تفاصيل الميت الذي عاد لأهله بالمنوفية.. وأسرته تتساءل: من الذي قمنا بدفنه؟

محمد وسط أسرته
محمد وسط أسرته

كتب: محمود صالح و إيمان البلطي

مشهدان مختلفان، المشهد الأول لشاب خرج ولم يعد.. وطال غيابه، ليس يوم أو يومين، إنما اقتربت المدة التي غابها إلى ما يقرب من 20 يومًا، وقتها جاء للأسرة من أبلغهم أن ابنهم موجود في العناية المركزة يصارع الموت، فذهبوا إليه وهناك تعرفوا عليه، لكن كان قد وافته المنية، وعليه أخذوا معهم جثمانه ودفنوه.

وبعد ما يقرب من شهر، جاء المشهد الثاني، عندما وجدوا ابنهم يترجل من سيارة «مكيروباص» أمام المنزل، ويدخل عليهم البيت حاملا في يده شنطة سوداء، تخيل الصدمة التي كانوا عليها وقت أن وجدوا ابنهم يقف أمامهم بتمام صحته وعافيته. تخيل حزن المشهد الأول وفرحة المشهد الثاني، تفاصيل تلك الواقعة الغريبة التي شهدت أحداثها محافظة المنوفية ترويها السطور التالية.

شاب عشريني يستقل القطار، ملابسه رثة، وملامحه متجهمة، من الوهلة الأولى تظن أنه غائب عن الوعي، وفي الحقيقة كان المظهر الذي بدا عليه الشاب يؤكد ذلك، وعلامات التيه والشرود كانت عليه إلى الحد الذي معه تأخذك به شفقة من المرة الأولى التي تنظر فيها إليه.

كان الشاب يقف بجوار باب القطار، وعينيه ثابتة على شيء ما مجهول لا يراه سواه، وفي غمضة عين سقط الشاب من القطار.

سقط الشاب في منطقة المناشي بمدينة القناطر الخيرية، واجتمع حوله أهالي المنطقة ليغيثونه، وانتقلوا به إلى مستشفى مبارك، الموجودة في المنطقة، وهناك في المستشفى أدخله الطبيب لسوء حالته الصحية العناية المركزة، ومكث فيها فترة.

اختفاء
على الجانب الآخر، كان محمد عادل، المولود في إحدى قرى أشمون بالمنوفية يعاني معاناة شديدة بسبب طرده من ورشة كان يعمل فيها «صنايعي سلك»، لأن محمد، إن لزم التنوية، أصيب منذ صغره بمرض نادر أفقده بعض عقله، وشخصه الأطباء بأنه يعاني من مرض عدم اكتمال العقل بنسبة ٤٠ ٪. وعليه كانت إخفاقاته المتكررة في عمله سببًا وراء طرده.

المهم، حزن الشاب على ترك عمله لاحتياجه للمال وكذلك احتياج أسرته، وجرب أن يمتهن أكثر من مهنة لكن كان الوضع غير مستحب له، وعندما تمكن الغضب منه بعد فشله المتكرر في كل مهنة يمتهنها، حضر حقيبته وغادر قريته صوب محافظة القاهرة يبحث عن عمل، دون حتى أن يخبر أحدا من أسرته بذلك، واختفى من البيت فجأة.

كانت الأسرة بعد أن اكتشفت غيابه في حالة قلق وذعر، يبحثون عنه في كل وادي وناحية، وبحثهم في كل مرة لا يفضي إلى شيء، اللهم مزيدا من المعاناة والحسرة على فقدهم نجلهم.

بعد أن مر ثلاثة أيام على اختفائه، نشر عمه «على» صورته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وأسفل الصورة تفاصيل عنه وأرقام هواتف للتواصل معه في حالة وجده أحد، وبدأت الصورة تنتشر.

يحكي عمه «على» تفاصيل تلك اللحظات لـ «أخبار الحوادث» قائلا: «بعد رفع المنشور على الفيس بوك، تداول الناس المنشور، وبدأت أشخاص لا نعرفهم يحدثوننا بأنهم رأوا «محمد» على الدائري، ثم نذهب للمكان ونسأل دون أن نصل إلى شيء، وهكذا حتى استقبلنا اتصالا يوم الأحد الساعة ٦ ونصف صباحًا، من أحد الأشخاص يؤكد أن «محمد» موجود بمستشفى مبارك بالمناشى، بالقناطر الخيرية، ولما طلبت منه صورته أرسلها لنا، وقتها دققنا النظر جميعا فيها،  والجميع أكد أنه محمد».

