رحلة 20 عاما في مواجهة مرض قلوب الأطفال

عضو الصحة العالمية لشرق المتوسط: نريد إعادة إحياء البرنامج القومي لروماتيزم القلب

د. علاء الغمراوى خلال
د. علاء الغمراوى خلال

قبل 20 عامًا، بدأ الطبيب علاء الغمراوي، استشارى أمراض القلب وعضو منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، أولى خطوات حلمه فى القضاء على روماتيزم القلب فى مصر، المسبب لآلاف الوفيات، من بينها الأطفال، فأسس البرنامج  القومى للقضاء على روماتيزم القلب،  للكشف المبكر وفحص الأطفال والكبار، وعلاجهم قبل أن يصابوا بأمراض القلب التى تنتهى بعمليات القلب المفتوح والوفاة فى كثير من الحالات.

طوال رحلة الغمراوى التى بدأها بإنشاء أول مركز فى المحلة الكبرى بالغربية، إلى أن وصلت إلى 30 مركزًا لروماتيزم القلب وتوليه مدير البرنامج لسنوات، لم يتقاض نظيرها أى مقابل مادي، عاصر 10 وزراء للصحة، كان منهم الداعم لمشروعه ومنهم المعرقل، فكان صبيحة كل يوم يستقل القطار من المحلة إلى ديوان وزارة الصحة الكائن فى 3 مجلس الشعب، وكله أمل فى مقابلة الوزير للحصول على دعمه بإنشاء مركز جديد أو بمد القائم منها بالأجهزة والمستلزمات الطبية..

طوال حوارنا معه الذى استمر لأكثر من ساعتين ونصف الساعة أطلعنا الطبيب على ملف صور كل صورة منه تحمل قصة كفاح لحماية القلوب، ويغلب على الملف التكريمات والجوائز الدولية التى حصدها باعتباره من أكثر المؤثرين فى مجال الصحة العامة بمشروعه، الذى انقذ آلاف الأطفال والكبار،  فى مصر، بل تم نقل تجربته إلى دول خارجية مثل سويسرا واستراليا. لكن لا تزال التجربة التى يعمل عليها الغمراوى تواجه تحديات، يسير العمل بالبرنامج حسب دعم كل وزير يتولى الصحة العامة فى مصر، فقد يتعطل الأمر برؤية الوزير وقد يستمر بدعمه أيضًا، لكن مازال الطبيب يحارب، ليعيد إحياء بعض المراكز التى تعطلت وزيادتها إلى 60 مركزًا لروماتيزم القلب لحماية المصريين واستكمال القوافل الطبية التى تجاوزت 800 قافلة فى كل المحافظات للكشف عن روماتيزم القلب.

مررت بتجربة صعبة لتنفيذ برنامج قومى للقضاء على روماتيزم القلب.. ما تفاصيل التجربة؟

بدأت فى عام 2003 بداية بسيطة جدا كنا نكشف على قلوب الأطفال  بالسماعة من خلال قوافل بسيطة فى المحلة وقمنا بإنشاء أول مركز فى المحلة وبعدها توجهت للوزارة لعرض فكرة إنشاء مراكز فحص روماتيزم القلب فى باقى المحافظات اخذوا كلامى باستهتار كانوا غير مقتنعين بذلك لكن بعد مقابلة وزير الصحة آنذاك الدكتور إسماعيل سلام أعطى الضوء الأخضر وقابلت بعدها مدير منظمة الصحة العالمية فى القاهرة زهير حلاج -سورى الجنسية-، عرضت عليه انتشار نسب روماتيزم القلب فى المحلة وطلبت منه الدعم للقضاء على المرض، فطلب زيارة مركز قلب المحلة فى موعد 4/4/2004.

كنت طبيبا صغيرا آنذاك بالفعل جاء مسئول الصحة العالمية فى موعده لزيارة المركز، ووجد شبابا صغيرا أجرى علميات قلب مفتوح، وبعد عرض المشروع عليه بإنشاء مراكز لروماتيزم القلب اتصل بمكتب القاهرة يأمرهم بإرسال فاكس لإيطاليا لجلب الأجهزة اللازمة لتجهيز أول مركز لعلاج روماتيزم القلب فى المحلة ووصلت الاجهزة من الجمارك ، وتم تعقيد الموضوع ، إلى أن أصدر الوزير قرارا بقبول هدية الصحة العالمية، ونقلت الأجهزة من الجمارك على حسابى الشخصي، وافتتحنا بالفعل أول مركز لروماتيزم القلب بالمحلة.

