كتابات بخط اليد تُنشَر للمرة الأولى.. السيرة المنسية للراعى الصالح

عبد الفتاح الجمل
عبد الفتاح الجمل

عائشة المراغى

انتهيتُ قبل عشرة شهور من سرد بعض محطات رحلة بحثى فى «السيرة المنسية للراعى الصالح.. عبدالفتاح الجمل» وسلّمت الملف للنشر، لكنى لم أضع قلمى، إذ علمتُ مسبقًا أن رحلتى طويلة، وأن ما كشفتُ عنه هو قدر يسير من مشوار الجمل، يكفى فقط لنثر ألوان الأساس على اللوحة، لكنه لا يُظهِر ملامحه داخلها.

هذا المشوار بدأه عبدالفتاح الجمل مبكرًا جدًا، كانت الكتابة خلاله، لأكثر من أربعين عامًا، هى الرفيق الدائم والأقرب. كانت فعلًا تلقائيًا لا يحرص عليه، بل يعيش به. يكتب دون أن يشغل باله بالنشر، ويدرك أن يومًا سيأتى وتجد مخطوطاته طريقها للنور، يكفيه فقط أن يكتب ويحافظ على ما يكتبه. لذا مع تفاقم أعراض مرضه الأخير وإحساسه بتدهور حالته؛ أخذ عبدالفتاح الجمل يرتِّب أوراقه ويبعث بها لمن وثَق أنهم سيحفظونها إذا حلَّ الأجل.
>>>
أثناء بحثى فى السيرة المنسية ذهبتُ ذات يوم لدار الكتب والوثائق، وحين عُدت مساءً وجدتُ رسالة من أحد أصدقاء الجمل، الذى لم أكن أعرفه حتى أيام قليلة مضت - قبل تلك الليلة - حين أثنى على الملف الذى أعددته؛ رسالة يخبرنى فيها أن لديه أوراقًا تخّص عبدالفتاح الجمل، بلغ عمرها لديه ما يقرب من ثلاثين عامًا، ويشعر أن وقت بيانها قد حان.
شهور مرَّت حتى تمكنتُ من الاطلاع على الأوراق، بسبب انتشار فيروس كورونا وما أحدثه من شلل فى الحياة عالميًا، خاصة أننى فى القاهرة وهى مع الصديق فى دمياط.
فى فبراير الماضى؛ نشرتُ أول مقال لعبدالفتاح الجمل فى جريدة المساء كصحفى، بعد حصولى عليه من أرشيف مركز المعلومات بدار التحرير، لكن بين أوراقه وجدتُ الكاتب الذى لم يهتم للنشر، والشاعر الذى لم يظهر أبدًا طوال حياته، بل والشاب حديث التخرج الذى وُجِّهت إليه دعوة من الملك فاروق لتناول الشاى بالقصر لتفوقه، وذلك بعد أسبوع واحد من إتمام عامه الثانى والعشرين، وجاء فى الدعوة التى تحمل شعارًا ملكيًا:
«بأمر حضرة صاحب الجلالة الملك.. يتشرف كبير الأمناء بأن يدعو حضرة المحترم عبدالفتاح على جمعة الجمل أفندى لتناول الشاى بقصر رأس التين يوم الإثنين 21 شعبان سنة 1364 (30 يوليه سنة 1945) الساعة السادسة مساءً وذلك لمناسبة نجاحه بتفوق فى امتحان ليسانس كلية الآداب»
وملحوظة جانبية مفادها أن الحضور بالملابس العادية.
>>>
مخطوطات وأوراق متناثرة ومتفرقة، بقراءتها وجمعها والبحث فيها تكتمل أجزاء من اللوحة، وترتسم داخلها لوحة ثانية للحياة الثقافية فى حقب الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، عبر رسائل أشبه بجلسات نقاشية.
فى هذه الصفحات نضيئ زاوية أخرى – صغيرة – من السيرة، لكن القلم لم يوضع بعد والرحلة مازالت مستمرة.