية والكافيهات الفايف ستارز... حكاية الشاى مشروب الشتاء الأول نرويها لكم فى هذا الملف.

الشاى ذلك المشروب السحري، يعشقه الكبير والصغير، يزين مائدة الغنى والفقير، يتلهف الكثيرون على شربه وقت العصاري، فهو بمثابة الدينامو الذى يؤجج شعلة تفكيرهم ويضبط مزاجهم، كما يكرمون به ضيوفهم خاصة إذا تمت تسويته على نار هادئة، فهدوء النيران تزيده حلاوة وتضفى عليه لونًا رائقًا، وتختلف طريقة إعداده من دولة لأخرى طبقًا لعاداتها وتقاليدها المتوارثة، كذلك فى محافظات مصر، فطريقة إعداد كوب الشاى فى الوجه البحرى لها نكهة ناعمة تختلف عن الشاى الصعيدى "الحِبر" ذى المرارة التى سرعان ما تتدفق إلى اللسان مع الرشفة الأولى.

أما أهل الصحراء فقد مكنتهم الطبيعة الساحرة من صنع كوب شاى لا يُنسى برائحة جذابة، فيكفيهم صنع حفرة عميقة تشتعل بها النيران، ويدفنون بداخلها البرّاد حتى ينضج الشاي، والأهم إضافة العديد من النكهات المختلفة سواء عن طريق إضافة الأعشاب البرية أو خلطه مع بتلات الزهور النادرة.

فى سيناء يتفنن البدو فى صنع كوب شاى فريد، حيث يستخدمون الأحطاب اليابسة التى يجمعونها لذلك الغرض خصيصًا والتى تعرف بـ"المنصب"، ويضعون عليها برادًا معتقًا يستوعب بضعة أكواب تكفى لزوار البيت الكبير، كما يحرصون على أن يكون اتجاه البراد فى نفس اتجاه الريح فذلك يزيد من تسوية الشاى وزيادة حلاوته.

يقول عزمى أبو مليح، أحد أهالى مدينة رفح: توارث بدو سيناء طريقة عمل الشاى البدوى من أجدادهم وآبائهم، فإعداده له طقوس خاصة لعل أهمها استخدام مياه الآبار الجوفية ذات العذوبة والنقاء العالى، فضلًا عن كميات قليلة من السكر المحلى إذ يحجب عن الشاى مذاقه المميز، والأهم  استخدام الأكواب الصغيرة والبراد المعدنى الذى يحتفظ بالحرارة مدة طويلة.

ويضيف: من ميزات الشاى السيناوى أن له نكهات مختلفة تجعل الجميع حريصين على تناوله وتجربته، فأرض سيناء تنمو بها الكثير من الأعشاب الطبيعية والطبية مما يدفعنا لمزجها بالشاى للاستفادة منها مثل الروزماري، المريميه، كذلك البردقوش والحبق.

وعن شاى "الحبق" يقول: "يعد من أشهر أنواع الشاى بسيناء والمعروف أيضًا باسم الريحان، وله فوائد طبية عدة أهمها القضاء على الخلايا السرطانية وتنشيط الدورة الدموية، ويتم إضافة العشبة عند إعداد الشاى سواء طازجة أو مطحونة".

وحول طقوس إعداده يشير إلى أن جلسات النار وإعداد الشاى تبرز أكثر فى ليالى الشتاء الباردة، حيث يذهب الشباب إلى الجبال كى يجمعوا كميات كافية من الحطب، ثم يقوموا بإشعال بعضها حتى تتحول إلى قطع صغيرة من الجمر ويبدأوا فى وضع البراد عليه سواء داخل مجلس القبيلة أو خارجه، ويتوالى توزيع الأكواب بدءًا من بعد صلاة المغرب حتى منتصف الليل.
وفى مطروح لم تختلف طريقة إعداد كوب الشاى عن نظيره السيناوي، إذ يعتمدون على الشاى الخشن ذى الأوراق العريضة والمعروف بـ"الزردة"، وفيه يتم تلقيم الشاى بطريقة معينة بحيث تتساوى كمية الماء مع الشاى والسكر فى براد من الصاج، ثم يوضع على موقد لينضج على نار هادئة.

يقول محمود زيان، من قبيلة العشبيات بمطروح: يعد شاى الزردة من أشهر المعالم التراثية حيث يمتاز بمذاقه المميز ونكهته اللاذعة التى تثير فى العقل وميضًا من النشاط، حيث نستعين فى إعداده ببراد من الصاج وفناجين صغيرة، كما تتم تسويته على نار هادئة وفور ظهور رغاوى بيضاء على قمته فذلك إشارة بتمام نضجه.

ويرى محمود أن أدوات إعداده سواء البراد الصاج أو الفناجين الصغيرة تضفى عليه قدسية خاصة، حتى أن زوار مطروح من السياح يحرصون على اقتنائها وتناول الشاى فيها.
أما أهل الصعيد فيحتفظون بحبهم الخالد للشاى وتحديدًا وقت العصاري، فينهمكون فى تحضيره على الموقد أو "الراكية" وهى عبارة عن أخشاب محترقة أو"قوالح الذرة"، حريصين على أن يكون ثقيلًا ذا مذاق شديد المرارة دون أن يحتوى على أى ذرة سكر، فهو علاج فعال لكافة الأمراض النفسية والجسدية بحسب اعتقادهم.

ولا تنتهى إبداعاتهم فى إعداد الشاى عند هذا الحد، إذ يضيفون إليه نكهاتٍ مختلفة، فيكفى عند الشعور بلسعة برد خفيفة إضافة بضع قطرات من الليمون الطازج وسوف يزول البرد، أما عند الشعور بالكسل والوخم فكوب الشاى "الخمسينة" يعيد إليك النشاط والحيوية مع الرشفة الأولى منه.

أقرأ أيضأ :رئيس المشروع القومى للشاى: نجحنا فى زراعة 30 نوعاً وسبب مجهول وراء التوقف