بقلم د. علاء الجرايحي: قمة شرم 27.. ورسائل مصر للكبار

علاء الجرايحي
علاء الجرايحي

مازالت قافلة مصر تُسرع الخُطى، رغم النباح المتواصل عليها من جماعات وتنظيمات البغى والضلال فى الخارج وقنواتهم المشبوهة، فمع انطلاق شارة بدء قمة مؤتمر المناخ "cop27"، على أرض الفيروز سيناء، وبالتحديد من مدينة السلام، شرم الشيخ، اصطف المصريون على أعتاب المطارات وبمداخل المدينة الآمنة يستقبلون وفود 197 دولة، وقُرابة 40 ألف مُشارك، و3000 إعلامى وصحفى، وممثلى عشرات المنظمات الدولية والإقليمية، إضافةً إلى زعماء ورؤساء حكومات دولٍ العالم ومندوبيها وسفرائها، بالورود والفرق الموسيقية والشعبية، مُرحِّبين بضيوف مصر الكرام، مُعلنين عمَّا تنعم به الدولة من استقرارٍ وأمنٍ كفيلين بتنظيم كُبرى القِمم والمؤتمرات والمحافل العالمية، وحُسن إدارتها وتنظيمها وتأمينها بأحسن ما يكون، وإكرام حاضريها مهما بلغ كانت مكانتهم الاجتماعية، وزاد عددهم، وكم يستغرق الوقت الذى سيمكثونه على التراب الوطنى، إمعانًا فى التعريف بإرادة المصريين وعزيمتهم القوية التى تحمى وتبنى وتُسهم وتُقدِّم للبشرية، وتأكيدًا لما هو ثابتٌ ومعروفٌ عن دولتهم فى السماء قبل الأرض لكل من قام بزياتها "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
 
لقد أرادت الدولة المصرية من عقدها لقمة المُناخ هذا العام فى نسختها السابعة والعشرين، أن تبعث بعِدَّة رسائل للكافة، محليًا وإقليميًا وعالميًا، وللشقيق والجوار والصديق والعدو، وإلى كلِّ المُهتمين بالشأن المصرى تحليلًا وتمحيصًا، بأنها ليس لديها ما تُخفيه عن أحدٍ، وأن مَنْ يبتغى مُطالعة الواقع فيها على الطبيعة، فلا أنسب من هذا الحدث العالمى الضخم للزيارة والمُشاهدة بكلتا عينيه، بدلًا من السماع عبر قنوات لا يعرف هُوية مالكيها، أو أغراض مُنشئيها، أو نوايا القائمين على تقديم برامجها وأهدافهم، وعلاقة الدولة بالبلد الذى سمح للبث عنهم، إذ لا مكان للمظاهرات مثلما يُذاع فى منابرهم الخادعة، ولا تُوجد بوادر ثورة على الأوضاع كما يُعلن على أفواه مُقدِّمى إعلامهم الكاذبة، أو نسبح فى الفساد والوحل والدمار والخراب الذى تلوكه ألسنتهم الناطقة بالتدليس والمكر الخبيث، اللهم إلا لحاجةٍ فى نفوسهم، وما تُخفى صدورهم على مصر وقادتها وجيشها وأهلها أكبر وأجرم.
 
ومن رسائل بريد مصر العاجل بعلم الوصول من أم الدنيا وقلبها النابض، إلى مَنْ يهمه الأمر ويعنيه، دعوتنا المفتوحة غير مُحدَّدة القارات والدول والمناطق والأشخاص، لحضور القمة، ومُشاركتنا هموم العالم الذى نحن جزءٌ من خريطته، على مائدةٍ مُستديرة، تم فرد بساطها على تراب مدينة شرم الشيخ الساحرة مكانًا للجلوس والالتفاف، وخُصِّص لها فترةٌ مدتها ثلاثة عشر يومًا مُتواصلة؛ للنقاش ومُبادلة الرؤى وطرح الحلول، ووضع جدول زمنى للتنفيذ والوفاء بالتعهدات والالتزامات المُنبثقة عنها، وقد لاقت الدعوة تلبيةً واسعة النطاق من الرموز والزعماء والقادة والمسئولين الدوليين، خلافًا لمجىء قنوات ووسائل الإعلام الأوسع انتشارًا؛ لتغطية الحدث ونقله للعالم صوتًا وصورة، وبحضورٍ لافتٍ للمنظمات والمؤسسات الدولية المتابعة للفعاليات وطُرق الإدارة والتنظيم، وجميعها تقول بملء الفم على لسان الضيوف بأننا بلدٌ مسئول، وتُدليلٌ من جانبهم بأن المحروسة فى ثورةٍ بالفعل، لكنها فى العمل والإنجاز والحضور على الساحتين الإقليمية والدولية، لتقديم الساعد  للبشرية، وآن للعالم أن يستمع لصوتها الحكيم متى طرحت مبادرات الحلول.
 
