القاتل الحقيقي

محمد طلعت
محمد طلعت

‭..‬مأساة‭ ‬إنسانية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬للكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬شباب‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬عنفوانهم،‭ ‬أصدقاء‭ ‬وجيران،‭ ‬في‭ ‬طريقهم‭ ‬لجامعاتهم‭ ‬وأعمالهم،‭ ‬تعلو‭ ‬الابتسامة‭ ‬وجوههم،‭ ‬فهذه‭ ‬رحلة‭ ‬روتينية‭ ‬فعلوها‭ ‬عشرات‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مئات‭ ‬المرات،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬انتهى‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬مات‭ ‬الشباب‭ ‬وتيتمت‭ ‬الفتيات‭ ‬وتحولت‭ ‬الاحلام‭ ‬الجميلة‭ ‬لتلك‭ ‬العائلات‭ ‬لكوابيس‭ ‬وذكريات‭ ‬مؤلمة‭ ‬لن‭ ‬تمحى‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬إنقاذه،‭ ‬وهو‭ ‬يتذكر‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬معه‭.‬

فسقوط‭ ‬تلك‭ ‬الحافلة‭ ‬في‭ ‬ترعة‭ ‬الرياح‭ ‬التوفيقية‭ ‬بميت‭ ‬غمر‭ ‬والتي‭ ‬تابعنا‭ ‬تفاصيلها‭ ‬الصعبة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬أمامها‭ ‬كثيرا،‭ ‬لأنها‭ ‬حادثة‭ ‬تكررت‭ ‬بصورة‭ ‬كربونية‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬فسائق‭ ‬الحافلة‭ ‬هو‭ ‬القاتل‭ ‬الحقيقي‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬روح‭ ‬زهقت‭ ‬وكل‭ ‬مصاب‭ ‬أصيب‭ ‬بجروح‭ ‬سواء‭ ‬جسدية‭ ‬أو‭ ‬نفسية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬على‭ ‬تعاطيه‭ ‬المخدرات‭ ‬هو‭ ‬قاتل،‭ ‬فبتعاطيه‭ ‬لتلك‭ ‬السموم‭ ‬بإرادته‭ ‬المنفردة‭ ‬سلم‭ ‬نفسه‭ ‬وسلم‭ ‬من‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬الحافلة‭ ‬وهو‭ ‬مسؤول‭ ‬عنهم‭ ‬للمجهول‭.‬

ذلك‭ ‬المتهم‭ ‬المحبوس‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬التحقيقات‭ ‬كان‭ ‬يسير‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بأحد،‭ ‬فالمخدرات‭ ‬جعلته‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بشيء،‭ ‬عاجز‭ ‬ذهنيًا،‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬الأوهام،‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬قاتل‭ ‬جبان،‭ ‬فعندما‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬الحافلة‭ ‬ستسقط‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬وقفز‭ ‬وترك‭ ‬ضحاياه‭ ‬يغرقون‭ ‬في‭ ‬الترعة‭ ‬وهو‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭ ‬وقف‭ ‬يتفرج‭ ‬يشاهد‭ ‬ما‭ ‬فعله،‭ ‬يشاهد‭ ‬زهرة‭ ‬الشباب‭ ‬التي‭ ‬زبلت‭ ‬وماتت‭ ‬نتيجة‭ ‬لاستهتاره‭ ‬وإهماله‭ ‬الذي‭ ‬اعماه،‭ ‬فكانت‭ ‬المخدرات‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬عائلات‭ ‬ستعيش‭ ‬حياتها‭ ‬والحزن‭ ‬داخلهم‭.‬

ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬ليس‭ ‬حالة‭ ‬شاذة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬سائقين‭ ‬يقودون‭ ‬سياراتهم‭ ‬في‭ ‬طرقنا‭ ‬وهم‭ ‬يتعاطون‭ ‬المخدرات،‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬حادث‭ ‬عشناه‭ ‬ليخرج‭ ‬بيان‭ ‬النيابة‭ ‬بأن‭ ‬السائق‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬الحادثة‭ ‬يتعاطى‭ ‬مخدرات‭ ‬فيهمل‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬سقوط‭ ‬الضحايا،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حلا‭ ‬يمنع‭ ‬استمرار‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬حملات‭ ‬المرور‭ ‬لكشف‭ ‬المخدرات‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حملات‭ ‬للكشف‭ ‬المفاجئ‭ ‬والعشوائي‭ ‬وفي‭ ‬مواقف‭ ‬السيارات‭ ‬لكي‭ ‬نضمن‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭.‬

للأسف‭ ‬الإهمال‭ ‬اصبح‭ ‬يقتلنا،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نحاربه‭ ‬بتغليظ‭ ‬العقوبات‭ ‬بسن‭ ‬تشريع‭ ‬صارم‭ ‬لمواجهته،‭ ‬فليس‭ ‬ذلك‭ ‬السائق‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭ ‬فقط‭ ‬يقتلونا‭ ‬بإهمالهم،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬هناك‭ ‬المهملون‭ ‬الغائبون‭ ‬عن‭ ‬الحياة،‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬أعداؤنا‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكشفهم‭ ‬ونواجههم‭ ‬بكل‭ ‬حسم‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬دورنا‭ ‬كصحفيين‭ ‬وإعلاميين‭ ‬فكل‭ ‬مهمل‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬هو‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة‭ ‬تهدد‭ ‬حياتنا‭ ‬ومستقبل‭ ‬ابنائنا‭.‬