حديث الأسبوع

قمة المناخ بشرم الشيخ.. وامتحان الإرادات

عبدالله البقالي
عبدالله البقالي

لم يسبق أن تزامن انعقاد قمة الأمم المتحدة حول المناخ مع الظروف المناخية الصعبة التى يواجهها الكون حالياً، وبالتالى فإن قمة 27 للأمم المتحدة حول المناخ التى تحتضنها مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، تعتبر أكثر هذه القمم أهمية، لأنها ستمتحن إرادة الأطراف المعنية بأزمة المناخ، خصوصاً الدول العظمى منها، وسيتضح ما إذا كانت هذه الأطراف صادقة فيما ترفعه من شعارات حول ضرورة إيجاد الحلول الكفيلة بتخفيض حدة أزمة المناخ على الأقل.

كوب 27 الملتئمة فى أرض الكنانة تصادف وصول أزمة المناخ إلى مستويات مخيفة جداً تؤشر إلى ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتريس بـ (الكارثة )، فمن جهة تتزامن هذه القمة مع أخطر فترة جفاف حاد تعرفه منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث سجلت هناك خلال فصل الصيف، الذى لا يزال مستمرًا فى العديد من دوله كأعلى درجات حرارة، فى نفس الوقت الذى تعرف فيه دول كثيرة من قارة آسيا فيضانات جارفة أزهقت أرواح آلاف الأشخاص ودمرت معالم الحياة فى العديد من المناطق، فى نفس الوقت الذى انتشرت فيه ألسنة النيران تلتهم عشرات الآلاف من المساحات الزراعية والغابوية، فى نفس الوقت الذى تتعرض فيه جمهورية الصين وكندا إلى ارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة .

هذه التقلبات المناخية التى تؤشر على مواجهة أعمق أزمة فى المناخ، تسببت فى تداعيات تكتسى خطورة كبيرة على مستقبل البشرية جمعاء، خصوصًا فى الأقطار ذات الأيادى القصيرة من حيث إمكانيات وآليات المواجهــة والتصــدى، والقصد هنا وجــود نقــص كبير فــى الميــاه بسبب ضعــف أو انعدام التساقطات المطرية، ولهذا السبب أضحت كثير من الدول مهددة بأزمة عطش حادة، ناهيك عن باقى استعمالات المياه، خصوصاً ما يتعلق بالسقى وإنتاج الكهرباء. كما أن ضعف المحاصيل الزراعية بسبب موجة الجفاف الحاد، التى اجتاحت العديد من المناطق تهدد بارتفاع مهول وخطير فى ظاهرة المجاعة هناك.

القمة 27 تواجه تحدياً كبيراً، لأن كل هذا الذى يحدث تتسبب فيه سياسات معينة فى الاختراعات العلمية التى تراكمها الدول المتقدمة وتخلفها الصناعة والنقل وغيرها، وهذه السياسات تقود العالم بثبات نحو كارثة مناخية حقيقية، عنوانها البارز، اتجاه مؤشر ارتفاع درجات الحرارة نحو الصعود سنوياً، ليصل حسب تقديرات الأمم المتحدة إلى 2٫8 درجة قبل نهاية القرن الحالى، وأيضاً تواصل ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى.

لذلك فإن هذه القمة التى يشارك فيها أكثر من أربعين ألف مسئول من مختلف القطاعات الرسمية وغير الحكومية، ينتمون إلى 196 دولة، وضمنهم عشرات رؤساء الدول والحكومات، تمثل لحظة امتحان حقيقية لصدقية الإرادات المعبر عنها، ومحطة اختبار حقيقية لقدرة المجتمع الدولى على أن تكون القمة المعبر السالك والممر الآمن من الوعود إلى الأفعال بما يمكن من تنزيل ركام من الالتزامات المتفق عليها سابقا إلى أرض الواقع.

