النقاد يودعون «ساحر» الرواية العربية: «بهاء» يرحل إلى واحة الغروب عاش يحلم بعالم يسوده الحب.. وتغادره الأحقاد

الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر
الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر

بقلم : محمد سرساوى

بأسلوب عذب، استطاع الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر -الذى رحل عن عالمنا - أن يبتكر شخصيات روائية وقصصية ليسوا ملائكة أو شياطين إنما بشر ذوو تركيبات مختلفة، يبحثون عن أنفسهم فى الصحراء أو القاهرة أو الصعيد أو أوروبا حيث نتعرف على حياتهم الاجتماعية، وقصص حبهم فى أعماله: روايات: «قالت ضحى» و»نقطة نور» و»خالتى صفية والدير» و»الحب فى المنفى» ومجموعات قصصية: «أنا الملك جئت» و«بالأمس حلمت بك» و« ذهبت إلى الشلال»، إضافة إلى ترجمته لرواية «ساحر الصحراء» أو «الخيميائى» فى السطور التالية يتحدث نخبة من النقاد عن مكانة الفقيد فى الأدب العربى وبخاصة فن الرواية كما يبرزون خصوصية تجربته الإبداعية:

فى البداية يقول الناقد الكبير د.يوسف نوفل: بهاء طاهر علم من أعلام السرد العربى، وهو من أبرز أبناء جيله الذى أسميه جيل الوسط التالى لجيل نجيب محفوظ، ولكى نعرف هذا الجيل الفنى نوجز القول فى أجيال السرد العربى حيث تصدر المشهد جيل الممهدين الذين مهدوا للسرد الحديث فى أدبنا العربى، ثم جيل الرواد الذين أسسوا للملامح الحديثة فى السرد العربى من أمثال

د.محمد حسين هيكل فى رواية «زينب»، و طه حسين وأمثالهما، ثم جيل المؤصلين وعلى رأسهم: نجيب محفوظ حتى برز جيل بهاء طاهر ومحمد جبريل وجمال الغيطانى وآخرون.


شعر أبناء جيل الوسط ..هو جيل بهاء طاهر، أن أضواء الجيلين السابقين تحجب عنهما بعض الرؤية، حتى صاح أحد أبناء هذا الجيل، ثائرا...نحن جيل بلا أساتذة، وهو محمد حافظ رجب، ماذا تعنى هذه الصيحة؟ الإجابة أن جيل الوسط هذا جيل فنى عظيم، غير أن أضواء الجيل السابق له.

وهو جيل نجيب محفوظ، نالت من شهرتهم وانتشارهم، فشعر بعضهم بالظلم، وأحس بالتهميش إلا بهاء طاهر، وقد مضى فى طريقه الإبداعى شامخا متطورا بشكل لفت أنظار النقاد إليه، لفت نظرى أنا شخصيا حين دعيت إلى مؤتمر أدبى عنه فى الأقصر، لبيت الدعوة مسرورا وشاركت بدراسة نقدية عن روايته «واحة الغروب» ثم نشرتها فى كتابى «فى السرد العربى المعاصر»، وأقول مثل ذلك وأكثر عن سائر أعمال بهاء طاهر السردية وكل عمل منها يستحق الدراسة والتقدير.


رحلة مع المهذب جدا!
أما الناقد المتميز د.حسين حمودة فيقول: رافقته، قبل حوالى عشرة أعوام، والسيدة المهذبة زوجته لمدة أسبوع تقريبًا بالأردن، لعل تهذيبها امتداد لتهذيبه، وتهذيبه امتداد لتهذيبها، كان مدعوًا لملتقى السرد العربى، ولتسلم جائزة هذا الملتقى.

واختارنى (ويا له من شرف لى) لأكون معه (قال لى إنهم سألوه أن يختار ناقدًا يقول شيئا عن عالمه، وعن عالم مؤنس الرزاز)، مع المشاركة فى المؤتمر صحبتنا المحبة دائمًا فى تنقلاتنا المتعددة، بين بيت «مؤنس الرزاز» وأهله الودودين جدًا.

وبين بيت «غالب هلسا» الذى يطل على مشهد شبه ريفى، والذى أصبح بقايا أطلال لكن محاطة بتدفق الخضرة والحياة التى تطل عليها فى سهل واسع، وبين أماكن لمثقفين ومبدعين حقيقيين كثيرين، وبين شواطئ البحر الميت، ومشاهده البعيدة عن الإيحاء بالموت،.. فى السيارة التى كنا نتنقل بها، من مكان إلى مكان، كان ينفصل عنا.

