وما الأفعال الإنسانية إلا شكل من أشكال الحكاية, حتى وإن تعددت انساقها الثقافية, لكن الأهم هو إعمال الحنكة والخبرة الفنية للنهل من حكايات الحياة دراميا.
استوقفني مشهد قاسي أعاد للأذهان سيناريو الحادث الأليم لجريمة قتل فتاة المنصورة جهارا نهارا على الملأ, وما تلاها من جرائم مشابهة في ذات السياق وبنفس الدوافع.. دوافع ادعاء الحب والغيرة وحب التملك من الطرف الآخر, جرائم رفضها المجتمع, لا سيما وأن الجاني والمجني عليها شابين في مقتبل أعمارهما, ليأتي مشهد النهاية في مسلسل “دوبامين” ليجسد جريمة قتل فتاة نحرا على يد صديقها مرددا لجملته “هتكوني معايا ولا..”, لتسيل بعدها الدماء على الأرض وتسقط الفتاة جثة هامدة, قساوة المشهد واستعجال صناع العمل في تجسيد الجريمة دراميا فتح الباب لكارهي الفن لممارسة منهجهم الهادم وبث سموم أفكارهم التي تهدف لقتل الفن والإبداع, ومنحهم الفرصة لتوجيه أصابع الاتهام للفن بأنه سبب من أسباب انتشار العنف والجريمة, مما ينعكس سلبا على مساعي وجهود صناعه, لاثبات أن الفن حياة وسلاح قوي لمواجهة الجريمة.
في اعتقادي.. لقد أبكر مؤلف العمل في تطرقه لمثل هذه القضية, خاصة أنها جريمة تكررت على فترات متقاربة, فكان من الأولى التركيز على القضايا التي تبني ولا تهدم، وتساهم في عملية زيادة الوعي والإدراك لدى الشباب, للحافظ على دور الدراما في إشباع الجانب المعرفي لدى الإنسان, من خلال متون محاكاتها المستمدة من الصراعات المتعددة للحياة الإنسانية، دون أن يخالف ذلك قانون الحبكة وإيقاع الفعل الدرامي, حتى لا تتحول الدراما إلى عشوائيات.. فالعشوائية ليست فقط في مدن الصفيح والمباني البالية المتهالكة ومستوى الفقر الشديد, العشوائية قد تتمثل في أفكار هزيلة وعدم قدرة البعض على الإبتكار أو التسرع في طرح قضايا بفكر ورؤية لم تكتمل النضج, وللآسف يتم تصديرها للمشاهد من خلال أبسط وأسهل وسيلة اتصال مرئي وعنصر هام من عناصر الفنون، وهي الدراما.. مسلسل “دوبامين” يعتبر عمل مميز من حيث الفكرة والموضوع, فقد تطرق لقضية شديدة الأهمية من قضايا العصر حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها السلبي ومحاولة الوصول لمفهوم حقيقي للحب, بل وفتح الباب للمواهب الشابة، والأهم تقديم معالجة درامية لمشاكل الشباب, إلا أن اختيار مشهد النهاية لم يكن اختيارا موفقا، بل كان مقحما ليتخلل العمل شبهة استغلال للقضية.