محمد حامد يكتب: سِهَام ١٩٨٢ 

محمد حامد
محمد حامد

مجموعة حكايات داخل قصة لم نشهد مثيلها، تُرسل سهامها لتسكن القلوب، يذهب أناسٌ وتتغير الأجيال، إلا هى ثابتة كما لو كانت جبلا شامخاً، وفى أول أيام متابعتها بدا الأمر عادياً، هناك بلد لديه لاعب يتحدث الجميع عن ظاهرته، رغم صغر سنه تُوج بأهم بطولات كرة القدم، كأس العالم، ليس مرة بل ثلاث، هو بيليه بالطبع، والبلد غنى عن التعريف، البرازيل، حتى هذه اللحظة الأمر قد يكون أشبه بالطفرة المؤقتة التى ستنطفئ بمجرد غياب مولّدها، إلى أن جاءت النسخة التى رسخت فى الذهن فكرة لم يذعذها أحد، استقرت برُكنٍ هادئ تماماً لا يتأثر بانفجارات ولا زلازل ولا براكين، بالتحديد فى عام ١٩٨٢، النسخة الثانية عشر من المونديال، كما هو معتاد، توقع الجميع إثارة طبيعية للمنافسات، وأنهم سيشاهدون مجرد مباريات فى كرة القدم تنتهى كل منها بعد ٩٠ دقيقة وقضى الأمر 
إلا أن هذه المرة البرازيل كانت مختلفة،  نثر لاعبوها سحراً خاصاً على المستطيل الأخضر.
قائدو هذا الغزو الكروى كان أبرزهم سقراط وفالكاو وزيكو وغيرهم، لم أعاصرهم ولم يعاصرهم كثير من الشباب، إلا أن كل الأفلام الوثائقية وكل من عايش تلك الفترة يسرد شعرا عما شاهده من هؤلاء بقميص البرازيل، هذا الجيل لم يتوج بمونديال ٨٢، ليخيّم الحزن  على من رأى خسارة مرتدى القميص الذهبى أمام الطليان الذين أنهوا مباراتهم بمجرد فوز  لم يمح من ذاكرة الشعوب مهارات جيل السامبا  .
حدثت نفسى كثيراً عن الانطلاقة الحقيقية للبرازيل مع المصريين والعرب والعالم أجمع، والتى مازالت حتى هذه اللحظة، وستدم أبداً ما حيينا لأن چينات المتعة تتجدد ولن تنضب .
حتى أننى سرحت فى سر ارتباط الجميع بهذه البلد، حتى خارج كرة القدم، فمثلاً معروف الارتباط الوثيق بالبن البرازيلى، ورقصة السامبا الشهيرة بعد كل هدف يُسجل، إنسانيتهم غالبة وتجعلهم قريبون منا، وحتى حملة لولا دا سيلفا قبل انتخابه مجدداً رئيسا للبرازيل أظهرت دعمه للقضية الفلسطينية .
وبالعودة للقدم، وتناقل الكرة، انظر إلى معزوفتهم حينما يصعدون بهجمة تلو الأخرى .
كنت سعيد الحظ، فأول مونديال أعاصره كان نسخة ٢٠٠٢، مجموعة حرف ال"r" الشهيرة، رونالدو وروبيرتو كارلوس وريفالدو ورونالدينيو، توجوا بهذه النسخة لأصبح منذ ٢٠ عاماً  وأنا أسير لمتعتهم، الغالبية كذلك، انظر للمقاهى والبيوت وقت مباراة البرازيل فى نسخة ٢٠٢٢، الكل تسمّر أمام وصلة المتعة، والغالبية تتمناهم أبطالا فى مونديال العرب بالدوحة، ليكن رداً لجميل المتعة التى أرسلتها أجيالا متعاقبة من هذه البلد .
 ويكفى أن أهم مباراة فى تاريخ منتخب مصر كانت أمام البرازيل ٢٠٠٩، لم نفز بها، ولكن استعرنا منهم أهم مميزاتهم خلال ٩٠ دقيقة، -المتعة- وكأن المصريين تشبعوا بنسخة ١٩٨٢، فأرادوا ترك رسالة تُعلّقهم بهذا الجيل، متّع واستمتع وحتما ستستحوذ على قلوب جماهيرك مهما كانت النتيجة، فى مباراة ٢٠٠٩ امتدح المعلق عصام الشوالى منتخب مصر خلال هذا اللقاء قائلا : إنها البرازيل، إنها البرازيل.. ليكن خير وصف موجز، إذا أردت أن تقترن بالمتعة والنجاح فى هذه اللعبة، عليك ان تلعب مثل البرازيل، إن استطعت !