عاجل

يوميات الاخبار

محمد السيد عيد يكتب: في حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

هو رجل من محبى رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبدافع الحب قام بفعل عظيم لم تقم به دولة إسلامية. إنه المهندس أحمد حمزة الذى أضاء المسجد النبوى على نفقته الخاصة.

من هو أحمد حمزة؟
هذا الرجل ليس سلطاناً، ولا ملكاً. إنه وزير فقط من وزراء الوفد قبل ثورة يوليو 1952. ولد أحمد باشا حمزة عام 1891 فى محافظة القليوبية، ودرس الهندسة فى إنجلترا، واشتغل بالأعمال الحرة، حيث أسس مصنعاً للزيوت العطرية.
انتمى لحزب الوفد، وهو حزب الأغلبية قبل الثورة. وتدرج فى مناصب الحزب حتى اختاره النحاس باشا وزيراً للتموين فى ثلاث وزارات قام بتشكيلها خلال الفترة من 1942 حتى 1952.
الباشا يطلب الإذن
تبدأ قصتنا عام 1947. هاهو أحمد حمزة مع النحاس باشا، رئيس وزراء مصر، فى مجلس الوزراء. سأله النحاس: طلباتك يا أحمد باشا؟
- أرجو أن تأذن لى سعادتك بالحج هذا العام.
- هل أستطيع أن أقول لك لا؟ موافق طبعاً. حج مبرور إن شاء الله.
- على بركة الله. اسمح لى أيضاً بأن أصطحب معى مدير مكتبى الدكتور محمد على شتا.
- ومن سيدير الوزارة حين يذهب معك؟
- وكيل الوزارة الدائم موجود يا باشا. لا تقلق. سأدبر كل شىء قبل السفر.
- حاضر يا حمزة باشا. سافر أنت ومدير مكتبك. على بركة الله.
الأرض المقدسة
وصل الباشا وصاحبه إلى الأراضى المقدسة. لبى. طاف. سعى. وقف أمام الكعبة المشرفة. بكى. طلب من الله أن يغفر له ذنوبه ويدخله فسيح جناته. يااااااااه.. كم اشتاق لزيارة هذا البيت؟
فى اليوم المحدد ذهب مع الحجيج إلى عرفة ثم إلى مِنى. قذف الشيطان بالحصى. لم تتوقف دموعه. هل يمكن أن يعود كيوم ولدته أمه؟ يا الله.. ما أرحمك بعبادك.
بعد طواف الوداع شد الرحال إلي مدينة رسول الله. كان الوقت عشاءً. صمم أن يصلي في المسجد النبوى. حاول الدكتور شتا أن يثنيه. قال له: أنت متعب من السفر. معك عذرك.
أصر على الذهاب. ذهب وذهب معه الدكتور شتا. حين أقبل على المسجد هاله ما رأى. المسجد لا يكاد يظهر من شدة الظلام. تعجب لكنه صمت. أخيراً وصل وصاحبه للمسجد. دخلا. فوجىء حمزة باشا. المسجد مضاء بقناديل الزيت. القناديل إضاءتها باهتة. لا يكاد الرجل يرى من حوله. قال لصاحبه: ما هذا؟ مستحيل!!
-ما هو المستحيل يا أحمد باشا؟
-ألا توجد كهرباء؟ المسجد مضاء بالقناديل؟ كيف؟
-هذا هو الواقع يا معالى الوزير
-هذا الواقع يجب أن يتغير
-المسألة ليست بهذه البساطة. لا توجد كهرباء أصلاً بالمدينة.
-كل مشكلة لها حل. لا تنس أني مهندس.
بعد العودة
استدعى أحمد باشا حمزة واحداً من مهندسى الكهرباء الموثوق بهم. كلفه بأن يضىء المسجد النبوى. قال له المهندس: على مهلك يا باشا. أتعرف كم تتكلف إضاءة المسجد النبوى؟
-مهما كان المبلغ سأتحمله
- لا تتعجل يا باشا. خصوصاً أن المسألة لا تتعلق بالبدء فقط، بل تتعلق بالاستمرار.
- لا تحاول تعجيزى. أريد دراسة تفصيلية لهذا المشروع.
- هذا يحتاج للسفر إلى المدينة للمعاينة على الطبيعة
- ستكون تذاكر السفر لديك غداً. المهم أن تسافر فوراً.


سافر المهندس المختص. درس المشروع. حدد الاحتياجات من المولدات والأسلاك واللمبات، والفنيين والمهندسين. ثم عاد ومعه الدراسة الوافية. وافق عليها أحمد باشا حمزة فوراً. قال له المهندس: قبل أن تشترى أى شىء أو تتفق مع أى إنسان لا بد من موافقة العاهل السعودى أولاً.
- أصبت.
وسحب ورقة من مكتبه وكتب الطلب للعاهل السعودى يرجوه فيه الموافقة على أن يقوم بإنارة المسجد النبوى. ولم تتأخر الموافقة. ذهب الرجال ومعهم المعدات واللوازم كلها إلى مدينة رسول الله. بعد عدة أشهر جاءت الأخبار بالانتهاء من المهمة، ومعها الصور التى تبين إضاءة المسجد من الداخل والخارج. وكانت الصور الخارجية تجعل المسجد النبوى كأنه يسبح فى الأنوار.


