الطريق إلى القاهرة

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬يحمل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬موازين‭ ‬دقيقة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬التى‭ ‬تتشارك‭ ‬فيه‭ ‬بحكم‭ ‬حجم‭ ‬المصالح‭ ‬التى‭ ‬تتشابك‭ ‬بين‭ ‬أعضائه،‭ ‬فهناك‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬المؤثرة‭ ‬صاحبة‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية‭ ‬والتى‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مواقفها‭ ‬تتعقد‭ ‬أو‭ ‬تتيسر‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬وهى‭ ‬أمم‭ ‬ودول‭ ‬معروف‭ ‬حجمها‭ ‬بدقة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولى‭ ‬لكل‭ ‬خبير‭. ‬

فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يخلط‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬عمد‭  ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬النفوذ‭ ‬لأمة‭ ‬ودولة‭ ‬راسخة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬وبين‭ ‬حالة‭ ‬الظهور‭ ‬الدعائى‭ ‬لدولة‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬دولة‭ ‬تملأ‭ ‬العالم‭ ‬ضجيجًا‭ ‬عن‭ ‬قوتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬ويزداد‭ ‬الخداع‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الدعائية‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬المنبهرون‭ ‬بالحالة‭ ‬الدعائية‭ ‬عاصمة‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬الدولة‭ ‬قبلة‭ ‬الوفود‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬وعظمى‭ ‬تلتقى‭ ‬فيها‭ ‬وتصبح‭ ‬هذه‭ ‬العاصمة‭ ‬اسمًا‭ ‬مكررًا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬بنشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬بوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولية‭ ‬ويتصور‭ ‬المنبهرون‭ ‬أن‭ ‬العاصمة‭ ‬المنتفخة‭ ‬بهواء‭ ‬الدعاية‭ ‬مشاركة‭ ‬مثلا‭ ‬فيما‭ ‬يجرى‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬عواصم‭ ‬الدعاية‭ ‬مراسم‭ ‬الضيافة‭ ‬والاستقبال‭ ‬للقادمين‭ ‬إليها‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬الضيوف‭ ‬بالراحة‭ ‬ويسعد‭ ‬المستضيفون‭ ‬بفرحة‭ ‬البروباجندا‭ ‬التى‭ ‬حصلوا‭ ‬عليها‭ ‬وأنفقوا‭ ‬عليها‭ ‬الكثير‭ ‬بل‭ ‬سعوا‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬لكى‭ ‬يكونوا‭ ‬محط‭ ‬الأنظار‭ ‬فى‭ ‬الدوائر‭ ‬الدولية‭. ‬

هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الظهور‭ ‬أو‭ ‬الانتفاخ‭ ‬الهوائى‭ ‬الدعائى‭  ‬لبعض‭ ‬العواصم‭ ‬سببها‭ ‬الرئيسى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العاصمة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬إلا‭ ‬وسائل‭ ‬البروباجندا‭ ‬لتشترى‭ ‬هذه‭ ‬الهالة‭ ‬الملونة‭ ‬فهى‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬المقومات‭ ‬الحضارية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬التى‭ ‬تعطيها‭ ‬نفوذًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬وقد‭ ‬يصاب‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬الظهور‭ ‬بعقدة‭ ‬نفسية‭ ‬وسياسية‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬صاحبة‭ ‬النفوذ‭ ‬الحقيقى‭ ‬والمؤثر‭ ‬فتوجه‭ ‬جزءًا‭ ‬ليس‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬البروباجندا‭ ‬المشتراه‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمة‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬والقوة‭ ‬متصورين‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخصم‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬نفوذ‭ ‬وقوة‭ ‬هذه‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الطفولى‭ ‬قد‭ ‬يذهب‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬الأمة‭ ‬الراسخة‭ ‬إلى‭ ‬حساب‭ ‬العاصمة‭ ‬الدعائية‭. ‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فارقًا‭ ‬شاسعًا‭ ‬بين‭ ‬نفوذ‭ ‬وقوة‭ ‬الأمم‭ ‬الراسخة‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬الدعائية‭ ‬فالأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬الحضارية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬البهلوانية‭ ‬عندما‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬أوتتخذ‭ ‬بثقة‭ ‬قرارها‭ ‬السياسى‭ ‬والاستراتيجى‭ ‬تجاه‭ ‬موقف‭ ‬دولى‭ ‬معين،‭ ‬بل‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فالصفة‭ ‬التى‭ ‬تلازم‭ ‬حركة‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬وهى‭ ‬تدير‭ ‬مصالحها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬هى‭ ‬الصمت‭ ‬الذى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬السكون‭ ‬الكامل‭ . ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بين‭ ‬صمت‭ ‬النفوذ‭ ‬وضجيج‭ ‬البروباجندا‭ ‬تصل‭ ‬السذاجة‭ ‬بالمنبهرين‭ ‬واللاهثين‭ ‬وراء‭ ‬الحالة‭ ‬الدعائية‭ ‬إلى‭ ‬تصور‭ ‬غريب‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الصمت‭ ‬تلك‭ ‬تعنى‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬تراجع‭ ‬دورها‭ ‬وقل‭ ‬نفوذها‭ ‬لصالح‭ ‬سيرك‭ ‬الدعاية‭ ‬المنصوب‭ ‬فى‭ ‬عاصمة‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭. ‬

