د.إلهام سيف الدولة حمدان تكتب: الفن .. و سيكولوجية الإنسان !

د.إلهام سيف الدولة حمدان
د.إلهام سيف الدولة حمدان

أعلم مقدمًا إنني حين أتطرق إلى موضوع “علاقة الفن بسيكولوجية الإنسان”؛ فإنني أتمنى أن أنول شرف محاولة سبر أغوار هذا العالم الغامض الجميل؛ ومحاولة تقريب المفاهيم للعلاقة الخاصة بين السيكولوجية وتأثيرها على العقل الإنساني والميل الفطري إلى حُب الأشكال العديدة من الفنون .

وللوصول إلى تقريب هذه المفاهيم؛ يجب علينا أن نتعرف أولاً على معنى ومقصد مصطلح “سيكولوجيا” . فالسيكولوجيا أو سيكولوجي ( بالإنجليزية : psychology; أو علم النفس )؛ هو العلم الذي يدرس الوظائف العقلية والسلوك. وعلماء النفس ( السيكولوجيين ) يهتمون بدراسة الشخصية : العاطفة، السلوك، الإدراك، والعلاقات بين الأشخاص وماشابه ذلك .

وقديمًا كانت “ السيكولوجيا “ تعرّف ــ بتصرف ــ بأنها دراسة العقل والظواهر العقلية؛ ولكن السيكولوجيا في دراساتها تتبع المنهج العلمي القائم على الملاحظة والقياس والتقريب، و تنقسم حسب المبادىء التي تقوم عليها السيكولوجية السلوكية، والفرضية، والتكوينية، والتحليل النفسى، وكلٌ بحسب موضوعها: فهناك السيكولوجيا العامة، وسيكولوجيا الحيوان، والاجتماعية، والتربوية، والصناعية، والمرضية، والجمالية، وبحسب منهجها: السيكولوجيا النظرية، والتجريبية، والتحليلية، والإحصائية، والإكلينيكية .

فالإنسان في تكوينه وخريطة جسده؛ مثل شجرة السنديان الضخمة التي تبدأ حياتها بالبذرة فالجذر فالجذع فالفروع فالأغصان فالأوراق فالثمار .. وحتى تستطيع أن تُنتج الأشواك التي تحمي كل هذا البنيان الإلهي العظيم؛ والعجيب أن لكل من هذه التركيبة الرائعة سيكولوجية خاصة؛ فهناك ـ في عالم الإنسان ـ توجد سيكولوجية الخطوط والألوان والنقطة والخط المستقيم والمنحنيات؛ لتحقيق الوصول إلى كيفية قراءة “ لوحة “ من الفن التشكيلي مثلاً؛ ولا ينبغي أن يفوتنا الإشارة  ــ كطبيعة إنسانية ــ إلى سيكولوجية الحُب والجنس والأبوة والأمومة؛ من أجل إعمار وتعمير الكون بمخلوقات الله إلى يوم يبعثون؛  هذا بالإضافة ـ كصراع بشري غريزي ــ إلى سيكولوجية حُب التملُّك والتسلُّط والاستحواذ؛ ولكن تبقى في نظري ــ بحكم نشأتي وتكويني وهي الأفضل والأعظم ــ  سيكولوجية الموسيقا الهادئة ومدى تأثيرها على الجنين في طور التكوين؛ والتي يقول العلماء عنها : إن الجنين يسمع مايدور حوله جيدًا ويتأثر به أيضًا .. سبحان الخالق العظيم !

وتتملكني الدهشة حين أرى فئة بعينِها ــ وبخاصة أصحاب التشدد العقائدي والديني ــ والمعروفة بتوجهاتها غير المنطقية والعدوانية تجاه الفنون بشكلٍ عام؛ فأرى أنهم ضد تركيبة الإنسان التي فطر الله الناس عليها؛ وإنكاراً للذائقة الجمالية المعجونة في جينات البشر منذ بدء الخليقة . وأرى أن العملية الإبداعية في مجالات الفن كافة؛ تعطي قدرًا كبيرًا من البصيرة حول إعمال العقل؛ بل أن الفن ـ بصفة عامة ـ يُعطي للمرء القدرة على شحذ الفكر ويمنحه الإتقان والإجادة والإلهام  في عمله أيًا كان هذا العمل الذي يؤديه في الحياة .  فالبون شاسع بين الإحساس والإفلاس! فالإحساس يوجد بوفرة عند متذوقي الفن وجمالياته وتأثيراته الإيجابية في القلب والروح والوجدان؛ والإفلاس في المشاعر يذهب بصاحبه إلى دياجير التكفير بكل ماهو جميل من جماليات الفنون وأشكالها المختلفة؛ وينظرون إلى التصوير والرسم والنحت إلى أنها “مناطحة” للخالق سبحانه وتعالى .. وهل بهذا يكون هؤلاء من الأسوياء الجديرين بالعيش داخل مجتمعاتنا الساعية بدأب إلى آفاق التنوير ؟! إنهم كجيوش “الديدان” التي تزحف بين الجثث والأشلاء بين القبور !

