الشاعر السيد خلف أبو ديوان: أنا «السلطان» رائـد مدرسـة الجن!

الشاعر "السيد خلف"
الشاعر "السيد خلف"

عبدالهادى عباس

رائد مدرسة الجن، مدرس التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ومحاضر بمعهد الإذاعة والتلفزيون، وملقب بالسلطان، فاز بجائزة المهرجان الدولى التاسع لمسابقة القلم الحر للإبداع العربى 2019، وحاز المركز الأول فى المسابقة الدولية لمؤسسة هبة بندارى للتنمية سنة 2020، فرع الشعر الحر، ووصل إلى الحلقة النهائية من مسابقة (أمير الشعراء) فى دورتها التاسعة 2021 بدولة الإمارات، إنه الشاعر السيد خلف «أبو ديوان»، الذى حقق أرقامًا قياسية فى الارتجال والتنوع الموسيقى والتأثير فى النقاد والمتلقين عربيا وعالميا، وحصل على لقب (المجدد) ورشح ضمن خمسة عشر شاعرًا للمنافسة على اللقب الشريف بمسابقة (كتارا) لشاعر الرسول 2021 بقصيدة «رحلة إلى ذروة السنا»؛ ولم تعد لديه فرصة للفوز بجائزة الدولة التشجيعية بعد تجاوز الأربعين!
وفى السطور التالية إطلالة على تجربته، كما يرويها على لسانه:

لدى أربعة دواوين مطبوعة، ومثلها تحت الطبع، وعشرون كتابا، ومسرحية شعرية (سيناء وكربلاء) أظنها تاج أعمالي، اعتمدت فيها شعر التفعيلة مكتفيا بدور الراوى لا القاضي، أتحت لكل شخصية تقديم المبررات الممكنة لتصرفها فى حراك إنسانى عجيب، موظفا تقنيات القص والرواية والمسرح، من سرد وحوار وتبئير وتكثيف وتفصيل وإجمال وإيماءات وإيحاءات ورموز وإسقاطات داخل تيار الوعى، فى لغة جديدة، مزجت بين الرقيق والجليل، خاصة ما يتعلق بيزيد والحسين دون إثارة نعرات مذهبية ولا طائفية؛ ومتفائل باستعادة المسرح الشعرى جمهوره الذى أراهن على وعيه وثقافته.

الصدق.. التجديد والأزمة

يأتى تجديدى انعكاسًا لما تدعو إليه (مدرسة الجن) التى لم تنف القديم ولم تدِّعِ تهميشه، حيث تثمن تجارب السابقين، وترى بعين ثالثة ما يمكن إضافته صونا للحرف، وحرصًا على استعادة دولة الفن الأول (الشعر)، ورغبة فى التميز والتفرد والوصول إلى الجمهور بكل أطيافه.
فالتجديد اختلافٌ واعٍ، ومغامرة نبيلة، وحق مشروع لكل مبدع يُدرك قيمة الفن وأهمية التحرر فى الأطر وكسر أفق التوقع، فالمجدد مَن يُقدم أرقامًا جديدة شكلا ومضمونا؛ لأن لغة الأرقام غير نسبية، أما الفنون والأفكار والآداب والأحكام النقدية فنسبية انطباعية، وأحيانًا مزاجية.
أرى أن صدق التجربة أو تمثلها والإيمان بقيمة مفرداتها، والتسلح بأدوات إبداعها أهم ما يمنحها الخلود، وأن للشاعر الحق فى لغة خاصة يصنعها مع الزمن إذا كان طموحًا ينزع إلى المغايرة، وقد يجد بعض المحظوظين مَن يُصفق لهم، غير أنهم لا يصمدون ولا يعيشون طويلًا.
الأدب كائن حى متطور، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعى السريعة فى حراكٍ ثقافى مُهم وساعدت المبدعين على التلاقح والتثاقف ومطالعة التجارب المختلفة إبداعًا وبحثا وتنظيرًا.
الأدب فى أزمةٍ حقيقيةٍ؛ كل يغنى على ليلاه، بلا رؤية واضحة ولا مشروع نهضوى شريف، بعد أن سيطرت الأنا وباتت الغلبة للمادة، وتشتت السبل، وتباعدت الجهود بغير فائدة لغياب التخطيط السليم والدعم الواجب. فوجدتُ الحاجة ملحة لغزو المعاجم العربية وتقديم كل شاعر معجمًا خاصا يثرى شعره وثقافته وذوق الجماهير المتعطشة لجديدٍ غير مبتذلٍ من كثرة تكراره، ودورانه فى أفق محدود، منحسرًا فى ألفاظ بعينها، خاليًا من الصور الماتعة والأخيلة الخصبة، والموسيقى الداخلية الساحرة، حتى صار كله- إلا ما رحم عبقر - نحتًا من نحت، وتقليدًا لتقليد، فغاب الطريفُ الأصيلُ عن المشهد الأدبي، إلى أن مجَّت الأذواق شعر المنتديات والصالونات، وزعم كثير من النقاد أنَّا فى زمن الرواية.
وأنا لا أرفض أى منجز أدبي، غير أنى أحب تسمية الأشياء بما تستحقه فنيا، ولا مانع من التفعيلة إذا لم تغرق فى الإيهام وتتخلى كليا عن القافية؛ فكل عمل فنى جمالى يعبر عن إحساسٍ ما.

قتلت نفسها!

