«الأول» في حياتنا l مصر الحب الحقيقي في عيون الجميع

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هانئ مباشر

بلادكم حلوة.. بس الوطن مالوش مثيل، ولو سافرنا الشوق يرجعنا، حب الوطن غالي، والعيشة فيه جنة.. هذه الكلمات البسيطة وردت على لسان بطل مسرحية السندباد البحري إحدى أيقونات المبدع الراحل الكاتب محفوظ عبدالرحمن، وفيها لخص كل معانى الوطن بمفردات بسيطة للغاية.. فحب الوطن ليس مجرد شعارات وصور وأعلام تبرز في يوم واحد من أيام السنة، بل هو نور في القلب، فينير أمام الإنسان الحياة، وبعد غد نحتفل بعيد الحب.. تلك المناسبة التي دعا إليها الأخوان مصطفى وعلى أمين.. عيد يقدم منهجاً شاملاً للحب.. حب الله.. حب الوطن وحب الجميع.. وفى كل الأعياد يظل حب مصر هو الحب الحقيقي.. وهو الحب الأول الذى نتعلمه في حياتنا ومنذ نعومة أظفارنا.

الحقيقة أنه منذ بدء الأوطان في التاريخ، وهناك الكثير من المفاهيم والعبارات التي تلخص معنى الوطن وحبه والمواطنة. ولكن مفاهيمها التطبيقية تغيَّرت على مر الأزمان والأوطان.

وهناك من تشدّقوا بحب الوطن، وهم ليسوا كذلك على أرض واقع وطن، وهناك من تخاذل في حب الوطن وأبحر في خلق الأوهام والأعذار، وهناك وطنيون الحقيقيون يتنفسون حب الوطن بالفعل والعمل الحقيقي كل في مجاله مع التفاني كما ينبغي لتتكون حالة الانتماء القصوى التي تجعل الفرد على استعداد كامل للتضحية من أجل الوطن ومن أجل المجتمع ورقيه، تحدها المصلحة العامة بمنأى عن الشخصنة الوطن.

الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتى مصر السابق، يقول إن الولاء الوطني جزء لا يتجرأ من الولاء الديني، وهو الذى يوفر للوطن كل فرص التنمية والازدهار، ومحاولة بعض المتطرفين فكريا قتل هذا الشعور داخل الإنسان يعرض الوطن لمشكلات وأزمات، وشاهدنا كيف ارتكب بعض الشباب في عدد من الدول العربية جرائم ضد أوطانهم نتيجة مسخ عقولهم بأفكار ضدها، وزعمهم اليأس من إصلاح أحوالها، وهذه شعارات يراد بها باطل، فقد تكون في أي وطن مظاهر فساد، أو معاناة من مشكلات وأزمات اقتصادية واجتماعية، لكن كل ذلك لا يدفع إنساناً إلى الكفر بالوطن، والتآمر عليه، والتحالف مع أعدائه، ويرى أن الانتماء للوطن يعنى أن يرتبط الإنسان بالمكان الذى ولد ونشأ فيه، وأن يعمل لصالحه، مع إيمانه بأنه ينتمى لوطن أكبر يفرض عليه أيضاً أن يعمل لصالحه بعد العمل لوطنه، فالشعور القومي يأتي بعد الشعور الوطني، ومن ليس فيه خير لوطنه الصغير صاحب الفضل الأول عليه، فلن يكون له خير في وطنه الكبير.

وقد جاء في أصول الاجتماع البشرى أن الإنسان مدنى بطبعها ولا يمكن أن يحيا بمفرده، بل لابد من أناسٍ آخرين يشاركونه تعاملاته وأحواله وشئونه، فلما كانت حاجة الإنسان ماسة إلى الاجتماع مع غيره ممن يُشبهه من بنى جنسه، سميت البقعة التي يستوطنها الإنسان وطنا، ويمتد هذا الوطن في دوائره المختلفة ليكون مفهوم الدولة في عصرنا الحديث، وهى التي لها مكونات ثلاثة: أرض وشعب وسلطة، واكل أمة لابد لها من وطنب كما يعبر ابن خلدون.

وللوطن مكانة عظيمة، يحيا الإنسان لأجل هذه القيمة، ويموت في الدفاع عنها، وقد كان لرسول الله وطن يحنّ إليه، ويسعد بسماع أخباره، ويبكى لفراقه كأي مشاعر طبيعية للإنسان تجاه موطنه ومحله الذى يشعر بالانتماء إليه.

الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي والعسكري، تقول إن تنشئة الأجيال على قيم الحبب بشكل عام واحب الوطن بشكل خاص ليس نوعاً من الشعارات الرومانسية أو الجمل التعبيرية الإنشائية، بل هي عملية متكاملة ومهمة جداً خاصة في توقيتات الأزمات والأحداث الفارقة، ونحن نعيش الآن لحظة فارقة صحيح أنها اقتصادية في المقام الأول أو هكذا عنوانها إلا أنها فعلا مؤثرة وممتدة، بحيث إنها من الممكن أن تشكل خطورة على الهوية الوطنية في ظل مؤثرات كثيرة، وهذا يتطلب أن يتم غرس احب الوطن بشكل مؤسسي تشارك فيه - الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الدينية والفنية من خلال نشر قيم الحب وبالتوازي مع زيادة الوعى وتناول القضايا بعمق، ونشر ثقافة تهدف إلى ربط الإنسان بالوطنية وتعضيد الهوية المصرية.

وترى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع، أنه يجب أن نقر أن لدينا جيلاً جديداً واعياً ولديه وسائل معارف كثيرة بعضها يقدم ما هو صحيح والبعض يقدم ما هو خطأ، وهذا يحتاج إلى العمل المكثف من خلال جميع المؤسسات بداية من المنزل والمدرسة وأماكن الثقافة وغيرها، فلابد من أن تكون التوعية من المنزل بأن يعلموا الأطفال معنى حب الوطن، وكذلك في المدرسة لابد أن ترسخ للأطفال معانى الوطنية وحب هذا الوطن وكيفية الحفاظ عليه، ولا بد من ترسيخ معانى حب الوطن، ولا يتم الحديث بشكل سلبى على الوطن، وألا يتم التقليل من مقدار أي شيء يتم في الوطن، وأن يكون هناك توعية وتعريف بمعاني الوطنية.

حب الأوطان من الإيمان والترجمة العملية على هذا الحب، كما يقول الدكتور الشحات عزازى الشحات، شيخ وإمام مسجد السيدة نفيسة، هو الإخلاص له، والتفاني في الذود عنه والتضحية في سبيله بكلّ غال ونفيس، كل هذا في إطار الوفاء والانتماء والحب، ولا ريب أن الخير الذى يحصل عليه الإنسان، والأمان الذى يحققه له الوطن ينشئ حرمة بين الإنسان ووطنه تشبه حرمة الأبوين، وهذا المعنى عبرت عنه الأدبيات المنقولة والتي ورد فيها: احرمة بلدك عليك مثل حرمة أبويك؛ لأن غذاءك منهما، وغذاءهما منهب.

أقرأ أيضا : ماراثون دراجات «يوم في حب مصر» تزامنا مع احتفال مدينة 6 أكتوبر بالعيد القومي