دولة الرايخ الجديدة.. أسرار انقلاب ألمانيا والأمير الثري والكوماندز المتطرف

مجموعة من أنصار الرايخ الألماني
مجموعة من أنصار الرايخ الألماني

في عام 2016، استيقظ الألمان على واحدة من جرائم القتل النادرة في بلد هو الأقوى اقتصاديا بأوروبا.. جريمة قتل ضابط يتبع لوحدة شرطية خاصة، لكن المخيف في الأمر أن القاتل هو أحد المنتمين لـ«حركة موطني الرايخ».


جريمة قتل أرعبت الألمان، لكونها استهدفت رأس الأمن بالبلاد، وبعد شهور من ارتكابها وسلسلة من التحقيقات كانت الصدمة عن ظهور «دولة داخل الدولة»، قادت لها سلسلة تحقيقات أجريت مع القاتل «ولفجانج» مع قاتل الضابط بعد محاولات مستميتة للحصول على معلومات منه.


حينها انتهت جريمة القتل بحكم من محكمة في بافاريا بسجن المدان بالسجن مدى الحياة، لكن المخابرات الألمانية الداخلية منذ تلك الجريمة وعلى مدار 6 سنوات متتالية بعدأت في تعقب واحدة من أخطر الجماعات التي تهدد وحدة الأراضي الألمانية ألا وهي «دولة الرايخ» المزعمة.


سر العودة


قبل ساعات، وامتدادا لسلسلة من الاضطرابات التي شهدها العام 2022، عادت المجموعة المتطرفة نفسها للظهور مع إعلان السلطات الألمانية تنفيذها عمليات مداهمة في أنحاء البلاد، اعتقلت خلالها 25 إرهابيا من اليمين المتطرف خططوا لـ«إسقاط الدولة الألمانية».


عمليات الاعتقال امتدت لـ11 ولاية ألمانية، إذ كانت الهجمات المزمعة ستستهدف مباني البرلمان ومؤسسات اتحادية في إشارة لرفض دولة ألمانيا الاتحادية.

 


مخططات «كارثية» يقف خلفها مجموعات تطلق على نفسها مواطني الرايخ أو أصحاب جنسية الـ«رايخ برجر»، ترفض كل ما يرتبط بالدولة الألمانية الحديثة التي قامت على انقاض «الرايخ الثالث» بعد انهيار دولة هتلر النازية، مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.


هؤلاء أيضًا يمتلكون خرائط لدولتهم القديمة «الحديثة»، التي تعود لثلاثينات القرن الماضي، وتشمل مدنًا كاملة داخل الأراضي الفرنسية والبولندية، حاليًا. ويعني هذا عدم الاعتراف بالمحاكم والسلطات الحكومية.


إنكار دولة المستشارية الاتحادية في ألمانيا حاليا يشمل كذلك عدم دفع الضرائب أو الغرامات والاحتفاظ بـ«جوازات سفر» خاصة تحمل شعار دولتهم القديمة وكذلك لوحات سيارات لها.


جيش خاص


ثلاثة أسماء مقترحة من قبل المتطرفين الألمان على دولتهم، تجمعهم ولايات وهمية إلكترونية على شبكة الإنترنت، ضمن أقاليمهم الوطني الصغيرة الخاصة بهم، والتي يطلقون عليها «الإمبراطورية الثانية» و«دولة بروسيا الحرة» و«إمارة جرمانيا».


ومع وصول عددهم إلى أكثر من 20 ألف متطرف في ثلاث ولايات ألمانية على وجه التحديد «بافاريا» و«بادن فورتمبيرج» جنوب البلاد، وشمال الراين وستفاليا، كان المخيف للسلطات الألمانية هي بدء تلك المجموعات في التخطيط الفعلي لتأسيس جيش خاص.

 


وفي قرار غير مسبوق بألمانيا، ولأول مرة منذ إنشاء البوندسفير في عام 1955، جرى حل إحدى وحدات القوات الخاصة بالجيش الألماني، بعد سيطرة اليمين المتطرف إحدى وحدات النخبة «قوات كوماندوز»، ومقرها في كالو بالغابة السوداء.


إلى جانب وجود جنود من اليمين المتطرف بشكل علني، كشف تحقيق عسكري وقتها عن اختفاء 37 ألف ذخيرة و62 كيلوجراما من المتفجرات داخل وحدة النخبة هذه، ليتم إجراء جرد عام للمخزونات العسكرية.