وعن العالم مع أوقات نشرات الأخبار، ، ويواصل: «عندما تسلم الجائزة تبرع بالجانب المادى فيها وهو يتسلمها، بعد الأيام الحافلة، وفى طريق رجوعنا إلى مصر، كنا قد تقاربنا أكثر، وكنت قد اكتشفت فيه أبعادًا إنسانية حقيقية تصادمت مع الأبعاد الإنسانية التى عشتها وعايشتها فى كتاباته.. لا أعرف ماذا أقول الآن.. أنا مع الحالة نفسها المتكررة فى السنوات الأخيرة، حيث الاستيعاب البطيء لرحيل المقربين والمقربات من روحى.. أفكر فى مشاهد كنا فيها، وأحاديث تحدثناها، وربما ضحكات ضحكناها، ولا شىء فى هذا كله له صلة بالرحيل الذى أكابر فى التسليم به، الرحيل الذى سوف يظل تصديقه، بالنسبة إليه، حقيقة مرجأة.


فرسان العقد الذهبى
وتقول الناقدة البارزة د.جهاد محمود: «بهاء طاهر» فارس من فرسان العقد الذهبى لجيل الستينيات، وتكمن عظمة «بهاء» الإبداعية، بقدرته على التأثير فى المتلقى، تأثيرا يكاد يبلغ لدرجة تعديله لفكره أحيانا، ولمسلكه أحيانا أخرى، ولمسلماته أحياناً ثالثة. ومحاولة رد هذه القدرة إلى مرجعها النصى، سوف يقودنا إلى النسق العام الذى يسيطر على مجمل سرديات «بهاء طاهر».

وهو نسق التعبير عن الجماعة من خلال الوعى الفردى، والتعبير عن العام بالإغراق فى الخاص. وحوّل بهاء إبداعه من مجرد سرد لحكاية أو حكايات بعينها إلى أن تكون -فى العمق- نصوصا ثقافية ،  تغوص فى الواقع، و تقدم بعض ما يعانيه المجتمع المصرى والعربى والإنسانى من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية.  

وهو ما يمثل دعوة مضمرة إلى مواجهتها مواجهة جماعية تعطى الإنسان أملا فى مستقبل تسوده العدالة والأمن. ولهذا تمثل هذه الكلمات عن بهاء طاهر فترة غالية وقاسية من نفسى، فكانت هذه الفترة هى إشارة البدء الإيجابية فى تحول الوعى المصرى المعاصر. فكان إبداع «بهاء» وكل ما كتبته عنه فى هذه الفترة التى أتحدث عنها ما بين 2011 الى 2013 مثل شاهد عيان على هذا الوعى.

وكان النقد وقضايا بهاء طاهر تحدث لى اقتلاعا مفاجئا بالانتقال من الأرض المصرية والواقع المصرى إلى أراض وعوالم أخرى عند بهاء طاهر. وهناك قلة من الستينيين (تمسكت بإيمانها) واحترامها لهذه المرحلة التاريخية - غير متناسين لما كان فيها من سلبيات، ومن هذه القلة (بهاء طاهر) الذى كان اسمه مطابقاً لمسماه، وهذا رجل لا يعرف الكذب، اسمه يجمع البهاء بالطهر، عالمه غنى ممتد.


وتقول الناقدة زينب محمد عبد الحميد: شاع عن «بهاء» دعمه لكل من قصده من شباب الروائيين والأدباء خاصة مع تواجده فى مقهى «عمر الخيام» بالزمالك حيث يقصده القاصدون الذين أشادوا بابتسامته ونصحه وتواضعه، حمل «بهاء طاهر» حسًا دراميًا بالغ الرهافة استطاع أن يؤطر من خلاله قضايا جيله، كما امتد تأثير شخصياته الروائية إلى أن تصير إلهامًا متجسدًا خاصة مع وصول عوالمه إلى التلفزيون ليمس قضايا اجتماعية وسياسية دقيقة.

 

وأذكر أن رواية «الحب فى المنفى» بكل ما قيل فيها من امتداح نقدى ثم»نقطة النور» قد استوقفتا كثيرا من جيلى، ليس تأثرًا بما شاع عنهما نقديًا بل بما تحملانه من منعطفات بين التمرد والتصوف والاغتراب إلى الحلم بسيادة حب يصنعه أبطاله.

اقرأ ايضا | في وداع بهاء طاهر.. أدباء يروون قصص «السارد العظيم»