يوميات الأخبار

اصطياد الزبون

شعبان ناجى
شعبان ناجى

وتظل السوق الكبيرة منصوبة على هذا المنوال من دون أن يقرأ أحد المنتج المعروض، فقط يتحول الموضوع برمته إلى طقس احتفالى «مجاملاتى» لا أكثر

أينما سرت وأينما تحركت وأينما دخلت دكانا من الدكاكين الكثيرة، أو اضطرتك الظروف القاهرة فركبت أحد التاكسيات أو التكاتك، فسوف تسمع حتما القرآن الكريم (ترتيلا وتلاوة) منبعثا من أثير إذاعة القرآن الكريم، وهذا طبعا شيء جميل ومحمود ويحبه السواد الأعظم من المصريين؛ لكنك فى الوقت نفسه قد يصيبك الحظ العاثر؛ فتكون ضحية لهؤلاء ومن ثم يتم اصطيادك بسهولة عبر شبكة الإذاعة.

فمثلا، أنت تذهب (بعد شوق طويل) إلى السيد المبجل الجزار لكى تشترى كيلو لحم للأولاد، فتضطر إلى السير طويلا مارا بعدة محلات للجزارة فتبحلق وتدقق وتمصمص شفاهك أمام اللحم المعلق على «السبية» كى تختار جزارا طيبا لين العريكة (لا يتعارك) وابن حلال وسعره «حنين» ويا سلام لو كان يلبس أبيض فى أبيض وكانت فى جبهته علامة الصلاة والصلاح، وأهم من هذا كله أنه «يشغل» إذاعة القرآن الكريم ليل نهار؛ لذا فهو يرد سلامك وهو يكاد يبكى من كثرة الإيمان على رأى عادل إمام.

وعندما تطلب منه وبصوت أكثر إيمانا ومسكنة كيلو لحم، وتوصِّيه بأن يكون أحمر مشفيًا؛ لأنه زيارة لمريض، فتجده من فوره ومن دون أن يعيرك التفاتا يشحذ ساطوره ثم يرفعه فى الهواء ليهوى على كتلة اللحم وهو يعطى لك ظهره العريض فلا ترى القطعة التى قطعها ولا ترى الميزان الذى وزن عليه، فقط يفاجئك بورقة اللحم التخينة واضعا إياها فى يمينك، وعندما تعود إلى البيت تجد المأساة حية متجسدة؛ فلا اللحم لحما ولا الميزان مضبوطا، ساعتها تنزل دموعك؛ لكن صوت الترتيل يستقر فى أذنك مستدعيا الآية الأولى من سورة المطففين.

وإذا حكيت هذا الموقف لواحد من الراسخين فى معرفة ألاعيب الجزارين؛ فسوف يكشف لك عن السر قائلا: إن الجزار يثبت أسفل الكفة قطعة دهن تصل إلى ربع كيلو، كما أنه يركن بجوار الكفة بعض «الشغت» والدهن، فيضع جزءا كبيرا منه فى الكفة.

أما إذا انتقلنا إلى بائع الخضروات، فالأمر سيكون أكثر طرافة، فإن أردت أن تشترى كيلو طماطم تكون جيدة و «حنينة» فى السعر أى مكتوب على اليافطة المعلقة ثلاثة جنيهات ونصف، ويكون النصف مكتوبا بخط منمنم لا يبين، ساعتها سوف تقول يا فرج الله وتحس فى نفسك أن هذا البائع طيب ويشعر بأحوال الناس، وطبعا هو أيضا يشغل إذاعة القرآن وينشر البخور فى المكان وما حوله، ساعتها تقبل عليه مسرورا مبتهجا طالبا شنطة لانتقاء الطماطم ثم تطلب منه أن يزن لك كيلو ونصف ثم تخرج له الورقة فئة الخمسة جنيهات، ساعتها يتغير وجهه وتبرز أسنانه السوداء المكسورة قائلا فى استنكار: إيه دا يا عم الطماطم بتمانية ونص، فترد عليه مستغربا: طيب واليافطة دي.. فيقول لك متهكما: اليافطة أهه.. ثم يدير اليافطة فتجد مكتوبا على ظهرها ثمانية جنيهات ونصف بالحساب، والنصف مكتوب بخط منمنم لا يبين.