فى مقصورة النبى
فى العام التالى (1948) شد حمزة باشا الرحال للحج ومعه الدكتور شتا. أديا المناسك، ثم توجها للمدينة المنورة.
وقف أمير المدينة يستقبل الرجل الكريم الذى قام بعمل جليل في خدمة المسجد النبوى. طاف معه أنحاء المسجد. تأكد الباشا أن الإضاءة على أفضل وجه. سأل عن الرجال الذين سيبقون لتشغيل المحولات، وصيانة التركيبات. إطمأن إلى المصدر الذى سيأتون منه بالوقود لتشغيل المولدات. ترك لهم المبالغ الكافية لكل الاحتياجات، ثم ذهب مع الأمير ليستريحا.


أثناء الاستراحة مال أحمد باشا حمزة على الدكتور رشيد. همس له بكلمات. لم يتبينها الأمير. انتهز الأمير الفرصة حين خرج حمزة باشا ليسأل الدكتور شتا: ماذا كان يقول لك الباشا؟
- كان يهمس لى بأمنية حياته التى يرجو لو تحققت.
- وما هى هذه الأمنية؟
- أن يصلى فى مقصورة النبى صلى الله عليه وسلم.
صمت الأمير. قال متلعثماً: هذا الأمر ليس بيدى. إنه يحتاج لموافقة صاحب الجلالة شخصياً.
قال الدكتور رشيد: نحن نقدر نواياك الطيبة.
استدرك الأمير: لكنى سأحاول. أعدك أن أحاول.
وجاءت الموافقة. سأل رشيد الباشا: هل أنت جاهز للزيارة؟ لقد حددوا الغد موعداً لها
- مستحيل
- لم؟
- أتظن أن هذه الزيارة كأى زيارة؟ إنها تحتاج لتأهيل روحى، حتى أقابل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا صافى النفس، زكى الروح.
- متى تريدها إذن؟
- بعد ثلاثة أيام.
وظل الرجل ثلاثة أيام يتعبد، يصفى نفسه. يتأهب لأعظم لقاء فى حياته. وبعد ثلاثة أيام دخل حمزة باشا والدكتور رشيد المقصورة النبوية. دخلا فى خشوع. لم ينطق أحدهما بكلمة. كان الصمت أبلغ من كل الكلمات.
حين هم بالمغادرة دعا الله مخلصاً أن يجعل ما فعله فى ميزان حسناته.


رسالتان
كتبت فى اليوميات السابقة «معمارى عظيم» عن الدكتور مهندس محمد كمال الذى قام بتوسعة الحرمين الشريفين، وقد جاءتنى رسالتان تعقيباً على هذه اليوميات أود أن أعرضهما.
الرسالة الأولى من المهندس مدحت عاصم. يقول فيها:
«... أود الإشارة أننى قد تفضلت وشرفت بلقاء الدكتور محمد كمال إسماعيل رحمه الله، وسمعت منه مباشرة دون وسيط، أول علاقة له بالحرمين وبالمملكة العربية السعودية، أنها كانت فى عهد الملك عبد العزيز، وفيها زار مكة لأول مرة لمعاينة الحرم، وكان رفيقه من جدة لمكة الأمير فيصل، والذى أصبح ملكاً للسعودية فيما بعد، قبل الملك فهد بمراحل، وأنه عند زيارته مكة نزل فى ضيافة واستراحة الأمير فيصل بن عبد العزيز. هذا للعلم والله من وراء القصد.


الرسالة الثانية من الدكتور فهيم البسيونى أستاذ الجراحة بطب القاهرة، يقول فيها:
قرأت مقالتكم المعنونة «معمارى عظيم» بخصوص الدكتور محمد كمال وما فعله فى توسعة المسجد الحرام، وهو مدعاة للفخر لكل مصرى، وأحببت أن أزيدكم علماً فى هذا الأمر.
بدأ مشروع الملك عبد العزيز فى عهد الملك سعود، رحمهما الله، فى خمسينيات القرن الماضى، واستجلب من مصر بعض المهندسين، على رأسهم المهندس عمرو بهجت، الذى لم يتحمل صعوبة الحياة فى مكة آنذاك، وجاءه عرض للعمل فى المسجد الأقصى، فطلب من صديقه المهندس على البسيونى أن يحل محله. وكان الأخير يعمل فى بلدية الإسكندرية، وأتم بناء كبائن استانلى ذات الأدوار التى لا يزال منها جزء حتى اليوم. كان هذا عام 1958.


وظل المهندس على البسيونى يعمل كبيراً لمهندسى مشروع توسعة المسجد الحرام لمدة عشرين سنة، فى عهد الملك سعود ثم فيصل رحمهما الله، حتي توفى فى عام 1978. طبعاً هذا الكلام مدون فى كتب وسجلات الحرم، ولدينا كثير من التفاصيل والصور وبعض الفيديوهات التى تثبت صحته، والتى تعطى الحق لمصر ولوالدى رحمة الله عليه»


ولا بد أن أشكر السيدين الفاضلين المهندس مدحت عاصم والأستاذ الدكتور فهيم البسيونى، على هذه المعلومات، لكنى فى الحقيقة كتبت عن الدكتور محمد كمال الذى قام بتوسعة الحرمين فى عهد الملك فهد فقط، وقلت هذا صراحة فى يومياتى، ولم أتجاهل جهود السابقين، ولم أكتب عن محمد كمال إلا ما قرأته وتأكدت منه، أما ما لم أقرأه وأتأكد منه فلم أكتبه، لكنى أشكر كل من أضاف معلومة لم أعرفها على مسئوليته.