محمود الورداني يكتب: بمناسبة بهاء طاهر (1)

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

آثرتُ أن أنتظر قليلا حتى يهدأ الضجيج المصاحب لما كتبته الأستاذة صافيناز كاظم حول بهاء طاهر فور رحيله، وهو فضلا عن عدم لياقته مجرد كلام مرسل لايستند على أى أساس، حتى بدا وكأنه يُخفى شيئا ما غامضا.

ومع هذا كان من الممكن أن يمرّ الأمر بكامله وننساه، لولا ماقرأته، سواء فى بعض الصحف والمجلات، أو على وسائل التواصل الاجتماعى، من آراء تكيل الاتهامات لجيل الستينيات بكامله، باعتبار أبناء هذا الجيل مجموعة من الكارهين والحاقدين والمسجلين خطر، بل ومضى البعض ليتهمهم بأن منهم مخبرين يكتبون التقارير فى بعضهم البعض!!
 أود أولا أن ألفت النظر إلى أمرين.

والأول أن أبناء ذلك الجيل لم يكونوا ملائكة بطبيعة الحال، وبينهم أمراض التنافس كعادة أبناء الكار الواحد، وبينهم المشاكل الشخصية المعتادة، فى ظل شروط مجحفة وتحديات واضطرابات على نحو سأحاول تلمسه بعد قليل.


الأمر الثانى أننى لست من أبناء جيل الستينيات، بل من أبناء الموجة اللاحقة ممن بدأوا الكتابة والنشر فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، لذلك فشهادتى هنا محايدة، أو هكذا أتمنى.


على أى حال لابد من الإشارة إلى خطأ المقولة السائدة التى تعتبر أن هناك جيلا أدبيا كل عشر سنوات، وأصبح من المعتاد أن يقال جيل السبعينيات أو الثمانينيات أو التسعينيات.. وهكذا.


أظن أن الأصح والأكثر دقة أن يقال أن هناك موجات من الكتابة، ليس شرطا أن تكون كل عشر سنوات، بل كلما توافرت ملامح وتقنيات وهموم جديدة، يشترك فيها مجموعة من الكُتّاب. فى سبعينيات القرن الماضى على سبيل المثال، برز وتميز مجموعة من شعراء قصيدة النثر الذين شكّلوا أكثر من جماعة شعرية، كما برز مجموعة من كُتّاب القصة القصيرة ممن شكّلوا ملامح مختلفة، إلى الحد الذى دعا الراحل الكبير إدوار الخراط لإصدار كتابه «مشاهد من ساحة القصة القصيرة فى السبعينيات» وأصدرته دار القاهرة.

وتضمن نماذج اختارها الأستاذ إدوار ودراسة طويلة له، قبل أن يُصدر أغلب من اختارهم مجموعاتهم القصصية، وكانت اختياراته من بين قصصهم المنشورة فى عدد قليل جدا من الصحف والمجلات من أهمها جريدة المساء بطبيعة الحال، حيث كان الراحل الكبير عبد الفتاح الجمل مسئولا عن نشر الثقافة آنذاك.


هناك فى ظنى موجات تلو موجات فى نهر يتجدد على الدوام ويغتنى بموجاته الجديدة، ولا مجال لقتل الأب، بل هناك جسد يتجدد بتياراته ومدارسه المختلفة دون أن تكون هناك ضرورة لنفى أو (قتل) تيار لحساب تيار آخر.


غير أن جيل الستينيات الذى اتُهم من جانب البعض، بتدبير المؤامرات القذرة، والوشاية الرخيصة، وتبادل المصالح الصغيرة، وبذل الغالى والرخيص من أجل الصعود، حسبما قرأتُ إبان موقعة بهاء طاهر الأخيرة أمر مختلف.

ولعلى أبادر إلى القول سريعا أننى هنا لا أفاضل أو أقوم بإعلاء أبناء الستينيات، أو أفعل العكس مع أبناء الموجات اللاحقة.وكنتُ شاهد عيان، وتشرفت بصداقة الكثيرين من بين أبناء هذا الجيل رغم فارق السن، وأفخر بأننى تعلمت منهم، واختلفت معهم، واشتركتُ فى بعض المعارك التى خاضوها..فى الأسبوع القادم، إذا امتد الأجل، أستكمل شهادتى.

اقرأ أيضا | محمود الورداني يكتب: سحر الخطوبة