وما المعوقات الأخرى التى واجهتك فى التنفيذ؟

التجربة لم تكن سهلة فبعد تجهيز المركز بالأجهزة فى مستشفى تابع لوزارة الصحة ، حاول  وكيل الوزارة آنذاك إيقاف المشروع لكن رفضت واليوم التالى أرسل سيارة لتحميل الأجهزة، بالقوة، وبعد اتصالات كثيفة فشل فى ذلك، وذهبت لمقابلة المحافظ ووعد بفتح اول مركز لروماتيزم القلب فى مصر بالمحلة عام 2006، وبعدها امتدت المراكز لتشمل 6 محافظات عن طريق المنظمة وأهل الخير إلى أن تولى الدكتور عادل عدوى وزارة الصحة فى 2014 ودعم المشروع بإنشاء 30 مركزا على مستوى الجمهورية وتم جلب الأجهزة إليهم وتدريب الاطباء عليها بجامعة عين شمس لمدة 3 أيام.

وما الخدمات التى تقدمها مراكز روماتيزم القلب الـ 30؟

يتصفح الغمراوى الملف الذى بيده ليطلعنا على صورة توثق تدشين المبادرة بحضور وزير الصحة آنذاك عادل عدوى ووزير الأوقاف الحالى لإعلان برنامج مكافحة روماتيزم القلب قائلا نقوم بعمل اكتشاف مبكر لمرض روماتيزم القلب وبالمجان، حيث تنتشر الإصابات من سن 5 إلى 15 سنة وتبلغ 80% من الاصابات وتكون فى المدارس أو المناطق الفقيرة لقلة التهوية والازدحام والتغذية غير الصحية فيكونون أكثر عرضة للاصابة للميكروب.

وما الذى اكتشفته بعد عمل المراكز؟

بعد أول عام من عمل المراكز اكتشافنا أن 60% ممن يحصلون على حقن البنسلين طويل المفعول لعلاج روماتيزم القلب تكون بالخطأ نتيجة التشخيص الخاطئ، ولذلك تم وضع نظام تشخيص طبى عالمى صحيح يعتمد على التشخيص بالدلائل الكبرى أقلها الموجات الصوتية للقلب، وتعد المراكز متميزة فى الكشف المبكر وقمنا بعمل إحصائية كشفت عن 5 آلاف عملية قلب مفتوح فى مركز روماتيزم المحلة وهى تكلفة اقتصادية كبيرة، فلو تم الاهتمام بالجانب الوقائى لتجنبنا عمليات القلب المفتوح.

وفور زيارة المركز يتم الكشف على المريض وعمل رسم قلب واشعة الايكو والتحاليل اللازمة وفى حال ثبوت اصابته نعطى له كارت متابعة كل 6 شهور ونضع له خطة العلاج بأخذ حقنة البنسلين طويل المفعول كل 15 يوما ونوجهه للمكان التابع له لصرفها.

هل يعمل الـ 30 مركزا بشكل طبيعى فى هذه الفترة؟

لا يعملون بشكل طبيعى ولابد من إعادة إحياء المراكزمرة ثانية فيوجد مركزان فقط يعملان من الـ30 مركزا لأن وزيرة الصحة السابقة هالة زايد أعطت انطباعا للمديريات بالمحافظات بعدم العمل.

وما الذى تريده لاستكمال مشروعك؟

نحتاج فقط إعادة العمل ثانية وإصدار قرار من وزارة الصحة للمحافظات بالإفادة عن مراكز روماتيزم القلب الخاص بها فيتم إعادة عملها وتنشيطها مرة ثانية، ونتمنى تقوية البرنامج وتحويله ليكون مبادرة رئاسية ليحظى باهتمام أكبر وضمان استمراريته ونحتاج لمضاعفة عدد المراكز لتصل إلى 60 مركزا مع عمل البحث العلمى فى هذا المجال.

ووعد وزير الصحة الحالى الدكتور خالد عبدالغفار فى مؤتمر منظمة الصحة العالمية فى جنيف 23 مايو الماضي، بأنه سيقوى ويدعم هذا المشروع والبحث العلمى فيه من خلال التكامل مابين الجامعات المصرية ووزارة الصحة.

خلال رحلتك فى مشروعك للقضاء على روماتيزم القلب .. ما عدد الوزراء الذين عاصرتهم فى هذا البرنامج؟

عاصرت 10 من وزراء الصحة فى ظل هذا البرنامج، كنت أكافح كثيرا فى ذلك هناك وزير يكون مهتما وآخر غير مهتم بالبرنامج، كنت أحاول أصل لكل وزير للحصول على دعمه للمشروع وعدم منع البرنامج للحفاظ على قلوب المصريين.

