جذور المأساة في دار الكتب.. من وراء اختفاء المجلدات الستة؟

د.نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة
د.نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة

بقلم : محمد سرساوى

نشرت «الأخبار» بتاريخ 15 أغسطس 2019  تحقيقًا ينتقد الحالة المزرية التى بدت عليها عملية حفظ الدوريات في دار الكتب، إلى جانب الفوضى في أروقة الإطلاع على المجلات والدوريات بالقسم المخصص في الدار، وقد دقت «الأخبار» -مبكرًا ومنذ 3 سنوات- محذرة من عواقب هذا الإهمال الذى يتعامل به البعض مع تراث مصر من الدوريات النادرة والمجلات العريقة، وقد حرص عدد من الباحثين الذين اكتشفوا خطورة ما يحدث فى دار الكتب أن يرفعوا أصواتهم عالية محذرين من وقوع كارثة ضياع أو اختفاء جزء من هذا الكنز الأدبى الثمين، وهذا ما حدث - بالفعل للأسف  بعد أقل من ثلاث سنوات، حيث حدثت واقعة اختفاء ستة مجلدات من مجلة الوقائع المصرية.. مستودع وثائق الدولة والمؤسسات فى مصر منذ انشائها فى عهد محمد على الكبير على يد رائد التنوير العلامة رفاعة الطهطاوى.

وجهت الناقدة الفنية د.نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة باتخاذ اجراء جرد شامل لمحتويات الدار، وسهرت د.نيفين محمد رئيس مجلس إدارة الكتب والوثائق القومية على تنفيذ هذه الإجراءات، ونرجو ألا يكشف الجرد عن مآس جديدة.

وعبر السطور التالية استعدنا الأصوات المحذرة من جديد لتصف لنا كيف تلقت نبأ الكارثة، وضياع جزء من هذا التراث، وبعد أن حدث ما كان يحذرون منه فماذا قال هؤلاء.


وفى البداية يقول الباحث محمد توفيق: «يحتاج الموظفون فى دار الكتب إلى الخيال فى إدارة هذا الكيان التاريخى الذى يفوق عمره أعمار العديد من الدول، فكلما أسأل هناك عن عدد من صحيفة قديمة، يقولون لى إنه فى الترميم أوغير متاح.

وحين أطلبه بصيغة أخرى يقدمون إلىّ المجلد المتضمن العدد الذى أريده، وأندهش حين أسألهم عن كتاب صادر فى فترة التسعينيات من القرن الماضى، وتكون إجابتهم ممنوع الاطلاع عليه ولا يوجد سبب حقيقى لعدم إتاحته للباحثين».

ويتساءل «توفيق»: «لماذا لم يتم حتى الآن رقمنة الإصدارات الصحفية القديمة والاكتفاء بالتخزين الورقى، مما سيؤدى إلى كارثة إذا حدث-لا قدر الله- حريق سيأكل هذه الكنوز؟ ومن صور المعاناة التى ألاقيها فى الدار رداءة تصوير صفحات المصادر والمراجع المطلوبة حيث تخرج غالبا بيضاء باهتة وغير واضحة أو سوداء معتمة، فلماذا لا توفر الدار «ماكينات» تصوير حديثة؟ ولماذا لا تضع الأرشيف الصحفى لكافة الإصدرات على الشبكة الدولية، ويكون تسديد الرسوم عبر بطاقة الائتمان».


أما الباحثة د.رضوى زكى فتقول: «المشكلة التى يعانى منها الباحثون القادمون من خارج القاهرة هى ضيق الأوقات المتاحة التى تفتح خلالها دار الكتب أبوابها، وأتمنى أن يضيفوا فترات جديدة مناسبة لهم، وأن تكون هناك فترات مسائية أطول.

وسؤالى بشأن قانون 183 لعام 2018 الذى يتحدث عن حفظ المخطوطات التى عثر عليها،أو الأعمال التى عادت إلى الوطن بعد تهريبها، هل ستكون الحصيلة متاحة للباحثين؟»، وتتابع رضوى حديثها قائلة: «أحيانًا لا يكون الباحث قد سجل موضوع رسالته للماجستير والدكتوراه.

ولذلك يجرى منعه من الإطلاع، وبعض الباحثين يرغبون فى الإطلاع على عدة مخطوطات، فيرفض الموظفون ذلك بحجة أن بحثهم لا يتضمن مطالعتها، بالرغم من أن مجال تخصصهم يسمح بذلك، مما يتطلب مرونة من المسئولين فى هذا الأمر.

