كشف حساب للمهرجانات الفنية l هل تحتاج مصر كل هذه الفعاليات المسرحية ؟

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي
مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي

محمد عز الدين

شهد العقد الأخير، إنطلاق عدد كبير من المهرجانات المسرحية المحلية والدولية التي تقام على أرض مصر.. بعضها يهدف بجدية لإثراء الحركة المسرحية ونشرها واكتشاف المواهب في ربوع ونجوع مصر، والبعض الآخر يبحث عن الاهتمام الإعلامي والدعم المالي المقدم من جهات مختلفة، تحت ستار نشر فنون المسرح.. في السطور التالية نستعرض لأهمية أو عدم جدوى تلك المهرجانات، وهل الحركة المسرحية في مصر تحتمل كل تلك المهرجانات سنويا.. أم الأمر يحتاج إلى تقنين أوضاع مهرجانات المسرح.. هذا ما يجيبه عنه عدد من النقاد المتخصصين في الشأن المسرحي.

“مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، المهرجان القومي للمسرح المصري، مهرجان نوادي المسرح، القاهرة للمونودراما، مسرح بلا إنتاج، شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، آفاق مسرحية، المهرجان المسرحي لشباب الجنوب، إيزيس الدولي لمسرح المرأة، مواسم المسرح الجامعي، مهرجان إبداع، مهرجان المسرح العربي، مهرجان المسرح العالمي”.. وغيرها من المهرجانات تقام بمسميات مختلفة وبدعوى نشر فنون المسرح ودفعها للمزيد من التقدم، مقارنة بحجم إنتاج يراه البعض كافي لتلك المهرجانات، وآخرون يرون أن المهرجانات تفوق حجم ما يقدم على مسارح مصر المختلفة.

يرى الفنان يوسف إسماعيل، رئيس المهرجان القومي للمسرح، أن كثرة المهرجانات المسرحية وتعددها ليس سيئا، لكن أن يتضمن كل منها فلسفة وخطة وهدف يسعى لتحقيقه كل دورة، ويضيف: “المهرجان القومي فعالية محلية انشأتها وزارة الثقافة، وفلسفته تقوم على التنافس المحمود بين كل الفرق المسرحية، وهو يجمع كل أطياف الإنتاج المسرحي، سواء الحكومي أو الخاص أو المستقل أو الجامعي أو الكنسي أو المجتمع المدني أو  النقابات أو الشركات والهيئات الخاصة، وعندما توليت إدارة المهرجان قبل 3 سنوات، أضفت عليه أن كل دورة تكون لها فلسفة خاصة، ويكون لها موضوع بدلا من تسمية الدورة بأسماء أشخاص، فقمت بتسمية إحدى الدورات بدورة الأباء، خاصة بعد ظهور هجمة غير شريفة حول حقيقة تاريخ المسرح المصري الحديث، والدورة التي تلتها كانت خاصة بالمؤلف المسرحي، والدورة الأخيرة حملت عنوان المخرج المسرحي”.
ويستطرد: “عندما تكون هناك فلسفة خاصة فهي تضيف للحركة المسرحية، فمثلا مهرجان (إيزيس) له فلسفة واضحة، وهو أنه خاص بالمرأة، أما وجود بعض المهرجانات لمجرد جمع نجوم أو فنانين، فهي لا تضيف للحركة المسرحية شيء، وتقدم أيضا عروض بها قدر من المجاملات.”
ويختتم إسماعيل حديثه بأن الهدف العام للمهرجان القومى هو خلق تنافس شريف بين كل الجهات، وهناك مرونة فى اختيار العروض دون الإلتزام حرفيا باللائحة.

«بحاجة للمزيد»

أما المخرج هشام السنباطي، رئيس مهرجان “آفاق مسرحية”، فيرى أنه لا يوجد مهرجانات مسرحية كافية على الساحة، حيث يقول: “منذ 20 عام كان هناك الكثير من المهرجانات المسرحية التي تقلصت مؤخرا، ويجب زيادتها لتواكب منطقياً زيادة الكثافة السكانية”.

ويضيف: “ما يثير إنتباهي هي المهرجانات الخاصة بالفرق المستقلة، ومشكلتها الكبرى في توفير مكان لعروضهم، والمهرجان هو الذي يتيح لهم ذلك، فمثلا مهرجان (آفاق مسرحية) يعطي الفرصة لعروض هذه الفرق، ولو قسنا الأمر بعدد الفرق الحرة والمستقلة والهواة، سنجد عدد المهرجانات المهتمة بهم قليلة لا تتعدى أثنين أو ثلاثة”.

