تختار أقلامها

شيرين هلال
شيرين هلال

بقلم: شيرين هلال

لم تكن الكتابة عملا سهلا حتى امتهنها عن اقتناع ولم تكن عملا يدر دخل حتى اهرول اليها، ولم تكن مرفأ بعد عناء سفر، فهي بلا شواطئ ابدا، فقط امواج تتجدد، وافكار تتصارع في العقل وتتمدد، تدفع صاحبها لنشر ما يحمل وما يجمع ويعرضها على القراء بكل ما أوتي من شجاعة وموهبة معا.

لا يوجد عمل مجاني يخطف الانسان من نومه ويحتل افكاره ويجبره على التجول بين جنبات العبر والتخير بين ابرع الجمل، الا لو كان جوهره العطاء ولو خالط ذلك العمل رياء ما كان ليخوض صاحبه كل هذا العناء . وكما يقولون الكتابة كالمرأة العارية؛ لا يسترها الا حلو المضمون مع بلاغة المكتوب، وكلاهما اشترط الحلاوة ولكنها كانت وستظل الشغف الذي يختار اقلامه، هى للكل مكفولة، ولكنها تفرز كُتابها!

كتب الناس على الحجر والشجر والجلد والعظم والورق ونحن اليوم نكتب على الهواء ولكن قليل من اقل القليل منهم ومنا من خلدت كلماته صاحبها واكثر منهم بقليل من بقيت كلماته نرددها واكثر منهم بكثير من احتلوا مناصب الكتابة ومناكبها وسقطوا في مقبرة النسيان وعناكبها.

ترفض الكتابة القولبة ولا تقتنع بالاسباب المسببة، مثلها كباقي الفنون تعرف كيف تفرض نفسها على اصحاب الافئدة وتترك بصمتها في عقول من يقبلون على الحكمة والموعظة. هى عمل يحتاج في عماده للموهبة ، ثم يأتي بعد منها اي مسألة، لا تعترف بشهادات ولا تسال عن سن ولا تكترث بسنوات خبرة ولا تسال عن قريب ولا تعبأ بنسب. وفي نظري هى شأن من شوون عدل الله على الارض الذي قد يغفل عنه العباد، لانها عادلة لا تقبل تدخل ضمائر البشر المهترئة ولا تعترف الا بالحق وتعاقب المزيف بلا مواربة.

كنت اتعجب كثير العجب من جملة "الموهبة تفرض نفسها" واتصور ان اصحابها لم تخذلهم الحياة ولم تلطمهم يد "الواسطة"، ولكن مع الايام تعلمت انها جملة تصف بطش صولجان عرش الكتابة عندما يفرد جناحيه ليفسح الطريق امام جنودها، ويشق السماء لتلمع بنجومها. لا يغركم صمتها ولا تأخذكم شهرة المتغولين على فنها . الساحة متاحة والمسرح لن تسدل ستائره والأفكار تحلق في سماء العقول ولكن من يلتقط الجمال ويصيغه في حروف مغزولة وفي كلمات مجدولة وفي عبارات مشمولة بالربط والصور والقارئ منتظر،، متلقي ومنتشي، اقل واندر من التحف. 

واتعجب اكثر مِن مَن يظنون ان الكتابة بارت بضاعتها والقراءة ولى زمانها، فكيف ونحن نمارس الكتابة اكثر من ما كان يفعل اسلافنا ونجتهد في قراءة مضامين المواقع اكثر من ما كنا في سابق الأزمنة!

والاجابة بسيطة الكل يكتب ولكن ليس الكل يفرز، المعروض، كثيرون هم الكُتاب ولكن الموهوب منهم نادر. ولذلك لم تُخلق الكتابة الا لقلة تعرف قيمة القلم وتنتج احكم الفِكَر لتساهم في الارتقاء بالبشر بالكلمة والفكرة والقلم.

للكتابة عرش تنصب عليه كل من استوثق بحبل الضمير مع القراء. هى ايضا تتوج من التزم بالأمانة والمهنية. وتهب لمن اصر على الحيادية شرعية التربع على القلوب ، وتنتزع لصاحبها الاحترام حتى بين الد خصومه، والتاريخ ملئ بالكثير من اولائك الكتاب الذين لم يحظوا بالنصيب الائق في حياتهم وانصفهم عدالة الحكم في مملكة الكتابة الباقية بقاء الحياة الانسانية. فلا تسالون لماذا يكتب فلان ولماذا نُصب علان على منبر او منصب يخصها، الكتابة تفوض بعض سلطاتها للقاريء في حينها والبعض الاخر من السلطات للزمن؛ فيحكم على الموهوب بالشهرة رغم تقدم الزمن وانقطاع الفرص و على مغتصب القلم ومنتهك حرمة الكلمة بالسقوط في قبر الاندثار مهما كتب! 

‫أعاننا الله على ما نكتب، واعان ما نكتب على ما اخفينا ومنحنا عن القاريء القبول والروية. 
الكتابة تشريف من الخالق وتكليف من الشغف وتقدير من القارئ.