..هناك فرق بين تاريخ نكرهه أو نضطر لتدوينه لنتجنب الأخطاء التي وقع بها الأقدمون؛ فأمور الدنيا تتشابه في أحوالها وفق ما اعتاد عليه الناس في حياتهم اليومية، ولكن حتمًا تختلف في حوادثها؛ ففي خاتمة المطاف ستقرأ هذا التاريخ أجيال تأتي من بعدنا، لا يصح أن تتلقاه شفاهة أو مشوهًا حسب رغبة وعاطفة من يكتبه، فكاتب التاريخ مثلًا لا يجب أن يكون من رجال الدين وإلا أخضع ما يكتبه إلى النصوص الدينية، فيحذف ما يراه مختلفًا مع هذه النصوص حسب هواه وفهمه لهذه النصوص الدينية أو موروثاته، وإنما هو شخص مؤهل لهذا النوع من الكتابة، يبذل كل طاقته البشرية حتى تأتي كل الحوادث والوقائع التي جرت في الوقت الذي عاصر فيه حدوثها صادقة وحقيقية دون تزييف أو تحريف، متجردًا من النزعات السياسية والدينية، محبًا وعاشقا لما يكتبه، متفرغًا له تمامًا، فعندما تحدث الجبرتي مثلًا، وهو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه الأشهر «تاريخ الجبرتي» لم يتحدث عن حبه أو كراهيته للاستعمار الأجنبي، وإنما رصد العلماء الذين جاءوا مع نابليون وما حققوه وانجزوه من أعمال ربما لم تستوعبها عقولنا وقتها من تقدم علمي في وقت تدهورت فيه علومنا، بعدما كنا أمة لها تاريخ عريق وحضارة شامخة.
فلا أظن أن التاريخ لن يكذب أبدًا حين يقول بالأدلة والبراهين؛ إن الجهاز السري لتنظيم العصابة قل أن يوجد له مثيل في دول العالم، فقد تميز في احتراف القتل والإرهاب والتخريب حتى فيما بينهم رأينا ثقافة الاغتيالات؛ فهي ليست بدعة جديدة عليهم لكنها عرف راسخ ومتبع مع كل من يختلف أو يعارض توجهاتهم حتى داخل هذا التنظيم الإرهابي ذاته، منذ تأسيسه على يد مؤسس أول تنظيم إرهابي في العالم حسن البنا في عشرينات القرن الماضي وحتى اللحظات الراهنة وما نراه بين جبهتي الضلال واحدة في إسطنبول والأخرى في لندن، ويقيني أيضًا أن كاتب تاريخهم الأسود لن يجافي الحقيقة حين يكتب أن تنظيم الإخوان هم أكبر عصابة للإرهاب عرفها العالم في التاريخ القديم والحديث على السواء؛ ولما لا وقد وجد التنظيم في سيد قطب منظر التكفيريين والدم من يفلسف اتجاهاته الإرهابية ويجد لها سندًا فكريًا مهمًا مهما بلغ به الحمق والسخف.
بعد أن عُين الهضيبي مرشدًا عامًا لأفراد تنظيمه الإرهابي لم يأمن إلى أفراد الجهاز السري الذي كان موجودًا في وقت مؤسس شجرة الإرهاب الخبيثة البنا الساعاتي برئاسة عبد الرحمن السندي؛ فعمل على إبعاده معلنًا بأنه لا يوافق على التنظيمات السرية لأنه حسب زعمه لا سرية في الدين، ولكنه في نفس الوقت بدأ تكوين تنظيمات سرية جديدة تدين له بالولاء والطاعة بل عمد إلى التفرقة بين أفراد النظام السري القديم؛ ليأخذ منهم إلى صفه أكبر عدد ليضمهم إلى جهازه السري الجديد؛ وفي هذه الظروف المريبة وبكل خسة وانحطاط – واقصد الكلمة هنا بمعناها الشعبي والدارج لا اللغوي وهي التعبير الأدق لسجلهم الإرهابي، خطط مع أفراد عصابته الذين يدينون له بالولاء والطاعة لقتل السيد فايز عبد المطلب؛ بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى لمناسبة عيد المولد النبوي، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وطفلة صغيرة كانت تسير تحت الشرفة التي انهارت نتيجة الانفجار؛ وكشفت تحريات الشرطة وقتها أن الهضيبي واتباعه يسيرون سيرًا سريعًا في سبيل تكوين جهاز سري إرهابي جديد ويسعون في نفس الوقت إلى التخلص من المناوئين لهم من أفراد الجهاز السري القديم، وأمام شهواتهم الخبيثة ظنوا أن المسؤولين من رجال الأمن غافلون عنهم.
ولأن حوادث التاريخ تعيد نفسها أحيانًا خاصة بين جماعات الشر بعضها البعض؛ استشعر زعيم العصابة إبراهيم منير خطرًا كبيرًا يهدد حياته؛ فاضطر لتعزيز الحراسة الشخصية عليه وعلى أسرته في منزله ومقر عمله بلندن، بعد أن تلقى قبل وفاته رسالة تهديد بالقتل من أحد العناصر الداخلية المحسوبة على جبهة خصمه القيادي الإخواني الإرهابي محمود حسين الهارب في تركيا، بعد اتهامه محمود حسين وجماعته بأنهم سرقوا أموال الجماعة، مشيرًا إلى أن الثاني وجماعته قرروا عزل الأول، بعد إقراره بالسرقة.
وقد عبر عن هذا واحد من اتباع جبهة لندن وهو الإرهابي عصام تليمة حين قال في فيديو بثه بعد وفاة الإرهابي منير؛ «إنه كان الواجب على محمود حسين أن يصبر؛ وذلك في إشارة لتورطه في عملية اغتيال إبراهيم منير مضيفًا أن هناك معركة حالية حول من يتولى موقع إبراهيم منير؛ الأمر الذي جعل هناك نزاعًا بين أعضاء وفصائل الجماعة الإرهابية، من أجل السيطرة على أموالها وثرواتها».
فلا غرو إذن من أن نصف هذه الجماعة بالدناءة والخسة مثلهم مثل جماعة القرامطة في التاريخ الذين عمدوا إلى نشر الرعب والإرهاب والفزع في كافة أنحاء البلاد الإسلامية، فقد كانوا يبيحون دماء من يخالفونهم حتى لو كانوا مسلمين ويرون في ذلك أمرًا مشروعًا، فحق القول على العصابة الإخوانية بأنهم قرامطة القرن الواحد والعشرين.