رغم‭ ‬الدقة‭ ‬الكاملة‭ ‬التى‭ ‬يمتلكها‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬فى‭ ‬تحديد‭ ‬ثقل‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬بسبب‭ ‬حجم‭ ‬المصالح‭ ‬فهناك‭ ‬ميزان‭ ‬آخر‭ ‬يزن‭ ‬ويفرق‭ ‬بين‭ ‬حقيقة‭ ‬النفوذ‭ ‬وحالة‭ ‬الانتفاخ‭ ‬الدعائى‭ ‬وهو‭ ‬تصدر‭ ‬أزمة‭ ‬دولية‭ ‬كبرى‭ ‬المشهد‭ ‬العالمى‭ ‬وعند‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تحدث‭ ‬عملية‭ ‬فرز‭ ‬سريعة‭ ‬ومنضبطة‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬النفوذ‭ ‬الراسخ‭ ‬للأمم‭ ‬وبين‭ ‬هشاشة‭ ‬الدعايات‭ ‬وتبدأ‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬المؤثرة‭ ‬تتلاقى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬يحجم‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬التى‭ ‬تهدد‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدولى‭ ‬وهنا‭ ‬يصدرالأمر‭ ‬للاعبين‭ ‬بألعاب‭ ‬الدعاية‭ ‬بالكف‭ ‬عن‭ ‬الضجيج‭ ‬والصياح‭ ‬لحين‭ ‬انتهاء‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يملك‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬بعض‭ ‬التسامح‭ ‬تجاه‭ ‬هؤلاء‭ ‬اللاعبين‭ ‬بالبروباجندا‭ ‬فيمكن‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الأزمة‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬لعبهم‭ ‬وضجيجهم‭ ‬وتفرح‭ ‬عواصمهم‭ ‬بالمؤتمرات‭ ‬والقرارات‭ ‬التى‭ ‬لايتعدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬مدى‭ ‬القاعات‭ ‬التى‭ ‬عقدت‭ ‬فيها‭. ‬

تفجرت‭  ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬لتكون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الفارق‭ ‬الذى‭ ‬يستدعى‭ ‬نفوذ‭ ‬وحكمة‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬وينأى‭ ‬عن‭ ‬ضجيج‭ ‬وهشاشة‭ ‬الدعاية‭ ‬لأن‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭ ‬الأخطر‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬أزمة‭ ‬يلوح‭ ‬فى‭ ‬أفقها‭ ‬خطر‭ ‬السلاح‭ ‬النووى‭ ‬الذى‭ ‬يهدد‭ ‬بقاء‭ ‬الجنس‭ ‬البشرى‭ ‬وأغلب‭ ‬المتداخلين‭ ‬فى‭ ‬دوائر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬يمتلكون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬الكثير،‭ ‬منذ‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬فى‭ ‬فبراير‭ ‬الماضى‭ ‬تطلعت‭ ‬كافة‭ ‬دوائر‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬القاهرة‭ ‬وتعاطيها‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الجلل‭ ‬الذى‭ ‬لو‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬حدوده‭ ‬لدفعت‭ ‬البشرية‭ ‬وجودها‭ ‬ثمنًا‭ ‬له‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬منتصر‭ ‬أو‭ ‬مهزوم‭ ‬فى‭ ‬معادلة‭ ‬الفناء‭.‬

