علاء عبدالكريم يكتب: احتيال وتبادل أدوار

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

بقلم: علاء عبدالكريم

أكثر ما يمكن فهمه الآن وفيما مضى؛ هو أن العدو الحقيقي للدولة المصرية هم هؤلاء أصحاب التيار الأصولي بكل مسمياتهم ومشاربهم بداية من الإرهابية ونهاية بداعش وبوكو حرام، فهم ذرية بعضها من بعض، وأظن أن هذا الفهم يأتي متسقًا مع إجرامهم وتآمرهم على مر الزمان ضد الوطن، وضد المجتمع، هم في الواقع يتآمرون ضد الدين الذي ينسبون أنفسهم إليه، ويدعون أنهم يعملون باسمه.

هل يدركون أنهم بانحرافهم، يشوهون صورة هذا الدين، ويُظهرونه أمام العالم كله بمظهر المبادئ الهدامة المخربة والدعوات الدموية المظلمة، مع أن الإسلام رحمة ونعمة، وسلام ومحبة، وألفة ومودة، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

في خطبة الوداع التي ألقاها داهية العرب الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام في مجلس الشعب عام 1981، وقبل اغتياله بشهر وقف يقول: «إنه لا فرق بين جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية الأُخرى، والتي تسعى في نهاية المطاف إلى الهدف نفسه، وهو تفكيك مؤسسات الدولة، وإقامة الخلافة الإسلامية وفق رؤية المرشد، أو رؤية أمير الجماعة».


«مكانهم السجون»، علا بها صوت السادات قبل أن يأتي مشهد النهاية بكل ما فيه من آلام ودماء تنجست بها أيديهم، وغدر وخيانة، وأسرار ربما لم يحن بعد الكشف عنها.

وبعدها بأعوام قليلة وفي حوار مهم مع السيدة جيهان السادات – رحمها الله – سألها صحفي أجنبي: «هل شاهد الرئيس الراحل السادات التسجيلات للإرهابيين والتي خططوا فيها لمقتله؟!، أجابت السيدة جيهان السادات قائلة: «أنا والسادات لم نكن غائبين عن ما يحدث، فالسادات كان يعلم ثمن ماقام به بالحرب مع إسرائيل ثم التفاوض معها لتحقيق السلام، ومع ثقته أنه سيغتال إلا أن ذلك لم يوقفه أو يرهبه فهو كان يشعر أن عليه رسالة يجب أدائها نحو مصر».

هكذا نجد وبيقين لا يقبل الشك أن فلسفة الإرهاب التي روجت لها عصابة المقطم على مر تاريخها الدموي وكل التيارات الأصولية؛ تعادي جميع المجتمعات في الشرق والغرب، وتتعالى عليها – وإلا ماذا تعني أستاذية العالم –وهي فكرة فاشية ظل مؤسس أول تنظيم إرهابي في العالم حسن البنا يحلم بها في تمكين التنظيم من السيطرة على العالم عبر عملية تدريجية، تبدأ بتكوين الفرد الإخواني ثم الأسرة الإخوانية ثم الجماعة الإخوانية، وأظن أن العالم بدأ يفيق على خطر التنظيم الإرهابي، بعد سقوط مشروعهم في حكم مصر، بعد ثورة تجسدت فيها إرادة شعب رفض الفاشية الدينية وكشف مخططهم في تحويل مصر إلى إمارة إخوانية ضمن مشروع الخلافة المزمع، فكان الزحف الأكبر في الثلاثين من يونيو عام 2013، ثورة كانت بمثابة قُبلَة حياة لوطن – مستعيرًا عبارة النائب خالد بدوي، عضو مجلس النواب، عن تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين، وكاد أن يفارق مكانه الأصيل بين دول العالم؛ وكانت نموذجًا فريدًا للقضاء على جماعة إرهابية وذيولها داخليًا وخارجيًا، تنظيم احترف غزل الدين بالسياسة حسب أطماعه وأهوائه وطالما يبرر به جرائمه؛ وهو الخطر الذي حذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسي العالم مرارًا وتكرارًا.

فما تفعله جماعة الإخوان الإرهابية الآن من ممارسات بدأت بإصدار «جبهة لندن» وثيقة سياسية أعلنت فيها «تجاوز الصراع على السلطة بمصر، والانسحاب من أي معارك عليها»، فيما لوحت جبهة أخرى بـ «الابتعاد عن العمل السياسي»، ثم أصدر تيار ثالث أطلق على نفسه «تيار التغيير» وثيقة أخرى زعم فيها «استمراره في ممارسة السياسة للوصول للسلطة»، في ظني كلها مراوغات تأتي في سياق تبادل الأدوار، نوع من الاحتيال ليس إلا، مثلما فعلوا في الماضي عندما ذهب مرشدهم الهضيبي لمقابلة الملك فاروق، ليخرج بعدها ليصف المقابلة بأنها «مقابلة كريمة لملك كريم»، ويتبع ذلك بقوله، «إن الإسلام يدعو إلى الطاعة لولي الأمر»، ثم لا يلبث أن يطلب من أعضاء مكتب الإرشاد أن يذهبوا إلى سراي عابدين ليقيدوا اسماءهم في سجل التشريفات خضوعًا وولاءً قائلًا: «أن ذلك من أدب الإسلام»، وبعد ثورة يوليو يخرج مفتي الدم سيد قطب مادحًا الثورة، ويصفها في مقالة قائلًا: «إن عهدا عفنًا بأكمله يلفظ أنفاسه الأخيرة في قبضة طاهرة، ولكنها قوية مكينة، فلا بأس أن يرفس برجليه».

وكما بدأت اختم، فأصحاب التيار الأصولي أيًا كان مسماه هم العدو الحقيقي لنا، هؤلاء يريدوننا أن نكره أنفسنا وحياتنا، يريدون مجتمعًا مضطربًا وغير مستقل، يُعلي قيمة التطرف والتعصب على قيمة الانتماء للوطن، أن تصل رسالتهم لنا «أن آخر وجه من وجوه الإسلام السياسي هو «داعش».