قصيدة النثر منجزٌ أدبى راقٍ شديد التماسك ضارب بجذور سحرية فى أعماق الوعى، غير أنه قتل نفسه بنسبته إلى غير جنسه، فظل فى صراع مرير، يُحارب طواحين الهواء مع أب عجوز يُنكر نسبه فتصارعا وتجاذبا، وكوّن كل فريق جيشًا من الأعداء لا من الداعمين؛ فقلت فرصهما فى الذيوع والتجديد، ولا أرى الشعر إلا ما سهل على الإنسان حفظه بعد أن يستوفى حدوده المعروفة.
الوطن المحرك والملهم والأساس والصوت وصورة الحبيب، حاضر فى شعرى كله تلميحًا وتصريحًا منذ الديوان الأول (كلمات آخر رجل عربى)، حتى مسرحيتى الشعرية (سيناء وكربلاء).
المرأة مهبط العبقرية وسر الخلود وأصل المغايرة وصوت المفارقة ومصل الرحلة وعذابات الطريق وأنشودة المجد والمدينة الفاضلة والنخلة المثمرة والأرض الطيبة والفرس الجموح.. وأرى نفسى عنصريا إذا فرقت بين شاعرية رجل وامرأة، الاختلاف بينهما كالاختلاف بين شعراء الجنس الواحد؛ فالمعيار فى الكيف والقدرة على التنوع وتحقيق الدهشة وترك البصمة.
آمنوا بحظوظكم فى اعتلاء المنصات يومًا ما، وقدموا لإبداعكم ما يخدم الموهبة ويرعى استمرارها، ويضمن احتفاء الناس بها حين تأتى- ولا بد أن تأتى- الفرصة.
ساعدت مسابقة أمير الشعراء المبدعين فى تنقية منجزهم الشعرى وتقديم أفضل ما لديهم، وإمداد الذائقة العربية بآلاف النصوص الجديدة، وتعزيز أواصر الصداقة والتواصل والاطلاع على تجارب متنوعة من مختلف الأقطار بثقافات متفاوتة شكلا ومضمونًا لإثراء المعرفة وتشجيع المواهب ومنحهم فرص المشاركة والشهرة وتحسين أوضاعهم الحيوية فى معية المدارس النقدية المختلفة للمحافظة على التراث والدعوة إلى التجديد وكسر أفق التوقع وتحقيق الدهشة والارتقاء بالنفس الملهمة فى عالم الحرف الرحيب، ووجهت بوصلة الاهتمام المرئى لدى المتلقى العربى إلى الشعر، وأوجدت حالة من الحماسة البناءة والتنافس الأدبى الشريف، فأضافت عصورًا من الجمال والجلال والمغامرة.

صالون الجن!

كنت راضيًا جدا عما أقدمه وأنا أصنع مجدًا جديدًا يليق بالشعر الحقيقى وبتاريخ البرنامج الأهم وبسيرة أم الدنيا مصر، وبالشعرية العربية، لكنى خشيت أن أكــــون ســببا فى تخييب ظن الجمهور العـريض الذى آمـن بـــــــــى وبمـوهـــبتـى، وخفــــت كـــــذلك أن أحرمه أهم لحظات السعادة التى انتظرها بشغف يفوق مباريات كرة القدم فى أقسى لحظات القلق فى أثناء قرار لجنة التحكيم أو نتيجة التصويت.
أجتهد فى الحفاظ على إصدار مجلة مدرسة الجن الشهرية وهى (ثقافية أدبية متنوعة)، وتدشين صالون الجن، وطبع إبداعات مدرسة الجن فى الشعر والقصة والنقد، وعمل ندوات تثقيفية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2022م، وإصدار كتاب الجن (وثيقة القرن) - بعد قرن من ظهور الديوان فى الأدب والنقد للعملاقين الأستاذ العقاد ورفيقه المازنى - وفيه رؤية الرائد المؤسس والمردة وبعض المبدعين والنقاد والأكاديميين فى الوطن العربى، وإصدار جريدة ورقية ناطقة باسم المدرسة، وإنشاء قناة فضائية تهتم بالثقافة والإبداع والفنون، وتشجيع الغناء بالفصحى والاستعانة بقياصرة الغناء والطرب الأصيل.

كلنا مذنبون!

أشد ما يؤلمنى أننا مذنبون كلنا فى العملية الإبداعية والتعاطى معها، المبدع يعتد بنصه ويرغب فى اهتمام النقاد به، غير أنه يغضب إذا لم يرض النقد غروره، ويثور حين تهدأ أصوات الطبول، والنقاد - إلا من رحم ربي - تسيطر على أحكامهم - وجلها انطباعى غير مؤسس على نظرية ولا مستند إلى منهج - علاقات شخصية توجهها المصالح والأموال والغرائز والأمزجة والمواءمات والأيديولوجيات فى إطار براجماتية حقيرة تتكئ فى الظلام على مبدأ (شيِّلْنى واشيِّلك)، فشاهت منابع الحسن ولم تخرج عن مسارها التقليدى الهرم؛ خوفا ألا تعانق المصب، وانزوى سحر التطبيق بانحراف سلوكات الأصنام، بين سراديب التنظير المبتذلة والدونية المقيتة، فانخفضت أسهم الأدب العربى فى بورصة العولمة والرقمنة والفرق البحثية والمشروعات القومية العملاقة.

أقرأ أيضأ :الطرق الصوفية: وزارة الأوقاف مدرسة رائدة في نشر الفكر الوسطي