ويوضح السنباطي: “أما بالنسبة للمتلقى، فهناك قطاع كبير من الجمهور لا يستطيع تحمل تكلفة تذاكر المسرح له ولأسرته، لذلك ميزة المهرجانات أن كثير منها مجاني، ففي الدورة الأخيرة لمهرجان (آفاق)، كان عدد الجمهور خارج مسرح (الهناجر) ضعف المتواجد بالصالة، لأنه عرض مجاني، فقدمنا 3 حفلات مجانية إضافية، أي هناك 600 شخص شاهد العرض، وهي خدمة مجانية قدمناها للمتلقي”.
وعن فلسفة مهرجان “آفاق”، يقول: “المهرجان في الأساس يقدم للفرق المستقلة والهواة، وبدأ ينضم له فرق من الجامعات، والدورة الأخيرة له بدأ يضم فرق من الدول العربية، فبدأت تأخذ شكل تجمع عربي، فقد تطور من محليا إلى عربيا، ليمنح أفق جديد لأشكال العمل المسرحي يصب في صالح المتسابق وأيضا المتلقي”.

«إيقاف»

“كل هذه المهرجانات لماذا؟”.. سؤال يطرحه الناقد محمد الروبي، حيث يقول: “المهرجانات المسرحية في مصر تتكاثر إلى الحد الذي لا نكاد نعرف معه أسماء بعضها وأماكنها، وهو عدد لو سمع عنه أجنبي لظن أن المسرح في مصر يحيا أزهى عصوره، ولتأكد من أن الشعب المصري يعشق المسرح كما يعشق كرة القدم، وأن أمام هذا العشق وذلك الاحتفاء كان لابد لهذا الشعب أن يقيم الكرنفالات المسرحية في كل مكان.. في المقابل، وعلى العكس مما يفترض أن يكون، يعاني المسرح المصري من إعياء يثير الشفقة والحزن، فلا نكاد نرى من العروض إلا القليل والنادر، وهو أمر يحمل من التناقض ما يدعونا للتوقف عنده والسؤال مرة أخرى (كل هذه المهرجانات لماذا؟)”.
ويضيف الروبي: “هنا أجدني أتوجه إلى اللجنة العليا للمهرجانات، التي يفترض أنها توافق – بعد دراسة مستفيضة من متخصصين – على دعم هذا المهرجان أو رفضه، واسألها: (بأي مسطرة قياس يقيمون الذي يوافقون على منحه دعما؟، وما آليات هذا الدعم؟، وكم عضوا بهذه اللجنة ينتمي إلى عالم المسرح؟، ومن هم؟، وهل يتوقف عمل هذه اللجنة عند الموافقة أو الرفض من دون متابعة للمهرجان الذي وافقت عليه؟، وهل يسير وفق ما عرض عليها أم تراجع وانحرف إلى أهداف أخرى؟)، كل هذه الأسئلة وغيرها ستساعدنا في عملية تقييم المهرجانات المنتشرة في ربوع مصر، ووقف ما هو زائد عن الحاجة، أو متشابه مع آخر سابق عليه.”

ويستكمل الروبي قائلا: “قبل أن يتبرع أحد ويفسر أسئلتنا بأننا ندعو إلى (إيقاف المهرجانات)، نؤكد له ولغيره: (نعم نحن ندعو إلى إيقاف المهرجانات التي لا طائل من ورائها سوى الحصول على الدعم(.. أما بالنسبة لقضية اختيار العروض المسرحية المصرية التي تشارك في المهرجانات العربية، فهي قضية لا تقل أهمية، وبداية لابد لنا من التذكير بأن أي عرض مسرحي، مستقلا كان أو حكوميا، هو عرض يمثل مصر، فهكذا يطلقون عليه في حفل توزيع الجوائز، حيث يعلن مذيع الحفل جملته الشهيرة (وقد فاز بالجائزة العرض المصري...)، أو (حصل على جائزة أفضل مخرج فلان الفلاني من مصر)، إذا فأنت حين تسافر بعرضك إلى مهرجان ما لا تمثل نفسك، حتى وإن كنت أنت منتج العرض ولم تدفع لك وزارة الثقافة المصرية مليما واحدا، وهو ما لا يحدث أبداً، فالوزارة تدفع، فقد يكون الدفع في شكل تذاكر طيران، أو مصروف جيب، والمفترض في حالة دعوة عرض إلى مهرجان ما، أن يقع على عاتق لجنة المسرح، التي تعتبر بيت الخبرة المسرحي المعتمد في الوزارة.. وهنا يبرز السؤال: (كيف سيحكم أعضاء لجنة المسرح على جودة عرض لم يشاهدوه؟)، خاصة أن عدد العروض المنتجة سنويا في مصر أكثر بكثير من قدرة أي متابع، وهي العقبة التي تم تجاوزها بإستخدام تقنية (الديجيتال) في مشاهدة العرض المرشح للمشاركة عبر شاشة صغيرة، إلا أن هذه التقنية عادة ما تكون خادعة، فكم من العروض شاهدها محكمون وأقروا بقدرتها على المنافسة، ثم فوجئوا بعد سفرها بأنها لم تكن على المستوى الذي سبق وأن شاهدوه، وكم عادت عروض ليس فقط بـ(خفي حنين)، بل ومصحوبة بسخرية ولعنات لا تصيب فقط أصحاب العروض، بل وتصل إلى المسرح المصري عامة).”.