على مدار بضعة أشهرٍ من موعد القمة، سارعت مصر بتقديم مبادرات وطنية فى قضية لم تكن خاصةً بها وحدنا، وإنما عامة وعالمية، وهى أزمة التغيُّر المناخى، حيث تُشارك بالقمة وتحمل أجندتها عددًا لا بأس به من المبادرات الخضراء الصديقة للبيئة التى تهدف للحدِّ من التلوث، مثل المبادرة العالمية للمخلفات 50 بحلول عام 2050 لأفريقيا، وتهدف إلى زيادة معدل تدوير المخلفات الصلبة المنتجة بأفريقيا إلى 50% بحلول 2050، وتُتيح من خلالها الفرصة للعمل بطريقة مبتكرة تقوم على إشراك القطاع الخاص وغير الرسمى، ومبادرة الانتقال المستدام للغذاء والزراعة، فى استجابةٍ لأبرز تحديات عام 2022، وهو الأمن الغذائى، وتُراعى الاحتياجات الوطنية وبناء القدرات للقارة الأفريقية وإصلاح السياسات المتعلقة بالغذاء والزراعة، ومصادر التمويل اللازمة للتنفيذ وكيفية الوصول إليه، ثم مبادرة النقل المستدام مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وSLOCAT، وتُركِّز على خيارات التنقل الحضرى للعالم النامى، وقدَّمت مصر نموذجًا عمليًا للعالم فى هذا الصدد، من خلال تحويل جميع وسائل النقل بمدينة شرم الشيخ للعمل بالكهرباء والغاز الطبيعى، فأصبحت شرم الشيخ مدينة خضراء تتمتع بالنقل الأخضر الذكى، إلى جانب مبادرات أخرى، كالانتقال العادل والميسَّر للطاقة، وحياة كريمة لأفريقيا، وتكيُّف المرأة الأفريقية، وحلول مناخية للحفاظ على السلام، ودليل شرم الشيخ للتمويل العادل، مما يقطع يقينًا بحيوية الدولة ونشاطها منقطع النظير فى العمل على الوقوف سدًا منيعًا لأحد أهم أخطر قضايا العالم تهديدًا لحياة البشر.
 
هل تعلم أن هذا الحدث العالمى بمشاركيه سيكون نقطة فارقة لمصر فى قطاعها السياحى، ومساعدة نحو مليون مواطن يعملون بمجال السياحة، لأن أعين العالم أجمع ستكون مُنصبةً على مصر وشرم الشيخ، وبالتالى سيساعد هذا على زيادة الدخل القومى من العملات الأجنبية، مما يرفع من قيمة الجنيه، ويجلب الاستثمار العالمى لمصر، لما فيها من أمن وأمان عكس ما ينقله المخربون، وهذا الحدث العالمى المقام على مدينة مصرية سيجعل العالم أجمع يرى الصورة الصحيحة والجميلة لمصر، ومدى التقدم والازدهار الموجود فيها، وستظهر الصورة واضحةً أكثر أمام العالم أجمع عندما يرى الجميع أننا نزرع ونستصلح أراضينا  الرملية، وتحويلها إلى أراضٍ خضراء تُخفِّف من حدة المناخ، ورؤيتنا ونحن نُصلح ما أتلفوه بأيديهم، كما أن تنظيمنا الجيد لهذا الحدث، سيجعل العالم يُرحِّب باستقبال أى حدثٍ عالمىٍّ آخر على أراضينا، مما يزيد من الدعم لهذا البلد، ويُثبت أهمية مصر ومكانتها فى العالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط وجميع دول العالم، وسيكتب عن مصر وشعبها وحضارتها أكثر من ٣٠٠٠ إعلامى، من حضور العُرس المناخى ما يجعل مصر محط أنظار العالم أجمع، ويُطلق أيدى الكُتَّاب والمؤرخين لتناولنا فى كتاباتهم وهو ترويجٌ لدولتنا على جميع المستويات لم ندفع فيه مليمًا واحدًا.
 
