قضية ورأى

بيان حقوق الإنسان

د. خالد قنديل
د. خالد قنديل

حقًا لقد بلغ السيل الزبى، ولا يزال المتطفلون والدخلاء فى الغرب يحشرون أنوفهم الباردة فى الشأن المصرى، فى ممارسات صارت سمجة وتدل بما لا يدع مجالًا لأى شك على تلك النيات غير الخالصة تجاه مصر، التى يبدو أنها فاجأت الجميع حين تجاوزت أزمات العالم المختلفة من جوائح وحروب وأزمات اقتصادية وسارت فى دربها واثقة ومتفوقة فى تنظيم قمة عالمية وسط كل ذلك بصورة مذهلة ومدهشة للجميع من الدول الكبرى وغيرها الذين انتبهوا عبر مصر إلى ضرورة الالتفات للالتزام بتوصيات التصدى للتغير المناخى، وها هو البرلمان الأوروبى يعود مجددًا فى محاولة «خائبة»، لتعكير الصفو وعرقلة المسيرة والتى لم ولن يستطيعوا مهما فعلوا أن يبلغوا مرامهم الخبيث، والذى جاء فى سياقه هذا التقرير الفاشل، الصادر يوم الخميس الماضى، بشأن حقوق الإنسان فى مصر.

وقد عودتنا مثل هذه الجهات المفروض بها المسئولية أن تُحاول جاهدة عرقلة المسيرة المصرية ولو عبر تقارير يشوبها التزييف والتجاسر الأعمى على بلد يُؤسس ويسعى للسلم فى العالم.

فى ظل ادعاءات باطلة تستند إلى بيانات وقرارات مشبوهة ومعلومات كاذبة، وافتراءٍ وتشويه من دول تحلل لنفسها أشياءً وتُحرمها على غيرها، بما ينم عن تحاملٍ صارخ ضد مصر، نجد هذا البلد الأمين أميناً على الإنسان من أبنائها وأبناء العالم، لنشهد استكمال ثورة مشروعات وتنمية عملاقة، فى دولة تبنى وتحارب الإرهاب وعصية على الانكسار، لذلك هناك من يكيدون لها، ويتم تسييس حقوق الإنسان وإخراجه من معناه النبيل لاستخدامه كعصا ضد الدول المسالمة، فى الوقت الذى توجد فيه بوضوح شديد دول لديها خروقات كثيرة وفعلية وواضحة فى ملف حقوق الإنسان ولا أحد يتحدث عنها، بينما مصر التى لا يعرفها هؤلاء أو يعرفونها تُعلّم الدنيا الفارق بين البناء والتعمير، وبين دعاة الخراب والتدمير.

إن قرار البرلمان الأوروبى الذى يُهاجم مصر بدعوى انتهاكات لحقوق الإنسان لا يتسم بأى مصداقية أو حيادية، كما أنه صدر دون استجلاء أى حقائق من جهات مصرية منوطة وأبرزها البرلمان المصرى، مما يُعبر عن توجه سياسى مقصود وذى ضغائن وتربص، إذ لم يكلف هؤلاء أنفسهم مجرد التقصى والسؤال عما تناوله القرار من نقاط مثل قولهم بتطبيق حالة الطوارئ منذ 2017 حتى الآن، على الرغم من أنه قد تم إيقاف العمل بها فى أكتوبر من العام الماضى ولم تُجدد، كما تناولوا وجود عقوبة الإعدام بحق الأطفال بما يجافى واقع التشريع المصرى المستند لقانون الطفل بحظر توقيع عقوبات الإعدام والمؤبد والمشدد بحق الأطفال، ناهيك عن الادعاء باعتقال تعسفى لأحد المسجونين، وهو بالأساس سجين محكوم عليه قضائياً بالحبس لثبوت ارتكابه جريمة جنائية، ويسمح له بلقاء عائلته وذويه بشكل منتظم، فكيف يتم الحث بالإفراج عن مسجونين صدرت بحقهم أحكام قضائية لارتكابهم جرائم جنائية.
إن ما يحدث مساس سافر بالشأن الداخلى المصرى واستقلال قضائه مما يُعد إخلالًا بالمواثيق الدولية، مع التغافل التام للمفرج عنهم بقرارات العفو الرئاسى، وعدم التفريق بين الاعتقال والحبس بمقتضى حكم قضائى، وتبنى روايات لم تحدث وليس لها أى دليل فى الواقع، وهذا يدل على أنه قرر الإدانة سلفاً بدوافع بعيدة عن حقوق الإنسان والعدالة، متجاهلًا الخطوات المهنية لأى بيان أو قرار، والذى يجب أن يسبقه البحث وسماع أطراف مختلفة، والتحقق مما يتناوله، وهذا أمر بديهى لمؤسسة برلمانية تُمثل بلدان أوروبا، لكن للأسف فإن البرلمان الأوروبى يُواصل سياسة التخبط والمعايير المزدوجة، ويقع تحت طائلة المعلومات المضللة التى يأتى بها ممن يتلقون التمويل من جهات أوروبية، ويعملون لصالحها، ليمارس الضغوط على مختلف البلدان التى أعطى لنفسه الحق فى التدخل فى شئونها، ويُواصل سياسة الاستعلاء التى تُذكرنا بأوروبا الاستعمارية، وليس أوروبا التى تدّعى الديمقراطية، والتى كان الأولى بها أن تُناقش حقوق الإنسان فى بلدانها، وانتهاك حقوق المهجرين والأقليات وممن حصلوا على الجنسية من الجيلين الثالث والرابع الذين يعانون من التمييز والتهميش، ولم يقترب البرلمان الأوروبى من انتهاكات جسيمة وفجة ارتكبتها بلدان على مقربة من الاتحاد الأوروبى، بما يؤكد ازدواحية معايير البرلمان الأوروبى الذى يرى القشة فى عين الآخرين ولا يرى الخشبة فى عينه أو عيون حلفائه.

إن ما جاء فى البيان لا يُعلى من شأن حقوق الإنسان، بل يضرها ويقلل منها، لأنها أصبحت مجرد أداة سياسية للابتزاز والتخويف، كجزء من الحملات السياسية، ولم تعد تلك البيانات تقنع أحدًا لكثرة ما فيها من أخطاء وتمييز، وإساءة لحقوق الإنسان، التى لها مفهوم خاص لدى البرلمان الأوروبى، يقوم على المصالح وليس المبادئ المجردة.
عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب الوفد