السلام عليكم

عندما أخرج صباحا من باب العمارة التى أسكن بها، أجد البواب جالسا على دكته الأثيرة، فأقول له مبتسما: صباح الخير، فيرد ممتعضا قليلا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وإذا ما دخلت إلى الميكروباص الذى يقلنى إلى عملى فأقول للسادة الركاب: صباح الخير، فإما أن يرد أحد بصعوبة وبصوت خافت يكاد لا يظهر: وعليكم السلام... وإما لا يرد أحد منهم على الإطلاق.

وحين تدخل الإدارة التى تعمل بها وتقول للزملاء الثلاثة الموجودين: صباح الخير، فلا يرد أى منهم؛ لكن قد ينبرى لك واحد منهم معاتبا أو موبخا إياك: اسمها السلام عليكم وليس صباح الخير يا أخي، ساعتها تحاول أن تخرج الفيلسوف القابع فى جوفك؛ فتروح شارحا له أن كلمة الخير أعم وأشمل، فالسلام ما هو إلا جزء صغير جدا من الخير الذى لا تحده حدود، ولكن عندما تجدهم جميعا متجهمين يريدون الانقضاض عليك؛ لحظتها تحاول أن تلطف الجو، فتقول إنه لا غبار أن نقول صباح الخير فى الصباح ومساء الخير فى المساء، وما بينهما نقول السلام عليكم.

لكنك وبعد مرور فترة من الزمن، ترى نفسك راضيا بالأمر الواقع فلا تجد مناصا من أن تقول للجميع السلام عليكم ناسيا تماما صباح الخير، ثم تمر فترة أخرى من الزمن، حيث تصبح السلام عليكم قاعدة وأيقونة، بعدها تحدث المفاجأة المدوية، فتقول وأنت تدخل مكانا ما: السلام عليكم، تجد من يرد عليك بكل ثقة ومحبة وإيمان: صباح النور يا فندم.

فيصل... تحرير

غريب جدا أمر معظم سائقى الميكروباص، أو «المشاريع» بتعبير أهلنا الإسكندرانية، ففى موسم المدارس والجامعات يكثر الزحام والاختناقات وتقع المعارك بصورة فظيعة، ومن ثم تجد معاملة السادة السائقين قد تغيرت 360 درجة؛ فبعد أن كان السائق فى الأيام العادية «يشحت» الزبون من على الأرض، الآن تجده لا يلتفت إلى البشر المبدورين عند النواصى وبطول الطرقات وأحيانا بعرضها، وبعد أن كان ينادى على الراكب بكل قوة وإخلاص وتفان، أصبح الراكب هو الذى ينادى عليه بكل ضعف ومذلة واستجداء؛ فيقول: فيصل يا عم الأسطى.. تحرير يا عم الأسطى؛ لكنّ عم الأسطى لا يسمع أحدا ويمر دون أن يأبه لأحد كائنا ما كان.. ساعتها ماذا يفعل الزبون المسكين؟ إنه لا يجد بدًّا إلا أن يوجه نداءه إلى زملائه من الركاب القابعين فى السيارة: «تحرير يا أستاذ.. فيصل يا مدام»؛ لكن الأستاذ يدير وجهه إلى الناحية الأخرى وكأنه يتفرج على الطبيعة، وأما المدام فتنظر إليه بقرف أرستقراطى مصطنع وممجوج.
ولأن جهد المجتهد الصابر لا يضيع سدى؛ فقد تجد بعد أن يغلب حمارك مكانا فى الميكروباص، وتجيء جلستك بجوار الشباك الأيمن المواجه للمنتظرين على الطرقات، ساعتها تجد الركاب وقد وجهوا استغاثاتهم إليك: «فيصل يا أستاذ.. تحرير يا باشمهندس»، ساعتها ويا للهول تحدث الصدمة الكبرى، حيث تجد نفسك تدير وجهك عنهم ولا ترد على استغاثاتهم.