فمثلًا أيام الوزير أحمد عماد نظم مؤتمرا كبيرا قدم من خلاله دعما قويا للبرنامج والوزير عادل عدوى كان داعما رئيسيا للبرنامج وأنشأ 26 مركزا، والوزيرة مها الرباط لم تقض فترة كبيرة فى منصبها لكنها لم توقف المشروع، والوزير حاتم الجبلى كان يستجيب لطلباتنا  من غير لقاء مباشر والوزير إسماعيل سلام كان داعما لنا وبعدهم جاء عدد من الوزراء لم يكونوا داعمين للمراكز أما الوزير الحالى الدكتور  خالد عبدالغفار من خلال حديثه يعتبر داعما ويريد تقوية البحث العلمى فى هذا المجال.

رغم كل هذه المعوقات وعدم التعاون من البعض .. ألم تيأس من تكرار المحاولات فى استكمال البرنامج رغم عدم تقاضيك أى أموال مقابل ذلك؟

كانت الإجابة بصورة استعرضها الطبيب يرجع تاريخها لـ12 عامًا مضت بها عدد لا بأس به من المصابين بروماتيزم القلب معلقا عليها كل من فى الصورة أجروا عمليات قلب مفتوح بسبب روماتيزم القلب وأكثر من نصفهم على الأقل ماتوا لأنه لم يتم اكتشاف إصابتهم فى وقت مبكر.

الأمر لم يتوقف على ذلك فأصدر وزير الصحة الأسبق أحمد عماد الدين راضى قرارا لى بتولى مدير برنامج القضاء على روماتيزم القلب بدون مقابل، لكن حين تولت الدكتورة هالة زايد أعادت تشكيل اللجنة المسئولة عن مكافحة المرض وجعلتنى عضوا  ومنذ تشكيلها لم تجتمع نهائيًا إلى الآن وأرسلت للمديريات بانتهاء قرارى كمدير للمشروع ومن ثم لم تعد مديريات الصحة فى المحافظات تتعاون لاستكمال عمل مراكز روماتيزم القلب.

تضمن مشروع القضاء على روماتيزم القلب اتجاها موازيا لكشف المرض، بإطلاق القوافل الطبية للمناطق النائية ..إلى ماذا توصلتم فى ذلك؟

أطلعنا الغمراوى على صور له صحبة فرق طبية تفحص أطفالا فى مناطق متفرقة ونائية منها حلايب وشلاتين والوادى الجديد وحى الأسمرات قائلًا منذ عام 2003 إلى الآن نفذنا 800 قافلة طبية فى القرى والعزب والنجوع  وآخرها كانت المشاركة فى مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى حياة كريمة، مررنا بكل المحافظات  الـ800 قافلة كانت تكشف على روماتيزم القلب ونسبة انتشاره 6 لكل ألف مواطن، ولو تركت نسبة الانتشار دون علاج سينتهى الأمر بنا إلى عمل علميات قلب مفتوح تكلف الدولة مليارات الجنيهات.

ونعمل حاليًا على تنظيم قافلة إلى العريش تعد الأولى من نوعها فى مصر وتقوم بأعمال الفحص والكشف بأجهزة الايكو ومن يكتشف اصابته يتم إجراء العملية الجراحية له فورًا لان القافلة سيكون بها غرف عمليات مجهزة ورعايات لعمليات القلب المفتوح بقيادة فريق طبى متميز من فرق طب المنصورة يرأسه رئيس أقسام جراحة قلب الأطفال فى طب المنصورة وتمدنا وزارة الصحة بالغازات لغرف العلميات.

وما النتائج التى حققها برنامج روماتيزم القلب والقوافل الطبية؟

إلى الآن لا توجد فى مصر حاليا أى حالة حديثة أو جديدة  أو حادة مصابة بالحمى الروماتيزمية أو روماتيزم القلب وهو إنجاز كبير تحقق، والحالات المصابة حاليا هى الحالات المزمنة التى أصيبت من قبل ويتم متابعتها فى مراكز القلب، ولذلك نحن فى الطريق لوضع نهاية للمرض فى مصر، حيث حققنا أكثر من 80% من المستهدف ولا يوجد حاليا أى حالة جديدة أو حادة مصابة بروماتيزم القلب فى مصر.

وهل هناك أنشطة حالية تعمل عليها فى مجال إنقاذ القلوب؟

الآن أطلقنا مبادرة سلامة قلبك وبدأناها فى محافظة الغربية  منذ 3 سنوات لحماية قلوب المصريين وتستهدف الكشف عن العيوب الخلقية فى القلب عند الأطفال وروماتيزم القلب والتهاب الحلق واللوز، ويتم علاج التهاب الحلق واللوزتين بإعطاء المضاد الحيوى 10 أيام أو حقنة بنسلين طويل المفعول للقضاء على الميكروب السبحى تجنبا للإصابة بروماتيزم القلب.

