..المرأة دائما «رمانة» ميزان أى مجتمع؛ فهي التى تعبر عن ثقافته ونهوضه، هى رمز الأمان واستقرار الاسرة، وبالتالى استقرار المجتمع بأسره، كما أنها رمز الأمومة والعطاء فى تربية ابنائها وبناء أسرتها، وتستطيع أن تمنح الطاقة والقوة والراحة لمن حولها حتى إذا فقدت هى ذلك الشعور بالامان، لكنه بالطبع يؤثر على نفسها ويضعف من إرادتها؛ لذا لابد من توفير كافة سبل الأمان والهدوء لها من أجل الدور الكبير الذى تقوم به لصالح مجتمعها، لانها بطبيعتها الذى خلقها عليها الله عز وجل كائن معطاء حساس غير فوضوى لا يعيش دون نظام تضعه لنفسها ولبيتها حتى تمر به إلى بر الامان.
ورغم كل ما وصلت إليه المرأة من حقوق.. إلا أن هناك مطالب لا تزال موجودة وتزداد يومًا وراء يوم، تحتاجها وتناشد بها السيدات المتضررات من قانون الاحوال الشخصية الجديد، من أهم تلك المطالب ما يتعلق بضرورة إنشاء شرطة متخصصة للأسرة؛ فالأحكام القضائية المتعلقة بالاسرة تختلف اختلافا تامًا عن الجرائم الجنائية كالقتل والمخدرات وغيرها، فقد يتعلق مصير الاسرة بتنفيذ حكم نفقة أو تمكين من منزل الزوجية أو مصروفات مدرسية أو رؤية ابن او ضم حضانته، وغيرها من احكام الاسرة.
وعلى أرض الواقع المشكلة ليست فى القانون ولكن فى تنفيذه، فرغم سرعة التقاضى وإصدار الأحكام القضائية المتعلقة بالأسرة، تبقى المشكلة فى تطبيق هذا الحكم، وهذا ما أراه منذ سنوات طويلة مضت من خلال الموضوعات التى تناولتها على صفحات الجريدة، وكانت الجملة الاشهر التى تقولها الامهات والزوجات المتضررات وهى «ساعدونى أوصل صوتى للمسئولين لحل مشكلتى، معى أحكام لكنها حبرا على ورق، طبعا لا ننسى أن هروب الأزواج وحيل المحامين تُزيد من الأمر صعوبة، لذا ترى الأمهات من الأفضل أن تكون هناك شرطة تتفرغ تمامًا لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من محاكم الأسرة».
وعلى الجانب الآخر وحتى أكون منصفة، فلا يمكن أن ننكر دور الأب وان هناك الكثير من الآباء المتضررين من قانون الاحوال الشخصية، وتعلو دائما اصواتهم استنكارًا لقانون الرؤية وعدم قدرة بعضهم على رؤية أبنائه بعد انفصاله عن زوجته.
والسؤال هنا: ما الحل؟ وكيف نستطيع أن نساعد تلك الأسر المتضررة؟، والتى وصل أعدادها إلى آلاف الاسر، ففى أحدث إحصائية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء والتى صدرت فى النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، فقد وصل عدد حالات الطلاق إلى 254777 حالة عام 2021 مقابل 222036 حالة عام 2020 بنسبة زيادة قدرها 14,7%.
ومن أهم المؤشرات التى تناولتها الإحصائية أن عدد أحكام الطلاق النهائية التى صدرت عن محاكم الاسرة، بلغ 11194 حكما عام 2021 مقابل 8086 حكما عام 2020 بنسبة زيادة قدرها 38.4% من جملة الاحكام القضائية، وبالطبع ما يترتب عليها من تبعات من قضايا نفقات بكل أنواعها ومنقولات زوجية وضم صغار ورؤية صغير وغيرها من قضايا الاحوال الشخصية.
كل تلك القضايا تختلف باختلاف اسماء بطلاتها وتفاصيل قصصهن عن حياتهن الزوجية والتى انتهت داخل أروقة محاكم الاسرة، لكن يبقى هناك خيط رفيع يجمع بينهن وهو تنفيذ تلك الاحكام، فكل واحدة من الامهات والزوجات تستغيث من نفس المشكلة، فهى تحمل بين يديها ملفًا كبيرًا يحمل بين طياته أوراقًا عدة لأحكام قضائية حصلن عليها من المحكمة لكن دون جدوى، يبقى صوت بكائهن على حالهن وعدم قدرتهن على الحصول على أى حقوق من حقوقهن، والسبب عجزهن عن تنفيذ الاحكام.
فها هى أم لا انسى صوت بكائها المتصل وهى تقول؛ حصلت على احكام نفقة صغار ومصروفات مدرسية وفرش وغطاء ومتجمد نفقة، لكنى أقضى كل ليلة تنام العيون وأبقى قلقة لا يغفل لى جفن أفكر كيف سأتمكن من جمع نفقة مدرسة اولادى خوفا أن يحرموا من دخول المدرسة ويكفى حالتهم النفسية السيئة بسبب رفض والدهم رؤيتهم وهو يقول لى «طلقتهم معاكي»، وهو يدرك تماما انى لن اقدر على تنفيذ اى حكم مما حصلت عليه، وأنا ابحث عن عمل حتى لو «خادمة» فى البيوت لكن يكفينى أن أسد طلبات واحتياجات ابنائى بدلا من شعور الحرمان والاحتياج.