ولمن لا يعلم، فإن مصر هى التى تقدَّمت بطلبٍ رسمىٍّ لتنظيم المؤتمر فى قارتها المُترامية الأطراف مُتعددة الدول، ووقع الاختيار عليها، فى وقتٍ تتخوَّف فيه دولٌ من استضافة أحداث محلية وليست على المستوى الدولى، خشية وقوع ما لا يُحمد عُقباه، وهو ما يُبرهن بما لا يدع مجالًا للشك، أن التوتر الداخلى لا يعرف طريقًا للمصريين فى هذه الحقبة وتلك الفترة التى نحياها بعهد الجمهورية الجديدة، ويُمثِّل غيابًا تامًا لليد المرتعشة عن دولتنا التى كانت تخشى خوض غمار التحدى ومُسايرة الكبار والتحدُّث بلسانهم، كسابق عهد مصر أيام مجدها وازدهارها ورخائها، بل إنها وعلى المستوى التأمينى، فإن جهاز الشرطة يعمل باقتدارٍ وكفاءةٍ عالية؛ لخروج الحدث بالصورة المُثلى التى تليق باسم مصر وسمعتها، ويحوى من القيادات الأمنية والضباط الكفء القادرين على صُنع كرنفالية تُحتذى على تراب شرم الشيخ، ناهيك عن الفنادق والمنتجعات والشواطئ النظيفة والساحرة، والمساحات الخضراء والهواء النقى، الذى يُعطى إيماءً للحضور بأننا نُسابق الزمن فى مرحلة التنفيذ الفعلى، ولا مجال للأقوال والشعارات، وإطلاق الفرقعات الإعلامية والتصريحات فى الهواء، وقد بدأنا بأنفسنا، لأننا نأمر بالبر، وننهى عن المنكر، ومن محاور أولوياتنا ببرنامجنا الإصلاحى بناء الإنسان والحفاظ على صحته وبيئته من كل ما يضر بهما، وما حملات التطوير والتطهير والتجميل الجارية على الأرض عن الأعين الناظرين ببعيد.
 
وأختتم مقالى بنداء قاهرة المعز للعالم فى قمتها المنعقدة حاليًا على أرضنا.. الدول النامية تدفع فاتورة تلويث الهواء وتدمير الكوكب، من حياتها وصحتها وديونها التى تقترضها لإصلاح ما أفسده الكبار، من الفيضانات والحرائق وتغيُّر مناخ الأرض المسبِّب لموت سكان البسيطة، فالآلات والمصانع والمنشآت النووية والحربية، تعمل ليل نهار فى بلدانهم، والوقود الأحفورى ومواقد الفحم تنبعث من بيئاتهم بكثافة والتى شكلت خطرًا جسيمًا على نحو 80% من دولنا النامية، خاصةً لأولئك القابعين فى منطقة الشرق الأوسط، الذين نصيبهم من ذلك لا يصل إلى ٣% من حجم تلك الكارثة، وفِّروا لهم التمويل العادل أو الحد الأدنى منه الذى سبق إقراره فى قمة جلاسكو 26، فى بريطانيا، بالتزامكم بتعهدات تمويلية عاجلة للدول المُتضررة مقدارها 100 مليار دولار سنويًا، رغم أننا بحاجة إلى 1,2 تريليون دولار؛ لمحاولة النجاة، وللحد من درجة ارتفاع درجة حرارة الأرض لتكون عند المسموح به 1,5 درجة مئوية، واعملوا على توفير مصادر تمويلٍ ثابتة ودائمة تحفظ لهؤلاء بيئتهم، وتحمى أرواحهم وخصوبة تربتهم وغذاءهم ومصادر المياه لديهم، ولتكونوا نموذجًا يُحتذى فى الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، ووجِّهوا الاستثمارات طويلة الأجل فى حماية الكوكب، لأن المركب إن غرقت، لن ينجو أحدٌ، لذلك تدعوكم مصر من أرض السلام لأن يسلم العالم من انبعاثات أدخنتكم، واحتراق نواتج سمومكم.. حفظ الله مصر وشعبها وأهلها من كل مكروه وسوء.