تقارير المخابرات الداخلية الألمانية أكدت أن أعضاء حركة موطني الرايخ من عدة ولايات ألمانية التقوا في «اجتماع تآمري» لتأسيس منظمة مسلحة، حيث يقوم أعضاء هذه الحركة بطباعة جوازات السفر ورخص القيادة لدولتهم المفترضة، حتى إنهم ينتجون قمصاناً وأعلاماً لأغراض الدعاية.


من بين أخطر المعتقلين، شخص يدعى «هنري الثالث عشر» بعد مداهمة منزله في فرانكفورت، وهو مقدم سابق في الجيش الألماني، كان قائدًا لكتيبة المظلات خلال التسعينيات ومؤسس وحدة القوات الخاصة الخاصة، واضطر إلى ترك الجيش الألماني في نهاية التسعينيات بعد أن خرق قانون الأسلحة.

 


صحيفة لوموند الفرنسية قالت إن مواطنة روسية تدعى «فيتاليا ب»، ووصفتها الصحافة الألمانية بأنها رفيقة هنري الثالث عشر، كانت وسيطًا في الاتصال بين المجموعة المتطرفة والسلطات الروسية من أجل الحصول على دعم محتمل على حد قولها.


النيابة الألمانية أكدت في بيان أن فيتاليا ب تولت مهمة الوساطة، لكن وكالة أنباء «ريا نوفوستي» و«تاس»  نقلت عن السفارة الروسية في برلين نفيا قطعيًا لأي علاقة بين موسكو والمنظمات الإرهابية غير الشرعية في ألمانيا.


الأمير المنتظر 


من المعلومات الاستخباراتية الألمانية أيضًا أن «حركة موطني الرايخ» وأخواتها المتطرفة تمثل التهديد الأول للبلاد وقبل تنظيمي القاعدة وداعش، قبل الإعلان اليوم عن اعتقال رأس المؤامرة الإجرامية، المتضمنة عناصر من «سليل النبلاء الألمان وجنود سابقين ومواطن روسي ونائب سابق لليمين المتطرف».


أما قائد المجموعة فحددته الصحافة الألمانية بأنه «الأمير هنري الثالث عشر»، ويشتهر بأنه سليل سلالة من حكام أرض تورينجيا، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر سبعين عامًا، نأى بنفسه ومعه جزء من عائلته في قلعة وسط البلاد، حيث تم اعتقاله أيضًا في فرانكفورت.

 


والأمير هنري الثالث عشر هو سليل آل رويس - عائلة نبيلة حكمت جزءًا من الإمبراطورية الألمانية، ولا تزال تدعو إلى العودة إلى الدولة الملكية، ضمن خريطة الرايخ الملكي الألماني الذي كان قائمًا منذ عام 1871 إلى 1918.


ولد هنري الثالث عشر، أمير رويس، في 4 ديسمبر 1951، للأب «هنري الأول» والأم الأميرة «ويزلاوا فيودورا رويس». وهنري الثالث عشر، رجل أعمال متخصص في مجال العقارات بفرانكفورت.

تزوج من امرأة إيرانية هي سوزان دوخت جلالي التي تحمل الآن اسم الأميرة سوزان رويس ونسبت إلى عائلته التي تم تكريمها منذ زمن بعيد. 


وتعود تسمية السلالة بـ«هنري» إلى أواخر القرن الثاني عشر، كتكريم للإمبراطور الروماني المقدس هنري السادس الذي منحهم ألقابهم وممتلكاتهم، بحسب صحيفة ديلي ميل الإنجليزية.


لقد حكمت سلالة رويس ولايات رويس التاريخية لمئات السنين حتى الثورة الألمانية عام 1918، والتي أدت إلى انهيار الإمبراطورية الألمانية وأوجدت جمهورية ديمقراطية جديدة، وأجبر جد هنري الأكبر – هنري السابع والعشرون - على التنازل عن حكمه عندما اندمج روس في ولاية تورينجن الألمانية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى.


لكن أحفاد عائلة رويس احتفظوا بالكثير من ثروتهم، بما في ذلك سلسلة من القلاع والقصور، ولعل إحدى هذه القلاع مقامة على الطراز القوطي الجديد ويتملكها هنري الثالث عشر، وتزعم السلطات الألمانية أنه استخدامها لاستضافة العديد من اجتماعات الرايه  حيث خطط الأعضاء لعنفهم أو ما يعرف بـ«انقلاب» ضد الحكومة الألمانية.