أما قبل

صاروخ ابن فايزة فى مونديال ثقافى بامتياز

إبراهيم المنيسي
إبراهيم المنيسي

تلقيت فى الأسبوع الماضى دعوتين كريمتين.. من مجمع اللغة العربية بالقاهرة لحضور احتفالية مجمع الخالدين باليوم العالمى للغة الضاد، والثانية كانت من السفير سالم مبارك آل شافى سفير قطر بالقاهرة لحضور احتفالية السفارة باليوم الوطنى لدولة قطر ومرور ٥٠ عاما على تدشين العلاقات المصرية القطرية وهو الحفل الذى حضره د.مصطفى مدبولى رئيس الوزراء وتحدث عن طبيعة وتطور هذه العلاقات، ولعل من طيب المفارقة أن يأتى توقيت الحفلين مواكبا لختام كأس العالم لكرة القدم فى نسختها الاستثنائية التى أبهر بها العرب العالم كله سواء فى الأداء الكروى الرائع  للمنتخب المغربى رابع العالم وصاحب أفضل ترتيب لمنتخب أفريقى فى تاريخ البطولة، أو فى هذا التنظيم الأروع من جانب قطر التى كشفت للعالم كله قدرة أبناء العرب على تنظيم حدث وصفه رئيس الفيفا انفانتينو بأنه الأروع فى تاريخ البطولة..

هذا التميز العربى أداء والذى تجلى أيضا فى تفوق الفريقين العربيين السعودية وتونس على طرفى المباراة النهائية إذ فاز الأخضر على ميسى ورفاقه وتفوق نسور قرطاج على الديوك، لم يكن أروع منه غير نجاح العرب فى فرض تقاليدهم وسمات حضارتهم وقيم بلادهم الدينية على ضيوف البطولة الكبرى فى مونديال ثقافى بامتياز.. كان الحفاظ فيه على اللغة العربية فى يومها العالمى هو حفاظ على الهوية والقيمة.. والتاريخ بل والرهان على المستقبل..

وكانت لقطة الختام وصورة التتويج والشيخ تميم بن حمد آل خليفة أمير قطر يقوم بتلبيس نجم البطولة وفتاها الذهبى ليونيل ميسى «البشت العربى» والتى يعتبرها الأخوة فى الخليج مظهر الرجولة والنخوة العربية.. صورة تناقلتها وكالات الأنباء العالمية وأثارت ضجة كبرى خاصة لدى من كانوا حريصين على تشويه صورة العرب والتحريض ضد ثقافتهم وصورتهم وقيمهم.. فكانت هذه البطولة بتفصيلاتها كلها وحتى لقطة البشت العربى فرصة تاريخية انتصر فيها العرب لتقاليدهم وصححوا الكثير من المفاهيم الخاطئة والإسلاموفوبيا.. ويا له من تحول كبير..

وعلى  صعيد ثقافى آخر مهم؛ عبرت هذه النسخة الاستثنائية من المونديال عن تزاوج الأعراق واعتماد الغرب كله فى منتخباته ونجومه ومواهبه على أبناء إفريقيا السمراء عامة وأبناء العرب بالخصوص.. ولعل انطلاق الصاروخ الفرنسى الجديد كيليان مبابى هداف البطولة وصاحب الهاتريك فى النهائى المثير جدا، من سماء الدوحة يكشف من جديد عن قيمة ما استفادته أوروبا وفرنسا بالخصوص من الدماء العربية والأصول الإفريقية.. بعد زيدان وبنزيما كان الدور على مبابى وهو أيضا ابن الجزائرية فايزة العمارى وزوجها ويلفريد مبابى ذى الأصول الكاميرونية..

 مبابى صاروخ فرنسا الجديد الذى قدمته بطولة قطر كوريث شرعى قادم للأسطورتين ميسى ورونالدو معا على عرش الكرة العالمية يحمل فى مسيرته الشخصية حضوا كبيرا ومؤثرا لدور الأم مديرة أعماله ومدبرة شئونه والعازمة على إيصاله لعرش النجومية بعد أن وصلت به لصاحب الراتب الأعلى عند انضمامه لباريس سان جيرمان بصفقة قياسية هزت وأغضبت جماهير ريال مدريد..

فايزة العمارى ولدت لأبوين جزائريين عاشا فى سان دونى بباريس وتحولت من حياة الفقر والمعاناة للعبة كرة اليد حتى وصلت للمكانة الدولية ومثلت فرنسا قبل أن تلتقى بزوجها ذى الأصول الكاميرونية ويلفريد مبابى وتنجب منه كيليان الذى تعتبره فايزة مشروع حياتها الكبير..

كان حضور فايزة العمارى فى مدرجات المونديال لافتا وتأثيرها على أداء كيليان حاضرا وظل الجميع ينتظر ما يقدمه «ابن فايزة» العربية فى مونديال العرب وثقافتهم وأجوائهم التى شعرت فيها هذه المرأة ذات الأصول والدماء الجزائرية بالدفء الشديد عوضا عن برودة المشاعر والأجواء الأوروبية.. فكانت الانطلاقة التاريخية للصاروخ مبابى..

هذا المونديال الحافل بصور التزاوج الثقافى والجينى بين أبناء القارة السمراء والدول الأوروبية ومنتخباتها وألوانها قدم  لنا الألمان ببشرة سمراء وهم من عاشوا طويلا فى وهم الجنس الآرى والعيون الزرقاء والشعر الأصفر،، ولم تكن البشرة السمراء غريبة على الفرنسيين والانجليز.. وتسقط كل دعاوى التمييز العرقى تحت أقدام نجوم الكرة ذوات الأصول الأفريقية والعربية واللاتينية فى مونديال ثقافى بامتياز.. قطر 2022 تبقى بطولة فارقة كروياً وثقافياً.