المشكلة رقم واحد عند الأقزام.. تعدد الزوجات!

الأقزام يستعرضون قدراتهم الرياضية
الأقزام يستعرضون قدراتهم الرياضية

كتب: أحمد الجمَّال

قبل نحو 59 سنة أجرى الكاتب الصحفى الراحل، فاروق الطويل، تحقيقًا عن الأقزام، الذين كان عددهم فى مصر وقتذاك لا يتجاوز 1500 شخص، لكنه استطاع أن ينقل القارئ إلى ملامح دقيقة عن عالمهم الفريد فى كل شيء، وتطرق إلى ما يعانونه من مشكلات، وكان اللافت هو أن فرص زواجهم كانت كثيرة مقارنة بالفرص المتاحة أمامهم فى العمل.. نعيد نشر التحقيق بتصرف فى السطور التالية:

هذا عالم صغير فى كل شيء.. حتى فى أحجام المخلوقات التى تعيش فيه.. والغريب أن 40% من الرجال الأقزام لهم أكثر من زوجة واحدة.. و«آخرساعة» تأخذك فى هذا التحقيق الصحفى وتدخل بك إلى العالم الغريب الصغير القابع بين ملايين البشر فى القاهرة.. إنه أول تحقيق من نوعه عن الحب والكره وإثبات الوجود فى العالم الغريب الذى يعيش فيه الأقزام.
فى بلدنا ألف قزم منهم الدونجوان الذى امتلأت حياته بقصص المغامرات العاطفية، ومنهم من يبحث عن واحدة فقط تقبل الزواج من قزم، ومنهم زوج الأربع!

إن عالم الأقزام غريب فى كل شيء.. فى حياتهم وفى عملهم ومفاهيمهم ومنطقهم، فكلها تختلف إلى حد كبير عن الرجال العمالقة، وكل واحد فينا عملاق بالنسبة لهم، ويسمونه بفلان العملاق.

هذه المجموعة المكوَّنة من ألف قزم لها رئيس أو نقيب اسمه محمد رمضان، وهو شاب فى الثانية والثلاثين من عمره، لكنه عملاق الأقزام فى مصر، فكلمته مسموعة وآراؤه نافذة المفعول، معتز بنفسه، يكلمك كمدير أعمال أو كرئيس عمل، ورغم قصره الشديد (أقل من متر)، فإن شخصيته قوية وإيمانه عميق بمشكلة الأقزام فى مصر، فهو الوحيد الذى درس حالة الأقزام الطبية والصحية والنفسية والاجتماعية، وحاول ويحاول أن يبحث لهم عن عمل شريف ليكفل لهم لقمة العيش، ويحاول دائمًا أن ينزع اليأس من نفوسهم، ويؤكد لهم فى أحاديثه أنهم أحسن من العمالقة.

والقزم العملاق يقوم الآن بتأليف أول كتاب عن حياة الأقزام ومشاكلهم فى مصر، ومن أهم مشروعاته إنشاء أول فرقة عرائس بشرية، فهو يقول «أنت كالعرائس تمامًا»، فلماذا لا تقدم وزارة الثقافة فرقة من الأقزام؟ إننا قادرون على التمثيل ولدينا مواهب كثيرة، ونقوم بحركات أكروبات يعجز أقزام أوروبا عن القيام بها.

- وسألت «آخرساعة» مع شيخ الأقزام أو عملاق الأقزام: كيف يعثر القزم على المرأة التى يمكن أن تحبه أو تقتنع به كرجل؟
القزم إنسان ذو قلب كبير وعاطفة متأججة ملتهبة غير أى عملاق، فهو غالبًا يحب من طرف واحد بادئ الأمر، ويكون الفشل بعينه فى أغلب الأحيان، لأنه يعجب بالعملاق كى يكمل النقص الذى يشعر به، كما أنه يرفض الزواج من قزمة حتى لا يزيد الطين بلة وحتى لا يخرج أولاده أقزامًا.. يعانون الحياة الشاقة التى يعانيها.

واستطرد: لقد درست الحالة الطبية للأقزام، واستنتجت عدة أشياء هي: إذا تزوج القزم من عملاقة جاءت الذرية عمالقة، وإذا تزوج من قزمة فلا بد أن تأتى الذرية أقزامًا، وإذا تزوجت القزمة من عملاق كانت الذرية عمالقة.

وعاد مرة ثانية إلى حديثه عن الزواج فقال: والقزم رجل معتز بكرامته، فهو لا يمكن أن يذهب لوالد العروس ويخطبها، ولكنه لا بد أن يخاطب الفتاة ويأخذ رأيها بصراحة، وذلك حتى لا تعيش معه مكرهة، وعادة لا تقبل المرأة الزواج من قزم، إلا إذا كانت قد مرت بتجارب كثيرة مع العمالقة ما جعلها تكره الزواج منهم وتفضل الأقزام، أو عندما تحب أن تستأثر بشاب لها وحدها وتضمن أن النساء لن ينظروا إليه، وأنه «لن يلعب بذيله».

وتابع: كثيرا ما يقع الأقزام فى صراع مع العمالقة حول إحدى الفتيات، وكثيرا ما ينتصر القزم، بحيله وألاعيبه وقوة شخصيته، كما أنه كثيرا ما استطاع الأقزام أن يخطفوا صديقات العمالقة.

- قلت للقزم الدونجوان: إلى أية ميزة فيك تنظر الفتاة؟
اعتدل فى جلسته وأشعل سيجارة، وأخذ ينفث الدخان سريعا وكأنه أحس بالإهانة وبدأ يقول: بالنسبة إليّ المسألة تختلف.. أنا أستطيع بقوة عينى أن أوقع الفتاة فى حبى من أول نظرة، وهذا الكلام عن تجارب كثيرة عشتها.. إن أقوى شيء فى هو عيناى وأناقتي، ثم ماذا تريد أية فتاة إلا العيش الرغد والرجل الحمش!

