محمود سالم يكتب: أم الحضارات

محمود سالم
محمود سالم

المفكر السياسى د. مصطفى الفقى يملك خبرات وشبكة معلومات واسعة فى المجالات السياسية والثقافية اكتسبها على مدى سنوات طويلة حيث تولى العديد من المناصب محليا ودوليا . ونظرا لخبراته الطويلة وإلمامه بالتاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية فقد وقع اختيار د. أحمد غنيم الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف القومى للحضارة المصرية عليه للحديث حول قضية مهمة ألا وهى أصداء الحضارات التى تعاقبت على مصر.

ولذا التف حوله حشد كبير من المسئولين والسياسيين والمثقفين والسفراء فى حوار حول تعريف مشترك لمفهوم الحضارة، هو يراه ذلك النسق الذى تضرب علومه وفنونه وآدابه فى أعماق الزمان والمكان، وبمعنى آخر مجموعة النسب المتجانسة التى تصنع سبيكة مقبولة لدى كل من يتعاملون معها أو يعيشون فى ظلها . ومن هنا لم يجد غضاضة فى تسمية الحضارة الفرعونية بأم الحضارات، وهى الحضارة التى شاركت بعض الحضارات النهرية الأخرى فى الصين والهند وبلاد الرافدين وغيرها من الحضانات التاريخية للحضارات القديمة، ولقد كان نصيب الشعب الذى ننتمى إليه أنه ظل لآلاف السنين حاضنا للثقافات مرحبا بالديانات منطلقا من الفلسفة الموروثة من تلك الحضارات لا لكى نسحب السجادة من تحت أقدام أى منها ولكن للتأكيد على أن الحضارات سلسلة متصلة تلتقى كلها على قاعدة الخير العام والتقدم للأفضل وترسيخ روح الأخوة البشرية.

والحضارة بهذا المفهوم تنعكس على الجماعات البشرية فى السلوك العام وركام التقاليد والقيم التى تعترف بها كل جماعة، ولقد شاءت الأقدار أن يضع المصرى القديم أسسا فريدة للوعى الحضارى الذى سبق به حضارات البحرالمتوسط الإغريقية والرومانية ومعهما الفينيقية وتجاوزت تلك الحضارات على أرض مصر مكانا وتتابعت زمانا حتى أصبحت مضرب الأمثال فى القدرة على الانصهار والانسجام والتناغم .

ولقد ظل د. الفقى لسنوات طويلة مهموما بالتداخل بين الثقافات بمنطق الجوار الجغرافى ثم عدل عن ذلك ولجأ إلى التسلسل التاريخى وقد خرج من الحالتين بمفهوم واحد هو أن الثقافات تتواصل ولا تتنافر وأن الجيوش تحارب والحضارات تتغلغل فى أعماق الطرفين دون تفرقة أو تمييز، فعندما حاولت الدولة العبرية مثلا مواجهة الوجود العربى أطلقت دعايات كاذبة محاولة سرقة التراث الثقافى بدءا من أهرامات الجيزة وصولا إلى طبق الفول والطعمية، فالسطو التاريخى على الحضارات وتشويه الثقافات أمران شائعان فى هذا العصر، وهنا لا يظن د. الفقى أن حضارة تعرضت للتشويه فى العقود الأخيرة مثلما جرى للحضارة العربية الإسلامية التى جرى استبدال التسامح فيها بالتعصب والاعتدال بالتشدد حتى أضحينا أمام حالة من الركود الذى ينهى الحقيقة القائلة بأن التفكيرفريضة إسلامية وأن باب الاجتهاد مفتوح وأن ما تجمع عليه الأمة هو الصواب حتى وإن خالف نصا فرعيا لأئمة المسلمين باستثناء ما جاء فى القرآن الكريم والأحاديث المؤكدة . 
وبعد .. يبقى د. الفقى مفكرا مرموقا ويبقى د. غنيم أفضل من يختار ضيوف متحف الحضارة .