هل‭ ‬يوجد‭ ‬تزيد‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬كافة‭ ‬الدوائر‭ ‬المتداخلة‭ ‬فى‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تطلعت‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬موقف‭ ‬القاهرة‭ ‬وتعاطيها‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬الأخطر‭ ‬التى‭ ‬تمر‭ ‬بالعالم‭ ‬لأنها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى؟‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬يحكمها‭ ‬أمرين‭ ‬ينفيان‭ ‬وجود‭ ‬أى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التزيد‭ ‬بل‭ ‬تحمل‭ ‬الإجابة‭ ‬فى‭ ‬داخلها‭ ‬ثوابت‭ ‬وحقائق‭ ‬ووقائع‭ ‬تابعها‭ ‬الخصوم‭ ‬قبل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ويدركها‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬منذ‭ ‬فبراير‭ ‬الماضى‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬اندلعت‭ ‬الأزمة‭. ‬

يرتبط‭ ‬الأمر‭ ‬الأول‭ ‬بالثوابت‭ ‬المرتبطة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الأمة‭ ‬والدولة‭ ‬المصرية‭ ‬فنحن‭ ‬هنا‭ ‬وبوضوح‭ ‬شديد‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭ ‬النفوذ‭ ‬والتأثير‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإنسانية‭ ‬قبل‭ ‬حتى‭ ‬المستوى‭ ‬الدولى‭ ‬والاستراتيجى‭ ‬وهذا‭ ‬نفوذ‭ ‬وتأثير‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬العظيمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬والتى‭ ‬سبقت‭ ‬التاريخ‭ ‬فى‭ ‬وجودها‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬شراء‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬استئجارموقع‭ ‬جغرافى‭ ‬استراتيجى‭ ‬أو‭ ‬صناعة‭ ‬حضارة‭ ‬بالبروباجندا‭ ‬وبالتاريخ‭ ‬والجوغرافيا‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬نرى‭ ‬ثوابت‭ ‬راسخة‭ ‬لايمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يجادل‭ ‬حولها‭ ‬جعلت‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬فاعلا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬وصاحبة‭ ‬نفوذ‭ ‬دائم‭ ‬فى‭ ‬مشاركة‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬عند‭  ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬ثوابت‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬ومدى‭ ‬رسوخها‭ ‬فليقرأ‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬يقرأ‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭. ‬

يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬الثانى‭ ‬بالحقائق‭ ‬والوقائع‭ ‬التى‭ ‬توالت‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬فكل‭ ‬دوائر‭ ‬الأزمة‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬وأغلبها‭ ‬تنتمى‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬حرصت‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬استيضاح‭ ‬الموقف‭ ‬المصرى‭ ‬حول‭ ‬الأزمة‭ ‬لأن‭ ‬بالحسابات‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬عندما‭ ‬تتخذ‭ ‬القاهرة‭ ‬بثقلها‭ ‬موقفًا‭ ‬تجاه‭ ‬طرف‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬الخطيرة‭  ‬فهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬معادلة‭ ‬الحل‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراجعة‭ ‬لطبيعة‭ ‬وحجم‭ ‬الدور‭ ‬المصرى‭ ‬المؤثر‭ ‬ويمكن‭ ‬رؤية‭ ‬هذا‭ ‬الحرص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البيانات‭ ‬التى‭ ‬وجهتها‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصر‭ ‬مركز‭ ‬اتزان‭ ‬رئيسى‭ ‬وشريك‭ ‬حكيم‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬خبراته‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬والوقائع‭ ‬مثبتة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬يوميات‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فقد‭ ‬تحولت‭ ‬القاهرة‭ ‬منذ‭ ‬فبراير‭ ‬الماضى‭ ‬وقت‭ ‬بداية‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬يلتقى‭ ‬عنده‭ ‬الفرقاء‭ ‬للتشاور‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬حول‭ ‬تداعيات‭ ‬مايحدث‭ ‬وللتأكد‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬النفوذ‭ ‬والثقل‭ ‬الذى‭ ‬تمتلكه‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬لن‭ ‬يناصر‭ ‬طرفًا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬طرف‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬المتشابكين‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬أزمة‭ ‬دولية‭ ‬وليست‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬فقط‭ ‬تحكمه‭ ‬الثوابت‭ ‬الحضارية‭ ‬الراسخة‭ ‬للأمة‭ ‬المصرية‭ ‬وهى‭ ‬ثوابت‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬انتهازية‭  ‬المكاسب‭ ‬أو‭ ‬تتراجع‭ ‬أمام‭ ‬تهديدات‭ ‬لأنها‭ ‬روح‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬والتاريخ‭ ‬شاهد‭ ‬عدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