- يبدو أن لك غراميات كثيرة فهل لك أن تحكى بعضها؟
ـ لقد تزوجت من ثلاث حتى الآن، وكلهن بعد قصص حب عنيفة عشتها معهن. الأولى لم تمكث معى أكثر من شهر، والثانية عاشت معى سنة كاملة فى منتهى السعادة ولكن الجارات بدأن يقلبنها ضدي.. ويقلن لها: (هو من قلة الرجالة؟).. ووجدت أن معاملتها قد تغيرت وأن شجارها زاد وصوتها ارتفع، فقررت الطلاق على الفور. أما الثالثة فتزوجتها بعد قصة حب عنيفة وأعيش معها الآن فى الإسكندرية ولى ولد منها أيضًا.

اقرأ أيضًا

الكتخدا عباس باشا حلمي.. اغتيل على يد «أقزام المضاحيك»

الغيرة على الأقزام
وفى مملكة الأقزام، التقيت القزم محمد عبدالدايم (25 سنة)، وهو متوسط القصر.. لقد وقع فى الحب ست مرات وتزوج ثلاث مرات، وهو يهتم بأناقته وتسريحة شعره اهتمامًا بالغًا.

قال لي: الأولى أرادت أن تعمل فى الفن، فرفضت وطلقتها، والثانية كانت شديدة الغيرة عليّ.. فطلقتها أيضًا، أما الثالثة فهى تعيش معى الآن وأنجبت منها ولدين.

- زوجاتك الثلاث من العمالقة أم من الأقزام؟
أنا لا أحب إلا العمالقة، وكل علاقاتى كانت مع العمالقة.

ومحمد عبدالدايم أحد نجوم شارع محمد علي.. واسمه هناك «بعزق»، وبدأ حياته ممثلا فى أحد أفلام ببا عزالدين، ثم عمل بالسيرك وكان يقوم بحركات أكروبات ومنولوجات.

وكان السيرك المأوى الوحيد لمعظم أقزام بلدنا، فكان يحتضنهم ويسمح لهم بالعمل فيه. أما بقية الوظائف والأعمال الأخرى فكان من الصعب على أى قزم أن يجدها، ولذا كان على كل واحد منهم أن يتحول إلى فنان أو يدرس الفن لأنه الملجأ الوحيد، خاصة أن تصرفاتهم مادة جيدة للسينما والسيرك. وكثيرًا ما أحسن المؤلفون والمخرجون استغلالها، وآخر محاولة من هذا النوع كانت فى مسرحية «زيارة غرامية»، ويقوم فيها ستة من الأقزام بحراسة الملك الصغير «حسين».

وقد كانت هناك فكرة فى السيرك القومى لعمل مستعمرة للأقزام، بحيث تكون ملحقة بالسيرك، يمكن للمشاهدين زيارتها ومعرفة الكثير عن حياة الأقزام، لكن الفكرة فشلت على يد نقيب الأقزام، إذ اعتبرها امتهانًا لكرامتهم.

القزمة والعملاق
ماذا يحدث لو أحبتك قزمة.. هل تبادلها الحب.. هل تسمح لها بامتلاك قلبك.. وما مؤهلاتك لتفرض نفسها عليك كامرأة؟.. لقد حدث هذا لأحد العمالقة، واسمه السيد علي. كان يعمل فى السيرك وكانت معه قزمة جميلة لا يزيد طولها على 110 سم، وقعت فى حبه، وأرادت أن تثبت لبنات جنسها أنها امرأة، وأنها ليست بعد صغيرة، بل إن أنوثتها كأنوثة أية امرأة فى العالم.. كانت تختلس النظر إليه وهو يلعب حركاته وسط حلبة السيرك وكانت تنتظره حتى ينتهى من ألعابه لتجفف عرقه. ومرت الأيام ووقع العملاق فى حب القزمة.. كانا فقيرين ولم يكن فى استطاعتهما أن يبوحا بحبهما أمام الناس حتى لا يثيرا الكلام من حولهما، أو بمعنى آخر حتى لا يثيرا جوا من السخرية حول «سيد وجميلة».

ومرت الأيام، وكان لابد للقلبين أن يجتمعا على سنة الله ورسوله، وتزوج العملاق بالقزمة، وحملت بعد شهور وساءت حالتها الصحية، وحجزتها المستشفى وولدت ابنها الأول بعملية قيصرية، وأمرها الطبيب بعد ذلك بمنع الحمل حتى لا تتعرض للموت، إذ إنها أفلتت من الموت بأعجوبة، ولكنها كانت تريد أن تحس أنه لا فرق بينها وبين أية امرأة.. كانت تريد أن تثبت أنها أم لها أطفال.. كانت تريد أن تسعد زوجها.. وحملت للمرة الثانية ولم تمض شهور حتى تعرضت صحتها للخطر مرة ثانية.. وماتت جميلة، وبعد شهر واحد مات زوجها سيد حزنًا عليها!

هذه جولة سريعة فى قلوب الأقزام.. إن لهم قلوبًا كبيرة وعاطفة متأججة، وحياة كلها مشكلات يتخذها الناس مادة للضحك والتندر والسخرية، وهم ضائعون دائمًا بين العمالقة، وحركاتهم تتسم دائمًا بطابع السخرية، بينما ينظر القزم لمن يتندر عليه نظرة استخفاف ويوقن أنه إما جاهل أو مجنون، لأن القزم لا يقل عن أى إنسان، ومن حقه أن يعيش وأن يحب وأن يتزوج  ويعمل.
(«آخرساعة» 18 ديسمبر 1963)