ويستطرد قائلا: “هنا لابد من التذكير بأن المهرجانات في بعض بلداننا العربية تضفي على نفسها صفة الدولية كي تحصل على دعم من هيئات ثقافية تابعة لبلادها، ولكي تتحقق صفة (الدولية) تسارع هذه المهرجانات بالإتفاق مع فرقة (مصرية) يدعونها للعرض ضمن فعالياتهم بصرف النظر عن إن كان العرض ينتمي أصلا إلى عالم المسرح، والنتيجة هنا معروفة سلفا، وتتمثل في عودة العرض خائب الرجاء، والأخطر أنه يعطي انطباعا مغلوطا عن مستوى المسرح المصري، وأمام هذه النتيجة ستجد أصحاب العرض يبررون فشلهم المهرجاني بأنهم – أي العرب - يحاربون مصر، أو إنهم يريدون سحب بساط الريادة والتفوق من تحت أقدام المصريين، وغيرها من المبررات التي تثير السخرية والخجل”.

أما الشاعر والناقد يسري حسان، فيقول: “لا نستطيع أن نصدر تقييماً شاملاً عن المهرجانات جميعها، بمعنى أن هناك مهرجانات محلية وأخرى دولية وجامعية وغيرها، فمثلا مهرجان المسرح التجريبي يعد واحدا من أهم المهرجانات التي يجب دعمها بإستمرار، خاصة أنه من المفترض أن يطلعنا على التجارب الجديدة حول العالم، وإن كان في السنوات الأخيرة لا يفعل ذلك بشكل مرضي، فقد أحدث هذا المهرجان تطويرا في دوراته الأولى، وهو ما أثر من حيث العروض المسرحية أو غير في مفاهيم كثيرة سواء على مستوى الكتابة أو النقد المسرحي، بفضل الإطلاع بشكل مكثف وموسع”.

ويضيف: “لدينا أيضا المهرجان القومي للمسرح، ومن المفترض أن يعرض أهم التجارب المحلية خلال الموسم، لكن هناك عليه بعض الملاحظات الخاصة باختيار العروض، حيث يتم اقتصار اللائحة على اختيار عرضين فقط من الجامعة للمشاركة، وهو ما لا يتناسب إطلاقا مع حجم النشاط الجامعي الذي يضم عروضا فائقة الجودة، فالمشكلة تكمن في لائحته التي يجب أن تكون أكثر مرونة، أو تغييرها ليكون هناك تمثيل حقيقي للنشاط المسرحي، فالثقافة الجماهيرية تنتج 200 عرض كل عام والبيت الفني ينتج 10 عروض، وكل منها يشارك بـ5 عروض بالمهرجان، فيجب أن تكون نسبة المشاركة مناسبة لحجم إنتاج كل جهة.”

وعن بقية المهرجانات، يقول حسان: “مهرجان شرم الشيخ لدي بعض التحفظات عليه منذ بدايته، لكن بإستمرار دوراته اكتسب القائمون عليه بعض الخبرات، أما ملتقى المسرح الجامعي فكيف يديره شخص واحد فقط دون دعم، وهناك مهرجانات إقليمية كثيرة لا نعرف عنها الكثير، وكذلك مهرجان نوادي المسرح، الذي أعتقد أن مشكلته أنه يعقد في القاهرة فقط، ويجب عليه أن يقام عام في  محافظة مختلفة، لكن أحيانا يكون لدي تحفظ على العروض التي قد لاتناسب البيئة التي تعرض فيها.”

وعن رأيه في حركة المهرجانات المسرحية، يقول: “لدينا حجم إنتاج يتجاوز 3 آلاف عرض سنويا، وبالتالي كثرة المهرجانات يصب في صالح المسرح، لكن المطلوب من اللجنة العليا للمهرجانات بوزارة الثقافة تنظيم هذه المهرجانات، حتى لا نجد أكثر من مهرجان يقام في نفس التوقيت، وأن تكون موزعة على مدار العام حتى نستطيع الاستفادة منها”.

أقرأ أيضأ : مهرجان جنوب سيناء الدولي يكرم فرقة كنعان الفلسطينية