وللأسف قضايا النفقات من اكثر نسب القضايا المرفوعة امام المحاكم والتى تمثل نسبة 80 % من القضايا كما صرح المستشار عبد الله الباجا من قبل، وغيرها الكثير من قضايا النفقات التى تقف الام عاجزة عن تنفيذها بسبب ألاعيب بعض الأزواج لهروبهم من دفع النفقات المستحقه لأبنائهم، ولا أعلم كيف لأب ان يغمض له جفن ويشعر بالراحة وهو يعلم أن ابناءه فى حاجة إلى المال ويحرمهم من ابسط حقوقهم بالإنفاق عليهم؟!
وأخرى توقفت حياتها بسبب أن زوجها خطف ابنها وحرمها من رؤيته، وهناك من بقيت سنوات طويلة لا تعرف مكانه وهناك من خطفه وهو لازال رضيعًا وحرمه من حضن امه، ورغم امتلاكهن الاحكام القضائية بتسليم صغير بل وأحكام وصلت بحكم حبس للزوج بسبب عدم تنفيذ حكم قضائى، إلا أنه لا حياة لمن تنادى ولا تعرف له طريقًا او حتى تتمكن من تنفيذ أي منهم.
وهناك من تبكى وتتألم لأن زوجها قرر أن يفضحها فى شرفها ويهددها بتشويه سمعتها واتهامها بالزنا فقط ليوقف كل القضايا التى تقدمت بها ضده ويعطل حصولها على حقوقها فتره من الوقت، ووصل به العناد لتشويه سمعة أم ابنائه غير ناظر لمصيرهم.
وغيرهم من القضايا الكثيرة التى قد تقضى الأم شهورًا أو سنوات لتحصل عليها، ورغم شعورها بالسعادة والامل الذى يولد بقلبها عندما ينطق القاضى حكمه المنصف لها، لكن تجد نفسها امام عائق كبير يسمى آلية تنفيذ الاحكام، حتى الآباء فرغم حصولهم على احكام رؤية صغار لكن بسبب تعنت بعض الامهات، يقف الاب عاجزا عن تنفيذ حكم الرؤية نكاية فيه من جانب الزوجة التى تستغل الابن كسلاح ضده لحرمانه حقه فى ابنه.
آلاف الاحكام القضائية التى تصدر عن محاكم الاسرة يوميًا، يقف فيها الطرف المظلوم صاحب الحق عاجزا عن تنفيذها بسبب طرف آخر يكون الاكثر قوة وعنف وقسوة واستغلال لثغرات القانون لحرمانه من حقوقه، متناسيًا ما وصى به الله عز وجل فى كتابه «ولا تنسوا الفضل بينكم»، نعم تناسوا انهم كانوا بالامس القريب شركاء لهم فى حياتهم وبيتهم وبناء مستقبلهم.
دموع وآهات آلاف الامهات المتضررات من قانون الاحوال الشخصية بسبب قسوة الأزواج لابد أن ندرك انها سوف تخلق بمرور الزمن جيلا ضعيفًا مشوشًا مضطرب النفسية لرؤيته تلك المعركة الشرسة بين والديه، تزرع فى مخيلته وعقيدته صورة خاطئة عن الزواج منافية مع تعاليم ديننا، ولابد من عمل وقفة مع أنفسنا لتصحيح مسار حياتنا، حتى إذا وصلنا إلى طريق مسدود وكان الحل هو الطلاق فلابد أن يغلفه اطار من الاحترام.
أما إذا وصل الامر إلى المحكمة فلابد من وجود قوانين حاكمة وآلية رادعة لتنفيذ تلك الاحكام، ولا يغفل على أحد أن جهاز الشرطة يقوم بمجهودات عظيمه تجاه كافة الملفات المتعلقة بالأمن والامان لكل مواطن يعيش على أرض المحروسة، أما قضايا الاحوال الشخصية فهى تحتاج إلى تخصيص شرطة خاصة بتنفيذ الاحكام القضائية التى تصدر عن محاكم الاسرة يكون مسئوليتها تولى متابعة تلك القضايا وتنفيذها على أرض الواقع وفى اسرع وقت.
ويمكن الاعتماد فيها على عناصر من الشرطة النسائية، خاصة انها أثبتت جدارتها وقدرتها على إدارة المواقف والازمات وتولى مسئولية الامن، كما يمكن أن يشمل أخصائيين علم نفس واجتماع لمساعدة الابناء والامهات أو الآباء المتضررين، الذين يواجهون أى عنف او يمرون بتجربة قاسية، على أن يكون للشرطة الاسرية كافة الاختصاصات وحل المشكلة بشكل نهائى.
الشرطة الاسرية أصبحت مطلبًا مهمًا تناشد به كل أم متضررة تبحث عن حقوقها وحقوق ابنائها، وتطمح فى أن يخرج قانون الاحوال الشخصية الجديد الى النور متضمنًا فى بنوده تشكيل هذا الجهاز المهم، والذى يمس قطاعًا كبيرًا وحساسًا فى المجتمع وهو الاسرة وما يقابلها من مشكلات، وأن يكون له فروع في كل المحافظات.
فرغم اختلاف الآراء حول قوانين الاحوال الشخصية ما بين مؤيد ومعارض، لكن اتفق الجميع على انه لابد من وجود جهة مختصة لمتابعة تنفيذ الاحكام القضائية الأسرية لتحقيق العدالة.