وما تفاصيل الدراسة العالمية التى شاركت فيها مصر؟

هى دراسة شاركت فيها 24 دولة من بينها مصر والهند والصين ونيبال وجنوب افريقيا والسودان وكينيا واثيوبيا والكاميرون ونيجريا، باشراف المعهد الكندى للأبحاث فى كندا وبدأت فى يناير 2017، وتم تدشينها 28 أغسطس 2022 فى مدينة برشلونة من خلال المؤتمر الدولى لجمعية القلب الأوربية..

وأجريت الدراسة على 4500 مريض مصابين بروماتيزم القلب ويعانون من الذبذبة الأذنية وكانت عبارة عن دراسة مقارنة بين الأدوية التقليدية المانعة للتجلط والأدوية الحديثة، وتوصلت إلى فعالية وأمان الأدوية التقليدية مع انخفاض ثمنها،ويتم وضع ذلك فى الدلائل الإرشادية للوقاية من الجلطات التى يعانى منها مرضى روماتيزم القلب والذبذبة الاذنية، ونشرت نتائج الدراسة فى أكبر دورية طبية عالمية وهى «The New England Journal of Medicine NEJM» ، وتنشر فيها الأبحاث العالمية التى لها مرود قوى على صحة المرضى فى العالم.

أما مصر فشاركت فى الدراسة من خلال 14 مركزا بحثيا بالجامعات ووزارة الصحة وهى (قصر العيني- عين شمس- الاسكندرية - الزقازيق - قناة السويس - المانيا - سوهاج - مركز روماتيزم  القلب بالمحلة- مستشفى الفيوم العام) بواقع  750 مريضا  وهو ثانى اكبر عدد للمشاركين فى الدراسة وتعد مشاركة مصر بداية طيبة لان تكون مصر فى مصاف الدول فى البحث العلمى خصوصًا أن مصر كانت فى مركز متقدم فى هذه الدراسة أشاد بها المركز الكندى للأبحاث، وتم برعاية مشتركة مع مركز الابحاث وكان فريق عمل متكامل بين الفريقين.

وما مردود هذا على مصر والعالم؟

 تعد خطوة لوضع نهاية روماتيزم القلب خاصة أن المرض غير موجود فى دول العالم المتقدم وذلك بسبب أن الميكروب السبحى الناتج عن ميكروب الحلق أو اللوزتين فى حال عدم العلاج يهاجم الميكروب ويدمر صمامات القلب ويسبب روماتيزم المفاصل، ويؤثر على المخ والجهاز العصبى والجلد ، وكذلك ساعدت الدراسة فى دخول مصر فى البحث العلمى لصالح قلوب البشرية وخاصة مرضى روماتيزم القلب ويسمى مرض الفقراء.

طوال رحلتك فى مكافحة روماتيزم القلب حصلت على العديد من الإشادات خاصة الدولية ما أبرزها؟

يطلعنا الغمراوى على صور تحمل تكريما له خارج مصر فعلق على الصورة الأولى قائلا هذه صورة لتكريمى من منظمة الصحة العالمية فى جنيف بعد فوزى بالشخصية المؤثرة فى مجال الصحة العامة فى العالم على ما حققه منذ 2003 فى مجال  القضاء على روماتيزم القلب لأن أمراض القلب مسئولة عن 60% من العمليات الجراحية.

ويشير إلى صورة ثانية تحمل تكريمه فى استراليا منذ 6 سنوات فقال قامت استراليا بنقل التجربة المصرية فى مكافحة روماتيزم القلب هناك بالإضافة  إلى سويسرا بعد زيارة مسئول من هناك لمركز روماتيزم المحلة وتم انشاء مركز لروماتيزم القلب على غراره فى سويسرا، وانتشرت التجربة هناك. 

و3 صور أخرى تصفحها الغمراوى الأولى شهادة تقدير منظمة الصحة العالمية والثانية من المجلس العالمى للقلب والثالثة لتكريمه فى أمريكا، مضيفا كان من المفترض تطبيق التجربة المصرية فى الدول الأفريقية بانشاء مراكز لفحص روماتيزم القلب هناك.

وبسبب البرنامج حصلت على تكريم باعتبارى الطبيب المثالى فى وزارة الصحة لـ3 مرات متتالية ثم تعاونت مع الدكتور مجدى يعقوب فى مجال مكافحة روماتيزم القلب، وشاركت فى مؤتمر عالمى فى 2017 بمشاركة 27 دولة بحضور السير مجدى يعقوب لعرض التجربة المصرية.

اقرأ أيضاً| قافلة جامعة طنطا بمركز المحلة الكبرى تقدم الرعاية الطبية لـ 1297 مواطن