يجب أن نعلم أن علم نفس الفن هو مجال متعدد التخصصات والتوجهات ؛ فهو يقوم ويستند إلى أعماق الإدراك الحسِّي والمعرفي بكل وخصائص الفن وإنتاجه ؛ ويحاول دائمًا استخدام المواد الفنية من تصوير ونحت وموسيقا وغناء وطرب كشكل من أشكال العلاج النفسي الناجع؛ وأشير إلى قول أساتذة علم النفس إلى أنه  “ يرتبط  بعلم النفس المعماري وعلم النفس البيئي “ !

وسعيًا لاستكمال مابدأته من حديثٍ عن “ علاقة الفن .. بسيكولوجية الإنسان”؛ فإنني ـ للعلم بالشيء ـ  قمت بالبحث عن تفسير هذه الكلمات الجديدة على أسماع البعض منا كأساتذة لعلوم اللغة العربية وجمالياتها؛ فأسعدني أن أنقل للتوثيق والمعلومية الثقافية ـ بتصرف ــ :  “ إن علم النفس يهدف في المقام الأول إلى دراسة الإنسان وسلوکه وطبيعته البشرية، فهو يدخل في حياة الإنسان اليومية وله مجالاته المختلفة وتطبيقاته في الحياة. فما من مجال على مستوى التعليم والتربية والاقتصاد والسياسة والأمن والفن والقضاء والجيش والإدارة إلا وکان لعلم النفس تطبيقاته فيه. لقد حظى علم النفس بصورته التي هو عليها اليوم بالاحترام والتقدير والاهتمام من قبل العلوم الأخرى الصرفة والإنسانية، وولادته من رحم الفلسفة التي ظل جنينًا في أعماقها على مدى قرون طويلة من الزمن؛ ويعودُ السبب الرئيس وراء هذا الدور الواسع والممتد لعلم النفس في مجالات الحياة المختلفة، إلى الإنسان، کونه المحرك، والمبدع الأرضي الأول الذي يعود إليه الفضل في الابتکار والاختراع والبحث والاستقصاء “ .

ويمكننا ان نلخص بدورنا للتوثيق للأجيال الصاعدة؛ ولكل من يقيمون وزنًا واهتمامًا بالسلوكيات الإنسانية في الحياة؛ فالدراسات التي قام بها العلماء تهدف إلى :
 * دراسة سلوك الإنسان والحيوان بمختلف  انواعه وبيئاته المتعددة .

*يستخدم الإنسان هذا العلم للتمُّكن من فهم ذاته وشخصيته وسلوكياته وطريقة  تفكيره ودوافعه المادية والمعنوية ؛ الأمر الذي يجعله أكثر وعيًا بمكانه ومكانته في المجتمع وفي العالم ككل.

*إقامة علاقات اجتماعية أساسها احترام الأفراد والجماعات بين بعضهم البعض؛ لاختيار طريقة التفكير التي تتناسب مع إيقاع حركة وحراك المجتمعات البشرية .
إنني يحدوني الأمل في إضافة هذه العلوم الاجتماعية إلى المقررات الدراسية؛ وذلك بداية من الصف الاول الإبتدائي حتى أعلى درجات التعليم الثانوي والجامعي؛ والعكوف على دراسة الظروف البيئية والمعمارية في كل انحاء مصرنا المحروسة؛ لنكون ـ بحق ـ جديرين بتطلعات قيادة “مصر السيساوية الجديدة” إلى المستقبل المنير للوطن .. وللإنسان  ولطالما كان الفن سبيلا لبلوغ الغايات المأمولة فهو بحق علاج لكثير من معوقات النفس البشرية التي نتمناها صافية هادئة جميلة كجمال الحياة والكون وبديع صنعه وصانعه سبحانه.