اشتروا الصحف

السادة الزملاء والأصدقاء الشعراء والنقاد والصحفيين من سكان كوكب الفيس بوك لا يملون طيلة اليوم من عرض سلعتهم من الكتابات التى نشروها، سواء كانت فى صحف ومجلات أو كانت فى صورة كتب مطبوعة، فتجد واحدا منهم يقول: هذا مقالى فى جريدة كذا أو مجلة كذا، ويقول آخر: هذا غلاف كتابى انتظروه فى معرض الكتاب القادم، وتظل السوق الكبيرة منصوبة على هذا المنوال من دون أن يقرأ أحد المنتج المعروض، فقط يتحول الموضوع برمته إلى طقس احتفالى «مجاملاتي» لا أكثر، ومن ثم نخسر أفكارا محترمة ومؤثرة قد تكون منشورة فى بطون هذه الصحف، ذلك لأننا لم نعد نقرأ ورقيا ولا نقرأ حتى إلكترونيا.

لكن – والأمر كذلك- قد يسأل سائل: وما فائدة أن نشترى الصحيفة طالما استطعنا قراءة مقال صديقنا الكاتب من الفيس؟.. ونقول له: الفائدة مركبة يا إكسلانس، فأولا سوف نطالع المقال صديقنا الكاتب وجها لوجه، وعلى هذا نستطيع أن نفند ما فيه، فنقبل ما نقبل ونرفض ما نرفض، ثم نروح بعدها نناقش الكاتب فى أفكاره فيستفيد هو ونستفيد نحن.. وثانيا أننا بشرائنا الجريدة نحدث نشاطا فى حركة البيع لهذا الجريدة، ومن ثم نحفزها ونحفز القائمين عليها ممن يخدموننا ويخدمون كلمتنا فى الاستمرار والصمود أمام التيار الذى يقاتل من أجل إلغاء الصحافة الورقية التى يظل لها بريقها ومتعتها لدى القارئ المتذوق الذى يقدر ذلك حق التقدير.

واتس إلى:

السيد المحترم وزير الزراعة: مساحات كبيرة من أجود الأراضى الزراعية بالوجه البحري؛ وخصوصا بقرى كفر المرازقة والمنشأة الكبرى بمحافظة كفر الشيخ، تحتاج مراقبة لمصادر الرى؛ حتى لاتصاب هذه الأراضى بالملوحة الشديدة.

السيد المحترم محافظ الجيزة: نريد أن نعرف من سياتكم المعايير التى وضعتها المحافظة لرصف الشوارع؟.. إننا نجد شوارع ضيقة جدا وقصيرة جدا؛ لكنها مرصوفة على أحسن ما يكون الرصف، فى حين نجد شوارع أخرى رئيسية وحيوية وعليها ضغط شديد ولكنها للأسف ليست مرصوفة.

السيد الدكتور رئيس هيئة الكتاب: سعر كتاب الهيئة تعدى سعر الكتاب فى دور النشر الخاصة؛ لذا فلم يعد أحد يشترى كتب الهيئة، فأين دعم الكتاب فى مؤسستكم العريقة؟

السيد الأستاذ هشام عطوة رئيس هيئة قصور الثقافة: كتب الهيئة مخزنة فى المخازن وفى منفذ البيع، ولا يتم توزيعها فى الأسواق كما كانت فى العهد الماضى حيث كانت متاحة مع الباعة فى كل كفور ونجوع مصر.. الرجاء عودة التوزيع، فالقارئ لا يزال ينتظر.
• باحث فى التراث العربى