اقرأ أيضًا

عودة الشاب محمد عادل إلى أسرته بعد دفنه منتصف أكتوبر الماضي في المنوفية

لقاء
وأضاف: «ذهبت ومعى والد والدة محمد، وجميع أفراد العائلة للمستشفى، وبالفعل وجدنا الشخص الذى كان بالعناية المركزة هو ابننا، أو هكذا خُيل لنا، حتى ان العلامة التي في حاجبيه هي نفس العلامة الموجودة في محمد، ناهيك عن علامة أخرى مميزة في إصبعه الصغير، وبعض الجروح أكد لنا الأطباء أنها نتيجة إصابته بعد سقوطه من القطار، حينها عندما رسخ في يقيننا أن الذي أمامنا طريح الفراش هو محمد، تابعنا حالته الصحية، ودفعنا كافة مصاريف العلاج، وكنا نفترش أمام المستشفى حتى يتم الله شفاءه ونعود به إلى البيت».

واستكمل: «لكن من كان اسير الفراش قد وافته المنية، وأبلغنا الأطباء بوفاته، حينها كان نصرخ حتى بلغت صرخاتنا عنان السماء، من فرط حزننا عليه، ووجدنا أننا لابد من استخراج تصريح الدفن لناخذه وندفنه في مقابر العائلة بقريتتا، وعليه ذهبنا إلى مركز شرطة أوسيم، وتم تحرير محضر، لأنه وقتها كان مسجل بأنه فاقد الأهلية، وبعدها عدنا إلى المستشفى لنستخرج التقرير الطبي له، والذي أكد وجود شرخ فى قاع الجمجمة وشرخ فى الرئة وكسور حادة نتيجة حادث القطار، وهو ما أدى إلى وفاته، واستخرجنا تصريح الدفن، وذهبنا بالجثمان وعدنا إلى قريتنا وتمت إجراءات الغسل، وقمنا بتشييع جثمانه ودفنه بحضور أهل القرية جميعا، والقرى المحيطة،  يوم ١٤ من شهر أكتوبر، واقمنا سرادق عزاء كبير لمدة ٣ أيام».

الغائب يعود
القرية بها موقف صغير تقف فيه السيارات القادمة من وإلى القرية، كانت الساعة وقتها حوالي التاسعة من مساء يوم الخميس، وبجوار الموقف كان احمد شقيق والد «محمد على» الذي مات ودفن قبل حوالي شهر يقف، فجأة وجد شاب يترجل من سيارة ميكروباص، وما أن نظر إليه حتى وجده ابن شقيقه، اصيب الرجل بالذعر بمجرد ما أن رأى ابن شقيقه يسير نحوه، والصدمة الأكبر بعد أن لمحه محمد وناداه، وفي الحقيقة لم يكن وحده هو الذي أصابه الذعر، فكل من تقع عيناه على «محمد» يصير مذعورًا ولا يجرؤ على الاقتراب منه، فشعر «محمد» بذلك، وعندما قدم إلى عمه ووقف أمامه سلم عليه دون أن يقوم عمه بردة فعل، اللهم نظر في دهشة وتعجب، فسأله عن حاله ولماذا يتصرفون الناس هكذا. حينها لم يجد عمه أمامه أى رد ليجيب عليه، فقد قال له: مش إنت ميت برضه؟!

ظن «محمد» أن عمه يضحك معه، فضحك على كلامه، لكن الرجل وضع يديه على ابن أخيه وبدأ يتفحص فيه، وعندما تيقن من أنه ابن أخيه بشحمه ولحمه، انطلق راكضًا نحو البيت، ودخل على من فيه يقول بصوت عالي: «ابن اخويا جه، محمد عادل جه، لسه نازل من الميكروباص قدامي، أنا لسه شايفه ومسلم عليه دلوقتي».

في الحقيقة أعتبر كل من في البيت أن ما يقوله «أحمد» محض هذيان، لأن الرجل قد توفى عنه ابنه قبل سنوات، وحالته بعد وفاة ابنه لم تكن كما كانت عليها قبله، وكثيرًا ما كانت تؤكد تصرفاته ذلك، لكن دون أن يُطيل الأمر، طرق طارق الباب، ودلف منه داخل المنزل.

“هو «محمد»، ده ابنتا، طب إزاي، داحنا دفناك بإدينا، غسلناك، ودفناك، انت كنت فين، جيت إزاي، طلعت من التربة إزاي».. أسئلة وراء أسئلة تقع على مسامع «محمد» دون أن يفهم منها شيء، لكن بعد دقائق سيطر عليها الفرحة تارة والدهشة تارة اخرى، انطلقت»الزغاريد» لتعم أرجاء البيت، فـ ابنهم لم يمت.

وهنا تمادت الأسئلة وكثرت، من الذي دفنوه إن لم يكن ابنهم؟، هل فعلا كان الشبه بين الذي مات وابنهم كبيرًا إلى الحد الذي جعل أهله يصدقون بأن من كانطريح الفراش في العناية المركزة هو ابنهم؟

عقب على تلك الواقعة عمه «علي» لـ «أخبار الحوادث» قائلا: إحنا مكناش مصدقين، سبحان الله اللي حصل ولا في الخيال، بس إحنا كلنا قلنا إن ربنا عمل كده عشان اللي مات دا يدفن والناس دي كلها تخرج وراه، ربنا جعلنا سبب عشان نستر جسد اللي مات ونكرم مثواه، ربنا له حكمته في اللي حصل».