العرض الوحيد الذي قام ببطولته.. عماد حمدي يرتبك على خشبة المسرح

عماد حمدى فى مسرحية «خان الخليلى»
عماد حمدى فى مسرحية «خان الخليلى»

كتب: أحمد الجمَّال

قبل نحو 58 عامًا، وقف الفنان عماد حمدى (نوفمبر 1909- يناير 1984)، على خشبة المسرح، حيث قام ببطولة مسرحية بعنوان «خان الخليلي»، وهى المسرحية الوحيدة فى حياته التى شارك بها، لكن المفاجأة أن الفنان الكبير ارتبك حين التقى الجمهور وجهًا لوجه للمرة الأولى بعيدًا عن الأستديوهات وكاميرات السينما.. الحكاية نشرتها الناقدة الراحلة إيريس نظمى على صفحات «آخرساعة» عام 1964، فى تقرير نعيد نشره بتصرف محدود في السطور التالية:

تحول الممثل السينمائى عماد حمدى إلى ممثل مسرحي.. ترك الأستديوهات وكاميرات السينما ووقف على خشبة المسرح ليواجه المتفرجين بنفسه! وهذه المرة الأولى التى يقف فيها على خشبة المسرح بعدما استطاع السيد بدير إقناعه بقبول دور أحمد فى مسرحية «خان الخليلى» التى ألفّها نجيب محفوظ ويقدمها مسرح التلفزيون.. وفى الليلة الأولى لوقوفه على خشبة المسرح، وقف الممثل المسرحى الجديد خلف الكواليس يردد بعض الآيات القرآنية، ثم حانت اللحظة الحاسمة ورُفع الستار ودخل عماد المسرح، وصفق المتفرجون، ووقع الممثل المسرحى الجديد فى مأزق.. لقد تعوَّد على تأدية أدواره أمام كاميرات السينما فى صمت بعد أن يصيح المخرج ومساعدوه يطلبون الهدوء.. أما فى المسرح فالمطلوب من الممثل أن يؤدى دوره وهو متجاوب مع المتفرجين.. واستمر تصفيق المتفرجين وظل ارتباك عماد حمدي.. وفى أعلى المسرح ضحكت سيدة شقراء، وتحسست بيديها شعر رأسها الذهبى وهى تتابع عماد بكل اهتمام.. إنها زوجته نادى الجندى التى تركت ابنها الوحيد فى المنزل وجاءت لتشهد مولد زوجها كممثل مسرحى بعد أن لمع على الشاشة وملأها بصورته وصوته.. وردد أمامها وحدها دوره الجديد ليتأكد من حفظه للدور قبل مواجهة المتفرجين.

شقيقان وفتاة واحدة
لقد تعود عماد حمدى أن يمثل أدوار المآسى فى الأفلام، ولم يختلف لونه كثيرًا عندما ظهر على المسرح.. إن مسرحية «خان الخليلي» تروى قصة حياة أسرة مصرية هاجرت خلال الحرب العالمية الثانية من حى السكاكينى إلى حى الحسين واستأجرت شقة فى خان الخليلي، وتمر أحداث طويلة بالأسرة.. الأم والأم والابن الكبير ثم الابن الأصغر الذى جاء ليعيش مع الأسرة بعد عام كامل أمضاه موظفًا بفرع الشركة فى أسيوط، ويصل الابن الأصغر إلى القاهرة فى الوقت الذى يبدأ شقيقه الأكبر قصة حب مع ابنة الجيران، ودون أن يدرى الأخ الأصغر يقع هو الآخر فى حب «نوال» وينجح فى غزو قلبها، وتمضى الأحداث سريعًا ويكتشف الأخ الكبير أنه مصاب بمرض فى صدره فى الوقت الذى يتقدم الأخ الأصغر طالبًا الزواج مِمَنْ أحبها وتمناها كما لم يتمنَ واحدة مثلها من قبل. 

