إبراهيم مدكور يكتب: غرفة «507»

إبراهيم مدكور
إبراهيم مدكور

إن أصعب ما يمر به الإنسان في هذه الحياة، هو الشعور بالفقد أو العجز تجاه مَنْ يحب، ففقد الأحباب جرح لا يداويه أي علاج، بل سيبقى ألمه باقٍ حتى الممات. 

أما الشعور بالعجز، فهو شعور مميت لصاحبه، مدمر لنفسيته، بل إن شئت فقل يقتله طوال الوقت إلى أن يجد الحل.

وهذا الأخير؛ هو الشعور الذي انتابني خلال الأيام القليلة الماضية تجاه أبي،
 حين رأيته يتألم من شدة التعب، وبدأ يفقد الوعي ولا يدري وأنا واقفاً مكتوف الأيدي، عاجزا عن إسعافه بنفسي. 

فانطلقت مسرعاً به على الفور، إلى المستشفى، واحدةً تلو الأخرى، وجميعهم يجيبونني إجابةً واحدة، للأسف الحالة حرجة، وقتها أحسست ثانيةً بالعجز، وبأنه ليس بمقدوري فعل شيء، تجاه من هو أعز من النفس، لكنني فكرت في إيجاد حل، ووجدته في السعد.

السعد: 
اتصلت بزميلي العزيز أحمد سعد الصحفي بـ الأخبار ومسؤول وزارة الصحة في مؤسستنا العريقة، وبالفعل لم يتردد لوهلة، فقام مباشرةً بإجراء العديد من الاتصالات، وأخبرني بأن أذهب إلى معهد السكر، فانطلقت بوالِدي على الفور إلى هناك، ولكنني وجدت سوء حظ ومع ذلك النبيل تولى الأمر.


النبيل وسوء الحظ: 
كان الدكتور إيهاب نبيل مدير معهد السكر، في انتظارنا، ولكن ولسوء الحظ بمجرد دخولنا لمعهد السكر، وجدنا مجموعة من الأطباء تهرول، وعلمنا بأن مدير المعهد الدكتور إيهاب نبيل قد أصيب بذبحة صدرية قبل قدومنا بنحو عشر دقائق، وسقط على إثرها.

لكنَّ النبيل وبرغم ما أَلم به من تعبِ شديد، بمجرد ما أن علم بوجودنا، أرسل إلينا مديرة مكتبه لتباشر الحالة وتقدم لها أوجه الرعاية وكنا مازلنا في الطوارئ، وكانت المنار تقوم بالعناية.

المنار:
قامت الدكتورة منار محمد اخصائي باطنة السكر بالمعهد التي هي نموذجا في التفاني والإخلاص، قائمةً على قدم وساق، تسعف والدي والذي كان سكره قد تجاوز الستمائة، ووصل إلى مرحلة متأخرة.

ظلت الدكتورة منار معه من الساعة الثانية عشرة ظهرا وحتى قرابة الساعة العاشرة مساءً قائمةً على إسعافه بدون ضيق أو ضجر، بل ووفرت له غرفة مجهزة، لأنه سيبقى في المشفى لفترة.


غرفة 507:
تلك الغرفة التي يتواجد بها والدي حاليا لتلاقى الرعاية والعلاج، والتي شهدت بل وتشهد مواقف وأوقات ستظل محفورةً في الوجدان، فما بين أوقات من المعاناة والألم، تتجلى معاها مواقف من ملائكة الرحمة تبعث الطمأنينة في النفوس، وتُبَرهن بأن الخير في مصر وأبناءها مازال موجود، رغم أنف المغرضون الحاقدون. 

خلال تلك الأيام، أيقظتني غرفة 507 من السُبات، وجعلتني أتسأل؛ علاما يغتر الإنسان؟ فالكل في المرض سواء، بل ضعيف كالغريق يتسبش بأي طوق نجاة، فلابد من ضبط النفس وإعادة الحسابات. 

كذلك أعطتني غرفة 507 دروسا عملية وليست مجرد شعارات، دروسا من ملائكة الرحمة في التفاني والإخلاص ونكران الذات، الكل يقف على قدم وساق ويبذل قصارى جهده في إسعاف الحالات.


والله من أعماق قلبي أشكركم ملائكة الرحمة على إسعافكم لوالدي، وأشكر كل من وقف بجانبي، ولو حتى بمجرد السؤال، وشكر لا يضاهيه وصف، للسعد والنبيل والمنار، حقاً الإنسانية لا تباع ولاتشترى، بل هي خصال تغرس في النفس منذ الصغر.

أخيراً؛ فضلاً وليس أمراً، كل ما اطلبه من الجميع الآن؛ أن يدعوا لوالدي بتمام الشفاء، وأن يخرج من المشفى بسلامة الله.

أبي أطال الله في عمرك، وأتم بقدرته شفاءك، فنحن لا نساوي شئ بدونك.