عشوائيات الدراما

ريزان العرباوي
ريزان العرباوي

وما‭ ‬الأفعال‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلا‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحكاية‭, ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تعددت‭ ‬انساقها‭ ‬الثقافية‭, ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬إعمال‭ ‬الحنكة‭ ‬والخبرة‭ ‬الفنية‭ ‬للنهل‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬الحياة‭ ‬دراميا‭.‬

استوقفني‭ ‬مشهد‭ ‬قاسي‭ ‬أعاد‭ ‬للأذهان‭ ‬سيناريو‭ ‬الحادث‭ ‬الأليم‭ ‬لجريمة‭ ‬قتل‭ ‬فتاة‭ ‬المنصورة‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا‭ ‬على‭ ‬الملأ‭, ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬وبنفس‭ ‬الدوافع‭.. ‬دوافع‭ ‬ادعاء‭ ‬الحب‭ ‬والغيرة‭ ‬وحب‭ ‬التملك‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭, ‬جرائم‭ ‬رفضها‭ ‬المجتمع‭, ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬الجاني‭ ‬والمجني‭ ‬عليها‭ ‬شابين‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬أعمارهما‭, ‬ليأتي‭ ‬مشهد‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬“دوبامين”‭ ‬ليجسد‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬فتاة‭ ‬نحرا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬صديقها‭ ‬مرددا‭ ‬لجملته‭ ‬“هتكوني‭ ‬معايا‭ ‬ولا‭..‬”‭, ‬لتسيل‭ ‬بعدها‭ ‬الدماء‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وتسقط‭ ‬الفتاة‭ ‬جثة‭ ‬هامدة‭, ‬قساوة‭ ‬المشهد‭ ‬واستعجال‭ ‬صناع‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬الجريمة‭ ‬دراميا‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬لكارهي‭ ‬الفن‭ ‬لممارسة‭ ‬منهجهم‭ ‬الهادم‭ ‬وبث‭ ‬سموم‭ ‬أفكارهم‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬لقتل‭ ‬الفن‭ ‬والإبداع‭, ‬ومنحهم‭ ‬الفرصة‭ ‬لتوجيه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬للفن‭ ‬بأنه‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬انتشار‭ ‬العنف‭ ‬والجريمة‭, ‬مما‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬مساعي‭ ‬وجهود‭ ‬صناعه‭, ‬لاثبات‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬حياة‭ ‬وسلاح‭ ‬قوي‭ ‬لمواجهة‭ ‬الجريمة‭.‬

في‭ ‬اعتقادي‭.. ‬لقد‭ ‬أبكر‭ ‬مؤلف‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬تطرقه‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭, ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬جريمة‭ ‬تكررت‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متقاربة‭, ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الأولى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬ولا‭ ‬تهدم،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬والإدراك‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭, ‬للحافظ‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬إشباع‭ ‬الجانب‭ ‬المعرفي‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭, ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متون‭ ‬محاكاتها‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬المتعددة‭ ‬للحياة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يخالف‭ ‬ذلك‭ ‬قانون‭ ‬الحبكة‭ ‬وإيقاع‭ ‬الفعل‭ ‬الدرامي‭, ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬الدراما‭ ‬إلى‭ ‬عشوائيات‭.. ‬فالعشوائية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الصفيح‭ ‬والمباني‭ ‬البالية‭ ‬المتهالكة‭ ‬ومستوى‭ ‬الفقر‭ ‬الشديد‭, ‬العشوائية‭ ‬قد‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أفكار‭ ‬هزيلة‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الإبتكار‭ ‬أو‭ ‬التسرع‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬قضايا‭ ‬بفكر‭ ‬ورؤية‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬النضج‭, ‬وللآسف‭ ‬يتم‭ ‬تصديرها‭ ‬للمشاهد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أبسط‭ ‬وأسهل‭ ‬وسيلة‭ ‬اتصال‭ ‬مرئي‭ ‬وعنصر‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الفنون،‭ ‬وهي‭ ‬الدراما‭.. ‬مسلسل‭ ‬“دوبامين”‭ ‬يعتبر‭ ‬عمل‭ ‬مميز‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفكرة‭ ‬والموضوع‭, ‬فقد‭ ‬تطرق‭ ‬لقضية‭ ‬شديدة‭ ‬الأهمية‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬العصر‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتأثيرها‭ ‬السلبي‭ ‬ومحاولة‭ ‬الوصول‭ ‬لمفهوم‭ ‬حقيقي‭ ‬للحب‭, ‬بل‭ ‬وفتح‭ ‬الباب‭ ‬للمواهب‭ ‬الشابة،‭ ‬والأهم‭ ‬تقديم‭ ‬معالجة‭ ‬درامية‭ ‬لمشاكل‭ ‬الشباب‭, ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اختيار‭ ‬مشهد‭ ‬النهاية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اختيارا‭ ‬موفقا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مقحما‭ ‬ليتخلل‭ ‬العمل‭ ‬شبهة‭ ‬استغلال‭ ‬للقضية‭.‬