والأكيد أن اتفاق باريس للمناخ يعتبر فى مقدمة هذه الالتزامات، وهو الاتفاق الذى تم تبنيه فى قمة المناخ بباريس سنة 2015، والذى دخل حيز التنفيذ رسميا فى 4 نوفمبر 2016 ، وهو يعتبر أول اتفاق عالمى بشأن المناخ، والذى نصت مضامينه على حتمية احتواء الاحترار العالمى فى أقل من درجتين، وعلى السعى لضمان حده فى 1٫5 درجة، ووضع 100 مليار دولار أمريكى سنويا كحد أدنى كمساعدات للدول النامية، على أن تتم مراجعة هذا المبلغ فى سنة 2025. ناهيك عن الالتزام بمواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفينة، وكيفية توفير الحلول للتكيف معها، والتخفيف من حدة ضررها على البيئة، ومعالجة الآثارالواضحة للتغيرات المناخية، واعترف هذا الاتفاق بأن التغير المناخى فى العالم يتطلب جهودا قصوى وتعاونا مشتركا من طرف جميع الدول وضرورة وجود استجابات دولية فعلية لهذه التحديات .

اليوم، وبعد حوالى سبع سنوات كاملة من اعتماد هذا الاتفاق، الذى قيل آنذاك إنه سيمثل منعرجا حاسما فى التصدى لأزمة المناخ، تجد القمة 27 للمناخ نفسها مجبرة على بحث سبل تفعيل مضامين هذا الاتفاق وتنزيل مقتضياته، فالخسائر الفادحة التى تتسبب فيها هذه الأزمة والأضرار الجسيمة التى تخلفها ليست قابلة للتعويض، وكل ما عمرت هذه الأزمة وزادت استفحالا، فإن الذى لا يعوض يزداد حجما وتكلفة.

 فإذا كانت الخسائر والأضرار التى تم إدراجها رسميا فى جدول أعمال قمة شرم الشيخ الحالية تتمثل فى التداعيات على التغير المناخى والتى تقدر تكلفتها حاليا بعشرات المليارات من الدولارات، فإن المؤشرات المتوافرة تؤكد أن هذه التكلفة ستصل إلى مستويات خيالية إذا ما بقيت الأوضاع على ما هى عليه اليوم .

وعلى هذا الأساس، فإن إحدى أهم القضايا التى يؤمل أن تحسم فيها قمة شرم الشيخ، تتمثل فى تجسيد الدعم المالى من الدول العظمى إلى الدول الفقيرة، والذى حدده اتفاق باريس قبل حوالى سبع سنوات فى 100 مليار دولار سنوياً. وتتطلع العديد من الدول إلى أن يتم الاتفاق على آلية محددة لتنفيذ هذا الالتزام، من قبيل إنشاء صندوق عالمى تعهد إليه صرف هذه الميزانية بما يضمن الفعالية، والحقيقة أن تخصيص هذا المبلغ الهام سنوياً لا يندرج فى سياق المنة ولا الهبة، بل إنه يضمن منسوباً مقبولاً من العدالة فيما يتعلق بأزمة التغير المناخى، لأن الدول العظمى هى صاحبة الاقتصادات القوية فى المجالات الصناعية والتحويلية بصفة خاصة، وهى التى تتسبب بصفة رئيسية ومباشرة فى التغيرات المناخية المطبوعة بالاحتباس الحرارى، وبالتالى من المنطقى أن تتحمل هذه الدول تكلفة التصدى لما تتسبب فيه من كوارث على مستقبل البشرية .

تبقى الإشارة فى الأخير، إلى أن انعقاد القمة 27 فوق أراض أفريقية يحمل دلالة عميقة جدًا، ذلك أن دول هذه القارة تعتبر الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، وهى الأقل مسئولية عما يحدث، لذلك فإن الأمل معقود على إنصاف الدول الأفريقية من فوق أرض أفريقية ممثلة هذه المرة فى جمهورية مصر العربية التى تفوقت فى ضمان شروط وظروف نجاح هذه القمة العالمية. 

نقيب الصحفيين المغاربة