وسط‭ ‬انشغال‭ ‬القاهرة‭ ‬بإدارة‭ ‬موقفها‭ ‬المتوازن‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬والتطلع‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الذى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الترقب‭ ‬للموقف‭ ‬المصرى‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬تدير‭ ‬الاستعداد‭ ‬لاستقبال‭ ‬الحدث‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬مؤتمر‭ ‬المناخ‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬المؤتمر‭ ‬للوهلة‭ ‬الأول‭ ‬تشير‭ ‬أنه‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬الصراع‭  ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ظلال‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬لسبب‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬المؤتمر‭ ‬هى‭ ‬نفسها‭ ‬متورطة‭ ‬فى‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬ولسبب‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬على‭ ‬الجبهات‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬موضوع‭ ‬الطاقة‭ ‬والمؤتمر‭ ‬المناخى‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولوياته‭ ‬فتح‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬للبشرية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬طاقة‭ ‬نظيفة‭ ‬تحمى‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬كارثة‭ ‬الفناء‭.‬

فى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬الفارقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتى‭ ‬تتعرض‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬نووى‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬دولية‭ ‬خطيرة‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬قارب‭ ‬نجاة‭ ‬لهذا‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬تدمير‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولى‭ ‬كانت‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬حاضرة‭ ‬على‭ ‬الجبهتين‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬حلول‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬وإدارة‭ ‬مؤتمر‭ ‬النجاة‭ ‬وهنا‭ ‬تتأكد‭ ‬الثوابت‭ ‬وتترجم‭ ‬الحقائق‭ ‬والوقائع‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬وتدور‭ ‬بقوة‭ ‬ماكينات‭ ‬النفوذ‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬والسياسى‭  ‬والثقل‭ ‬الحضارى‭ ‬فيعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمر‭ ‬الحاضرة‭ ‬فيه‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬الخطيرة‭ ‬بظلالها‭ ‬عن‭ ‬استعداده‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬و‭ ‬إنهاء‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭.  ‬

‭ ‬هذا‭ ‬الاستعداد‭ ‬واختيار‭ ‬التوقيت‭ ‬للتدخل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭  ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المحفل‭ ‬العالمى‭  ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬يمثل‭ ‬التطبيق‭ ‬الدقيق‭ ‬لاستخدام‭  ‬نفوذ‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬كأمة‭ ‬كبرى‭  ‬تتخذ‭ ‬قرارها‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬والسياسى‭ ‬تجاه‭ ‬أزمة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الخطورة‭ ‬فى‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬تعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬بخبرتها‭ ‬الحضارية‭ ‬أن‭ ‬ماتعلن‭ ‬عنه‭ ‬سيكون‭ ‬عامل‭ ‬الحسم‭ ‬وليس‭ ‬استهلاكًا‭ ‬دعائيًا‭  ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬الحل‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬المصرى‭ ‬النافذ‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭ ‬تم‭ ‬وفق‭  ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الشك‭ ‬فقبلها‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسى‭ ‬بوتين‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬هى‭ ‬الشريك‭ ‬الأهم‭ ‬لروسيا‭ ‬فى‭ ‬إفريقيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربى‭ ‬وبعد‭ ‬التحرك‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬يلتقى‭ ‬بالرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬فى‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬التحرك‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬الأزمة‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬المباحثات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭. ‬

ثم‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬الثنائية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الروسية‭ ‬ستجتمع‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬لمناقشة‭ ‬معاهدة‭ ‬ستارت‭ ‬3‭ ‬النووية‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬وهى‭ ‬المعاهدة‭ ‬الأخطر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬والتى‭ ‬يمثل‭ ‬وجودها‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬العنوان‭ ‬الصريح‭ ‬لهذا‭ ‬اللقاء‭ ‬التاريخى‭ ‬والفارق‭ ‬هو‭ ‬بحث‭ ‬المعاهدة‭ ‬فإن‭ ‬العنوان‭ ‬الضمنى‭ ‬إنهاء‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نيل‭ ‬القاهرة‭. ‬