قضية ورأى

مصرُ ما بعد 3 يوليو 2013

طارق حجّى
طارق حجّى

نظرةُ واحدةٌ على بلدانِ ما سُميّ ذات يومٍ بالربيع العربى تقول الكثير. ومن أول ما سيقال إنه بينما تم تخريب سوريا واليمن وليبيا تخريباً كلياً، وتخريب تونس بدرجةٍ أقل فإن مِصْرَ فقط من بين هذه الدول التى نجت من سيناريو التخريب.

ولا شك عندى أن يوم 3 يوليو 2013 قد شهد العمل الوطنى الذى أنقذ مِصْرَ والمصريين من واقعٍ كئيبٍ كالذى فى سوريا. ومنذ ذلك اليوم الاستثنائى فى قيمته وفى أهميته ومصرُ تشهد جهوداً كبيرةً للرقى بمستوياتها.

وكاتب هذه السطور يميل لتقسيم الأمور التى يتشكل منها فسيفيساء التحديات لمجموعتين أو نوعين من الأمور.

فهناك الأمور المادية مثل: المرافق والطرق وحالات البنية التحية والمدن الجديدة والبيوت البديلة لساكنى العشوائيات ومحطات الكهرباء وغيرها. وهناك الأمور غير المادية مثل: التعليم والخطاب الدينى ومجالات الثقافة العديدة والإعلام. وقد أطلقتُ فى واحدٍ من كتبى (سنوات الجمر فى عمر مصر : 2011 - 2021) تسمية «مجالاتِ الهاردوير Hardware» على الأمور المادية وتسمية «مجالاتِ السوفتوير Software» على الأمور غير المادية.

ولاشك أن الإنجازات فى مجالاتِ الهاردوير منذ 2013 أكثر وأوضح من الإنجازات فى مجالات السوفتوير. وهذا طبيعى. فالتعامل مع المادة أيسر بكثيرٍ من التعامل مع الإنسان ومع عقليته وتفكيره وأنساقه القيمية. كما أن ظهور نتائج التعامل مع المادة هو أيضاً أسرع بكثير من ظهور نتائج التعامل مع الإنسان.
وأهم مجالات السوفتوير فى مِصْرَ المعاصرة هما : «التعليم» و «الخطاب الدينى».

وبينما يؤثر التعليم فى قرابةِ خمسة وعشرين مليوناً من المصريين (وهذا هو عدد تلاميذ وطلاب كل مناحى التعليم فى مِصْرَ ونحو خمسهم فى المدارس والمعاهد والكليات الدينية)، فإن تأثير الخطاب الدينى لا يقل حجماً و نتيجةً. فعدد خطب الجمعة فقط فى مِصْرَ هو أكثر من عشرة ملايين خطبة. ومن العبثِ إنكار حجم تأثير الخطاب الدينى الذى لم يجرؤ أحدٌ قبل سنة 2014 على الجهر بضرورة مراجعته وتحديثه.

أما التعليم، فإن كاتب هذه السطور والذى كان عضواً بالمجلس الأعلى للتعليم فى أكثر من بلدٍ، والذى درَس بتعمق أرقى ثلاثةِ نظم تعليم فى عصرنا وهى: نظم التعليم فى فنلندا و سنغافورة  واليابان، يعرف أن نقطة بداية أى نظام تعليم متميّز هى «فلسفة هذا النظام التعليمى» والتى عادة تصاغ فى أقل من أربع صفحات تحدد فيها أهداف وأغراض التعليم أى «ماذا يستهدف المجتمع من نظامه التعليمى؟». وهنا مجال وضع أسس الأنساق القيمية المرجو تأصيلها بمحاذاة التعليم.

وأما الخطاب الدينى، فبحر عارم بكل ما تعنيه الكلمتان. ولاشك أن أثره على العقل الجمعى المصرى كبيرٌ جداً. ومن المستحيل إنكار الرابط بين نوع معينٍ من الخطاب الدينى وآفاتٍ مجتمعيةٍ عديدة مثل: العنف وعدم قبول الآخر وتدنى مكانة المرأة فى المجتمع.