شخبطة

‏شهرزاد.. رؤية وليد عونى

نرمين جودة
نرمين جودة

‏سعدت بدعوة الاستاذ محمد ظريف مدير اوبرا الاسكندرية - وهو فنان مبدع ومتذوق متميز للفن – لحضور عرض باليه شهرزاد للمخرج العبقرى وليد عونى ، الذى بهرنى بقدراته الابداعية ولمسته الفلسفية وثقافته العالية التى ظهرت بوضوح من خلال هذا العرض الذى كسر توقعاتى وتفوق على تخيلاتى فقد كان فى مخيلتى انه مجرد عرض باليه ينتمى الى مدرسة الرقص الحديث والتى وضع قواعدها كلا من مارتا جراهام و إزادورا دونكان، والرقص الحديث يتميز باستخدام الراقص لعواطفه وحالاته المزاجية من أجل تصميم خطوات وروتين الرقص ويُشجع على ابتكار الراقص لخطوات جديدة بدلاً من اتباع تقنيات منظمة. وفى الرقص الحديث يستخدم الراقصون وزنهم من أجل تعزيز الحركة خلال الرقص .
‏ اثناء متابعة العرض وجدت نفسى امام حالة ابداعية فريدة ، فهو مزج مابين المسرح الغنائى و الرقص الحديث والفلسفة ، كذلك اضاف مفردة جديدة غير متعارف عليها فى عروض البالية وهى توظيف الاغانى لخدمة الحدث الدرامى ، فاستخدمت اغانى عربية لكنها ذات طابع اندلسى فى المشاهد الاولى للعرض ، حيث الربط بين بلاد الاندلس والتى اشتهرت بالتفوق الحضارى واحتضان علماء التنوير فى العصور الوسطى والذين قادوا العالم من الظلمة الى النور قبل ان يصاب العالم العربى بعدوى التطرف الظلامى ،  ايضاً نلاحظ فى المشاهد الاولى للعرض وجود مزج بين الملابس العصرية والاسطورية ، حيث الحوار الحضارى بين حضارات مختلفة والانفتاح على الغير بوعى ونضج ، كذلك استخدم الديكور الذى كان اقرب للمسرح التجريبى فى تلك اللوحات ليشاهد المتلقى حالة من الذوبان الحضارى دون ان تسيطر حضارة على اخرى. 

‏تناول العرض ثلاث قصص هى: قصة شهريار وشهرزاد حيث كانت شهرزاد بمثابة الراوى للاحداث ليس بالحوار ولكن بالاداء الحركى مستخدمة تعبيرات الوجه وحركة الجسم لتقص على المتلقى اقصوصتها وقصة علاء الدين والسندباد البحار والذى جعله مخرج العرض بمثابة محرر البلاد من الشر والظلام وهذا ما سيتضح لنا من خلال متابعة العرض .

                                                 

‏ان اكثر ما ادهشنى استخدام اغنية تركية ، لكن مع توالى الاحداث اكتشف المغزى من توظيفها فى ذلك المكان من العرض تلازم مع توظيف متقن لمجموعة من اللوحات بخلفية المسرح كجزء من الديكور، احداها تظهر حاكم صينى يحاول السيطرة على الزرع - كرمز لخير البلاد- ولوحات لمعارك وجيوش تحاول السيطرة واحتلال البلاد مع قطعة اثاث بسيطة عبارة عن اريكة يمكن ان تعبر عن عهد شهريار ، حيث يجلس عليه لتقص عليه شهرزاد حكاياتها كل ليلة ، ولكن هذه الليلة حكايتها مختلفة وتحمل الكثير من الرموز والعبر .

                                            

‏دخل الراقصون يرتدون الزى العثمانى للحريم ويخفون وجوههم باليشمك حتى ان الاعين نفسها كانت تحت اليشمك ، وكأنه يريد ان يشير الى عمى البصيرة الذى يصاب به اتباع الدولة العثمانية من المتطرفين وذلك للربط بين التطرف وتركيا . تزامن مع دخولهم خفت الاضاءة بشكل يوحى بانتشار الظلام ، فكانت الاضاءة بالكاد تعطى فرصة لمتابعة حركة الراقصين على المسرح  . فى منتصف المسرح وقف راقص يرتدى جنحات سوداء فوق منصة وكأنه طائر خبيث يحلق فى سماء العقول ليسلبها نورها ويرميها فى غياهب الظلمات ، ومع زيادة حدة الاضاءة تكتشف ان الراقصات هم رجال من الدراويش من اعوان طائر الظلام وهؤلاء يقدمون رقصة المولوية - وهى رقصة الدراويش والتى أسسها الشيخ جلال الدين الرومي منذ ما يزيد على ٨٠٠ عام – وتهدف تلك الرقصة الاشارة الى ان اتباع العثمانيين هم طيور الظلام ، وانهم يستخدمون العاطفة الدينية للسيطرة على الشعوب وتقييد الحركة الفكرية .

                                          

‏بينما يحاول السندباد وحبيبته قهر طائر الظلام وكسر جناحاته يتوسط المسرح ملك وملكة من الصين جاؤوا ليسرقوا خيرات الوطن ويسيطروا اقتصادياً على الشعوب ، وفى تلك الاثناء سيطر الدراويش على المسرح حيث ساد الظلام ، وتم توظيف الاضاءة لتوصيل تلك الرسالة الى المتلقى حيث تخفيف الاضاءة الى درجة تقترب من اظلام المسرح ، لكن فى النهاية انتصر السندباد على اتباع تركيا وتم اسدال الستارة عليهم بخلفية المسرح وحدث حراك نحو النهضة الفكرية والفنية ، حيث احضر الراقصون لوحة الموناليزا الشهيرة لدافنشى - والذى يعد احد فنانى عصر النهضة - للدلالة على انقشاع الظلام والبدء فى النهضة والتنوير، كذلك استخدمت كراسى ذات مقاعد معدنية عاكسة للضوء لتشير الى انتشار الضوء فقد انتشر نور التنوير كنتاج للنهضة الفنية والفكرية ، وهنا رقصت الاضاءة على نغمات الحرية الفكرية على سقف قاعة المسرح فرحاً بعودة الفن والحرية الفكرية والقضاء على ظلام العقول ، وعادت الراقصات للمسرح بملابسهم ذات الالوان المبهجة واقيمت احتفالات النصر بعد التخلص من المستعمر التركى والمحتل الصينى ورفعت لوحاتهم من على المسرح ، ‏ولكن خونة الداخل اعوان الاعداء يقتلون السندباد ، ذلك البطل الذى حرر البلاد من الظلام والمحتل والمغتصب اثناء الاحتفالات ، وهنا يقدم لنا صانع العمل رسالته العظيمة لمن يهمه الامر وهى : احذر مؤامرات خونة الداخل وانت تحارب اعداءك بالخارج فهم ايادى اعداءك التى لا تراها وهى تحمل كؤوس الموت بين اصابع الغدر.