كنوز| «الخورى» يفتح النار على «العندليب الأسمر»

العندليب عبد الحليم حافظ - جورج إبراهيم الخورى
العندليب عبد الحليم حافظ - جورج إبراهيم الخورى

تصيد الكاتب اللبنانى الكبير جورج إبراهيم الخورى رئيس تحرير مجلة «الشبكة» زلة لسان للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ عندما تحدث لنجوى إبراهيم فى برنامج «كلاكيت»، وكتب الخورى السطور التالية فى مقال يقول فيه: 

لم نكن نتوقع ما جاء على لسانه من كلمات فى ما يتصل بروح الأخوة، فكلماته تركت أثرا جارحا فى نفس فيروز وصباح، ونفوس الكثيرين من أهالى القاهرة وبيروت، عبد الحليم حافظ تحدث عن موقف بعض الصحف المصرية من القديرة فاتن حمامة، فعتب عليها لأنها هاجمت فاتن بدلا من أن ترحب بها وتشجعها على البقاء فى القاهرة.

وقال إن فاتن حمامة بنت البلد، بينما إذا جاء «الأجانب» مثل: فيروز وصباح فإننا نفرد لهما الصفحات! هذا ما قاله عبد الحليم حافظ على مسمع من مئات الألوف وبينهم صباح التى كانت فى القاهرة، وفريد الأطرش الذى كان يسجل حديث زميله اللدود! ونحن لا نختلف مع عبد الحليم فى تقييم القديرة فاتن حمامة، لأنها سيدة الشاشة دون منازع.

وبنت البلد التى خدمت مصر بروحها وفنها وزهرة شبابها، وهى التى رفعت الفيلم العربى إلى منصة الشرف، وإذا كانت بعض الأقلام فى القاهرة قد هاجمتها، فهذا شأن هذه الأقلام وحدها، وربما ما تراه عيون الكتاب لا تراه عيون الفنانين، وما تبصره عقول النقاد لا تبصره عقول المطربين، وهذا من شأن الآراء الحرة وحدها، أما ما هو من شأننا، فهو لا يتعدى اعتبار فيروز وصباح أجنبيتين فى نظر العندليب الشادى!! 

فيروز وصباح أجنبيتان.. وفى القاهرة بالذات؟!! ومتى كان العربى أجنبيا فى بلد عربى مثل مصر الكبيرة التى ندعوها بأم العرب ؟ متى كان العربى إذا كان فنانا، إلا ملكا لكل بلد عربى، وحاملا لجواز أحمر لا يمنحه حق الدخول الدبلوماسى فحسب، بل يمنحه حق الطيران فى الأجواء المحرمة أيضا؟ 

تصور يا عزيزى الحليم لو أن كلمة «الأجنبية» أصبحت سارية المفعول بفضل آرائك، تصور لو حدث هذا وبتنا نعتبر أم كلثوم أجنبية فى لبنان، وعبد الوهاب أجنبيا فى سوريا، وفريد الأطرش أجنبيا فى الكويت، وفاتن حمامة أجنبية فى الأردن، وسعاد حسنى أجنبية فى العراق، وشادية أجنبية فى السعودية، وأنت أجنبى فى قطر والبحرين وأبو ظبى والمغرب ؟! وتصور أكثر لو أنك شرفتنا فى لبنان، واستقبلتك صباح بتليفزيون الحازمية لتقول لك: «يا أجنبى»، واستقبلتك فيروز بتليفزيون تلة الخياط لتقول لك: «يا غريب الديار».

واستقبلناك نحن بقولنا: «عبد الحليم الأجنبى فى بيروت!»، تصور هذا وتناسى إذا شئت أنك عندما تهل علينا نعتبر البدر قد هل والسعد قد حل، فنرحب بك أجمل ترحيب، ونستضيفك فى الإذاعة والتليفزيون، ونقيم على شرفك الحفلات، ونوفر لك أمتع السهرات، ونركبك الروزرويس، تصور هذا وتفضل أنقر نقرة خفيفة من أصبعك على جبينك الوضاح، علك تصحو وتستدرك وتقول: «مش معقول»!.

مش معقول طبعا أن يصدر هذا الكلام عن فنان كبير مشهور، راق، ملك ناصية اللغة، ووعى فرائد الأدب، مش معقول أن يتسرب هذا المنطق من عبد الحليم حافظ بالذات الذى نحبه ونقدره ونعتبره فلتة من فلتات الفطنة والذكاء، مش معقول أن يتسلل هذا الذى تسلل من المطرب الطاهر الفم، العنبرى اللسان، الذهبى الحنجرة الذى أحب صباح فى القاهرة كما أحبها فى بيروت، وأعجب بفيروز فى بيروت كما أعجب بها فى القاهرة، واعتبر الاثنتين ثروة من ثروات الطرب المعاصر، وأنا شخصيا أؤكد أن عبد الحليم لم يكن فى حالته المزاجية عندما «أجنب» صباح وفيروز ولم «يعربهما».

لأن عبد الحليم الطبيعى الأصيل، فنان آخر، عبد الحليم الذى نعرفه هو إنسان طيب وعربى مضياف، فنان شفاف يعتبر الموسيقى لغة العالم كله، فكيف إذا كانت أقرب إلى القاهرة من ظله؟ وهو الطائر المغرد الذى يرفرف بصوته وجناحيه على كل الأقطار العربية، فيوافق كل دولة فى ظاهرها وزيها ولسانها، فإذا به لبنانى فى لبنان، وسورى فى سوريا، وكويتى يغنى بالدشداشة والعقال فى الكويت، ويغنى «يا هلى يا هلى يكفى ملامة والعتاب»، ونحن إذا كنا نلوم، فعبد الحليم وحده، وإذا كنا نعتب، فعلى كلامه وحده، ذلك لأن رأيه الذى أبداه فى تليفزيون القاهرة لا يمثل إلا رأيه وحده، وكلامه لا يجسد إلا كلامه وحده، وأثره لا يتعقب إلا أثره وحده ! 

جورج إبراهيم الخورى  «الشبكة» -30 مارس 1970

إقرأ أيضاً|  قصة صورة نادرة جمعت سميرة سعيد مع عبد الحليم حافظ