تجربة صعبة
وكما يؤكد عماد، فقد ظهر على المسرح بعد أن أقنعه السيد بدير بذلك، وهذه هى المرة الأولى فى حياتى التى أظهر فيها على المسرح وقال إنه لا يستطيع، لأنه لم يزل فى بداية التجربة، لافتًا إلى أن المسرح يحتاج لمجهود أكبر مقارنة بالسينما وسألته:

اقرأ أيضًا

«زوجة من الشارع».. سر ارتباط عماد حمدي بنادية الجندي| صور

- ماذا فعلت قبل ظهورك على المسرح؟
حفظت دوري.

- هل معنى هذا أنك لا تعتمد الآن على الملقنة التى تتولى تلقين الممثلين الذين يعملون معك بالمسرحية؟
طبعا لا بُد من الاستعانة بالملقنة، خصوصًا فى بداية الحوار الذى يدور  بينى وبين كل ممثل أقابله على المسرح.

- ما الأجر الذى تقاضيته نظير ظهورك فى مسرحية «خان الخليلي»؟
الأجر لا يهمنى بقدر دخولى تجربة جديدة.
وامتدت يد عماد حمدى لتضع قطعة سكر نبات فى فمه، فسألته:

- لماذا تتعاطى سكر النبات؟
لأننى مجهد، فأنا أعمل فى السينما والتلفزيون، وأظهر على مسرح التلفزيون فى وقت واحد، وقصبتى الهوائية تؤلمنى فى هذه الأيام وأعالجها بسكر النبات!
ودخلت زوجته إلى الكواليس لتهنئته بعد انتهائه من تمثيل  الفصلين الأول والثاني. وهنا سأل عماد زوجته:

- ما رأيك؟
ـ فردت: أكثر من ممتاز.
وضحك عماد.. وضاعت ضحكته عندما طلب منه مدير المسرح أن يستعد  للظهور.

الرسام.. الأديب
ومؤلف «خان الخليلي» لم يتولَ تحويلها لمسرحية.. إن نجيب محفوظ يرفض دائمًا القيام بتحويل قصصه الطويلة لمسرحيات،. فهو يقول إنه يؤمن بالتخصص، والذى تولى تحويل «خان الخليلي» من قصة تعيش على صفحات كتاب إلى مسرحية يتحرك أبطالها على خشبة المسرح، أديب شاب اسمه صلاح طنطاوي، وهو رسام قبل أن يكون أديبًا، والعلاقة بينه وبين أدب نجيب محفوظ قوية ومتينة.. لقد عاش مع كل مؤلفات محفوظ، ولم يقف فى قراءتها ودراسة نماذجها.. على مجرد التسلية أو الثقافة، ولكنه خرج منها بمعرض رسم فيه بريشته كل الأشخاص الذين كتب عنهم محفوظ فى قصصه.. رسم المعلم كرشة والسيد سليم علوان وزوبة العالمة والمعلم نونو.

ويقول طنطاوى الذى صدرت له أخيرًا مجموعة قصصية باسم «الناس والحجارة»، إنه عاش مع قصص نجيب محفوظ ثم تخيل شكل ومعالم أبطالها ورسمهم على الورق فى لوحات بالزيت والأقلام السوداء، ثم بدأ يتخيل كيف كان يتحرك هؤلاء الأبطال فى حياتهم، فحوّل «خان الخليلي» من قصة طويلة لمسرحية مكتوبة، وتسلمها المخرج حسين كمال ليخرجها مسرحيًا، ولعب أدوار البطولة فيها إلى جانب عماد حمدى مجموعة من خريجى المعهد العالى للتمثيل.

لقد نجح المخرج فى رسم جو المسرحية ومهد لأحداثها.. ونجح الممثل صلاح قابيل فى دور شقيق عماد حمدي.. أما الممثلة التى لعبت دور نوال فكانت باهتة فى دورها.. أما عماد حمدى فيكفى أنه قبل دخول هذه التجربة الجديدة.

(«آخرساعة» 24 أبريل 1963)