وأندهش من وجود بعض المخطوطات التى يمنعون عرضها، ولا نعرف السبب رغم أنها غير مرتبطة بالأمن القومى، وأتساءل: لماذا لا يسمح للباحثين بتصوير بعض المخطوطات المرتبطة بدراستهم؟، وأطالب برقمنة المخطوطات بشراكة مع جهات مصرية أو عربية أو دولية وإتاحتها عبر الشبكة الدولية «الإنترنت» ولو بمقابل رمزى».


ويقول الباحث محب جميل: فى ظنى أن هناك العديد من المشكلات التى من شأنها أن تعطّل تقدم العديد من الباحثين فى مسار بحثهم،ويضيف: «منذ بدء ترددى على المكان، كنت ألحظ أن أغلب الدوريات خصوصًا الفنيّة تعانى من الاهتراء وتمزق الصفحات.

وعندما يبادر الباحث بطلب دورية ما من الموظف المختّص تمر بدائرة «روتينية» تبدأ بملء استمارة الاستعارة مرورًا بتوقيع الموظفين حتى ينادى عليك أحدهم لاستلامها، فتخيّل أنك تكرر هذه العملية مع عدد لا بأس به من الدوريات فى كل مرة.

وكم من الوقت ستضيع حتى تصل إلى ما تريد، ناهيك عن أن طلبك لدورية ما يُقابل عادة بالاعتذار الموسوم بأنها «مغلقة فى التراكيب» مع العلم أنك قد تأتى فى يومٍ آخر، وتطلب نفس الدورية فتجدها! «، ويتابع: «لعلّ المشكلة الأكبر تتعلّق بقاعة «الميكروفيلم» و«الميكروفيش» فالنظر عبر هذه الشرائح الضوئيّة المهترئة.

والتى مُسحت سطور بعض صفحاتها بفعل الرطوبة والتخزين، يتطلّب من الباحث جهدًا شاقًا، أضف إلى ذلك أن مسألة تصوير بعض الصفحات يحتاج إلى إضاعة وقتٍ مماثل، وأظنّ أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر لتيسير الإجراءات داخل القاعات، حتى تعم الفائدة معظم الباحثين كى لا يهدروا أوقاتًا مضاعفةً».

ويقول الباحث أيمن عثمان: «قبل عشر سنوات سابقة كان سور الأزبكية فى القاهرة وشارع «النبى دانيال» فى الإسكندرية الملجأ الأول للباحثين والصحفيين والطلبة للحصول على الدوريات المصرية القديمة بأسعار رمزية، ولكن بعد دخول الأثرياء فى المنافسة على تجميع الدوريات المصرية ارتفعت الأسعار بشكل مغالى فيه».

واستطرد: «بعد أن كانت الأسعار تتراوح بين 5 و15 جنيهًا أصبحنا نسمع عن أرقام بمئات الجنيهات للعدد الواحد، فتحولت المنافسة إلى شكل تعجيزى وغير متكافئ، وتحولت المعرفة فى سور الأزبكية لمن يمتلك القدرة المالية فقط لا غير، ففى السنوات الثلاث الأخيرة ارتفعت قيمة الاطلاع وقيمة الحصول على صور من الدوريات مما يفوق إمكانيات الباحث والصحفى والطالب.

وماديا تساوت أرشيفات، الصحف بسور الأزبكية وشارع النبى دانيال،فأصبح أرشيف دار الكتب الملجأ المناسب للباحثين، حيث الإطلاع مجانا، وقيمة الحصول على اللقطة الواحدة لا تتجاوز 3 جنيهات، وتبقى المشكلة قلة الإمكانيات، فالأجهزة فى أرشيف «الميكروفيلم والميكروفيش».

عمرها تجاوز نصف قرن، وليس لها علاقة بالجودة، مستهلكة كلية وضعيفة الإضاءة والإمكانيات، والأفلام متهالكة من كثرة الترميم غير الاحترافى التى خضعت له، وأجهزة «الاسكانر»، والأفلام «الميكروفيلم» و«الميكروفيش» عمرها من عمر أجهزة الاطلاع باستثناء جهاز واحد حديث يخدم عشرات الباحثين والصحفيين والطلاب».

واختتم عثمان حديثه قائلًا: «تبقى مشكلة الأفلام التى أصابتها الأملاح من سوء التخزين، وفى أرشيف دار الكتب للدوريات الورقية تبدو معظم الدوريات القديمة مرممة أو خاضعة للترميم، وجرى تخزينها، وبالتالى غير صالحة للإطلاع عليها، وأخشى من يوم يضطر فيه الباحث أو الطالب إلى السفر إلى الخارج للبحث عن مواد «أرشيفية» مصرية تساعده فى الكتابة عن تراث وتاريخ بلاده»!.
 

اقرأ ايضًا | الكيلاني تُشارك في جلسة الحلول المُناخية القائمة على التراث الثقافي